الرفيق» بوتين إن فعل!؟»
سعدالله مزرعاني سعدالله مزرعاني

الرفيق» بوتين إن فعل!؟»

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وكتلته الأوروبية الشرقية، في مطلع العقد الأول من القرن الماضي، اتجهت الولايات المتحدة الى سياسة تهميش ومحاولة إلغاء الدور الروسي على المستوى الدوليواستدعى ذلك عزل ومحاصرة روسيا من الخارج (بما في ذلك من خلالأقرب جيرانها)، وتفتيت وتشتيت هذا البلد العظيم الثروات المادية والثقافية، والأكبر مساحة على الكرة الأرضية، من الداخلوالمطلوب من أجل ذلك، كان دعم أمثال الرئيس الروسي الأول بعد الانهيار، بوريس يلتسين، في عملية التناوب على إدارة شؤون روسيا.ومعه ومعهم جرى تشجيع كل أشكال المافيات والفساد والهدر وعدم الاستقرار والتوترات والصراعات.

 

 

لم تسر الأمور على هذا النحو منذ مجيء من بات يعرف بـ«رجل روسيا القوي»، فلاديمير بوتين الى سدة الرئاسةفعلى أثر تعاظم الشكوى في روسيا ضد الفوضى والفساد والمهانة والجوع، سعى بوتين خلال فترة توليه السلطة، تباعاً، الى إخراج روسيا من الوضعالخطير الذي وصلت إليه، والى بلورة مصالح كتلها البرجوازية المتكونة، بعيداً من إرهاب المافيات التدميرية في الداخل، وسياسة الهيمنة والإلحاق، من الخارج الأميركي، على وجه الخصوص.

قبيل انتهاء فترة ولاية الرئيس الروسي قبل ست سنوات، حاول الأميركيون تصفية الحساب مع بوتينأما الوسيلة والشعارات، فكانت دعم تداول السلطة في روسيا، والحفاظ على الدستور وإشاعة الديموقراطيةتنبه بوتين مبكراً للخطة التي يجري إعدادهاالتف علىالمواد الدستورية المانعة لتجديد انتخابه عبر احترام اللعبة الديموقراطية، لكن دون مغادرة السلطةكان الحل، كما هو معروف، في «التبادل» مع رئيس وزارته في الموقع، دون خسارة النفوذ أو تغيير السياسات والتوجهات والعلاقات.

إنّ بوتين الذي حقق نجاحات ملموسة في مجال الأمن والاقتصاد، وفي حقول عديدة أخرى، قد طوّر، بالتناسب مع ذلك، من تمايزه عن الخطط والسياسات الأميركية، وصولاً الى إعلان رفض بعضها، ومواجهة بعضها الآخر علانيةمن غزو العراق، إلى الدرعالصاروخية في بعض بلدان أوروبا الشرقية (بولندا خصوصاً)، الى التعامل مع سورية وأزمتها في المرحلة الراهنة.

في مجرى ذلك، تدرج بوتين وفريقه، من الاعتراض على محاولة الولايات المتحدة «السعي إلى التفرد بإدارة شؤون العالم»، كما قال في حينه (في 2004)، إلى استخدام القوة او التهديد بها في وجه محاولات واشنطن وبعض من تدعمهم، النيل من الداخل الروسي أومن الجوار الاستراتيجي (كما في أزمة جورجياومشروع «الدرع الصاروخية».

ولقد أسهمت «إخفاقات» الولايات المتحدة الأميركية في العراق خصوصاً، في تحسين مواقع موسكو في صراعها مع واشنطن، وكذلك في تأجيج الصراع الراهن وإكساب نتائجه أبعاداً استراتيجية على المستوى «الجيوسياسي»، كما وصف وزير الخارجية الروسيسيرغي لافروف خطط وسياسات واشنطن الراهنة، وخصوصاً في ليبيا بالأمس، وفي سورية، في المرحلة الراهنة.

ثمة   تطوّر في مواقف الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، ما تدرج، أخيراً، الى إضفاء صفة الشبهة على إسقاط الاتحاد السوفياتي نفسهفبوتين يربط بين إسقاط الاتحاد السوفياتي بالأمس، ومحاولة تطويق وإقصاء وإسقاط دور روسيا اليوم.

لا يعني ذلك، بالضرورة، حنيناً حقيقياً إلى المرحلة السوفياتية، أو سعياً إلى استحضارهاإنّه يعني، بالتأكيد، اعتراضاً واضحاً، بل وحازماً، على إدانة كل معطيات تلك المرحلة، بما فيها المتعلقة بروسيا السوفياتية أو الحالية كدولة عظمى، كما تفعل الإدارات الأميركيةالمتعاقبة.

في السياق المذكور، تواصل روسيا تطوير علاقاتها في كل الاتجاهاتوهي تقيم الآن صيغ تعاون وتنسيق وثيقين مع العملاق الصينيكذلك، هي تشغل الموقع الثاني في العالم في تصدير الأسلحة والنفط.

كذلك على مستوى العلاقات الدولية، كرست موسكو من خلال الأزمة السورية الراهنة وقائع جديدة في العلاقات والمؤسسات الدولية، في الجمعية العمومية ومجلس الأمن خصوصاًلقد انتهى في هذه المؤسسات زمن التفرد الأميركي الذي اتخذ شكلينالاحتقاروالتجاهل كما في غزو العراق، والاستخدام المباشر والفئوي وغير العادل دائماً، كما في العمل العسكري ضد النظام الليبي السابق، وكما في حماية إسرائيل.

ويتكرر السؤال اليومماذا تريد روسيا؟ وهل ستستمر في دعم النظام السوري مثلاً؟ البعض يبحث عن إجابات جزئية هنا او هناك، لكن كل الإجابات تبقى قاصرة ما لم تنطلق من الواقع المذكور آنفاًروسيا تدافع عن وحدتها، وسيادتها، ومكانتها، ومصالحها الإقليميةوالدولية، على حدٍّ سواء!

وبهذا المعنى الشامل والمصيري والمتكامل على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، ليست التسويات مع روسيا من النوع السهل والبسيطهي ليست بالتأكيد في أن تلقي واشنطن لروسيا ببعض الفتات، أو أن تكف واشنطن عن تشجيع الاحتجاجات ضد بوتين أوالتظاهرات ضد الحكم والحكومة الروسيين.

ويجب إضافة أنّ روسيا ليست وحدها من يعترض على الخطط والسياسات الأميركية في العالمفالخارطة الاقتصادية تتغير بسبب تغيّر القدرات الصناعية والتكنولوجية والاقتصادية للدول والمناطق، وبسبب أزمات واشنطن الاقتصادية وإخفاق مغامراتها العسكريةثمةاقتصادات ناهضة تشق طريقها بقوة في هذا العالموهي بالتأكيد، تسعى إلى بناء خارطة جديدة للعلاقات وللتوازنات وللنفوذ على امتداد العالم وأسواقه وثرواته وموارده.

ولقد جاء وقت أيضاً، لتكريس تكوّن قوى عظمى إقليمية جديدةكان يحصل ذلك فقط في كنف الرعاية والدعم الأميركيين، لكن ثمة أمثلة الآن تشير الى كسر هذه القاعدة التي مثلتها بامتياز الدولة الصهيونية سابقاًإنّ تحوّلات جرت في أميركا اللاتينية منذ مطلع هذاالقرن، وتحوّلات سياسية وشعبية تجري في منطقتنا منذ مطلع العقد الثاني فيه... وبينها ما يؤشر الى نشوء وتبلور تحوّلات ذات أهمية استراتيجية جديدةعلى المستوى الإقليمي الآن، والدولي لاحقاًإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تواصل نجاحاتها العلمية التسليحيةالدفاعية والهجوميةوهي على وشك التحوّل الى دولة نووية بالمعنى الكامل للكلمةوفي ضوء ذلك تلح على إيران الآن، أسئلة الخروج من القمقم المذهبي الى رحاب الصراع الحضاري الشاملوهو صراع حول الحقوق والعدالة والحرية والديموقراطية والثرواتوالمشاركة والسيادة والتنمية والتقدم...

 الحياة دائماً أغنى من محاولات حصرها في أنماط جامدةإنّها لا تكسر الأطر والأنماط المغلقة فحسب، بل هي تقدم دائماً الجديد والمفاجئ والمتغيّر!

*كاتب وسياسي لبناني ـ قيادي في الحزب الشيوعي اللبناني

 

■  الأخبارقاسيون بتصرف

آخر تعديل على السبت, 09 كانون2/يناير 2016 20:42