التصعيد الصهيوني بين فرضيتين

التصعيد الصهيوني بين فرضيتين

كان لافتاً أن التصعيد “الإسرائيلي” في الضفة وغزة والذي جاء بعد اختطاف ثلاثة مستوطنين إسرائيلين في الضفة الغربية، جاء بالتزامن مع الاجتياح الداعشي لمدينة الموصل وما تبع ذلك من توتر إقليمي ودولي لن يهدأ في الوقت القريب.

الثابت حتى الآن أن فصائل المقاومة كافة لم تعلن حتى اللحظة مسؤوليتها عن هذه العملية خلافاً لما اعتادت عليه في المرات السابقة حينما استخدمت معادلة “أسر جنود الاحتلال الإسرائيلي” مقابل الإفراج عن الأسرى في سجون الكيان الغاصب.

الرد على الفاشية في معقلها؟!

بناء على ذلك تقول الفرضية الأولى أنه: “من مصلحة قوى المقاومة التي قامت بهذه العملية أن لا تعلن عن مسؤوليتها عن عملية كهذا في هذه اللحظة”. لكن هذه الفرضية غير منطقية إلى حد ما، فالمقاومة غير مضطرة اليوم لإخفاء أفعالها حتى لو كان ثمن تبني عملية كهذا نسف المصالحة بين حماس وسلطة عباس أو اجتياح «إسرائيلي» واسع للضفة وغزة، وفيما لو كانت مضطرة لإخفاء ذلك فكان السلوك المنطقي لها هو أن لا تقوم بهذه العملية أصلاً. ومع ذلك يبقى احتمال أن تكون قوى المقاومة مسؤولة عن هذه العملية هو احتمال وارد من موقع رد الصاع للتعنت «الإسرائيلي” في عدم الإفراج عن ألوف الأسرى الفلسطينين داخل معتقلات الاحتلال، أو حتى من موقع قيام حلف المقاومة الإقليمي في استدراج الكيان الصهيوني، أحد أهم معاقل الفاشية في المنطقة، لمعركة استنزاف طويلة تهدف إلى خلق إحداثيات جديدة للمعركة الإقليمية التي تخوضها قوى الفاشية ضد الإقليم كاملاً. 

ومع استنفار قوى المقاومة لاحتمالات الرد على التصعيد الصهيوني وفقاً لبياناتها العسكرية، كان محمود عباس الذي يهجس بردود المقاومة، يتبرأ منها ومن الانتفاضة على منبر مؤتمر القمة الإسلامية، معلناً تعاطفه مع المستوطنين المخطوفين وتنسيقه الأمني الكامل مع الاحتلال مستجدياً من الكيان الصهيوني عدم استخدام أسلوب العقوبات الجماعية!!   

هجمة صهيونية-

فاشية في اللحظة الحرجة؟!

لكن معطيات أخرى لعملية الاختطاف تضع احتمالات لفرضية ثانية، فالعملية جاءت في الوقت الذي استنفر العالم كله بسبب الاجتياح الفاشي المدعوم أمريكياً وسعودياً في العراق، كما أن ما يسمى “داعش- بيت المقدس” تبنت العملية في تسجيل بث على الانترنت وذلك بالتزامن من حديث لوجود لداعش في الأردن ولبنان واحتمال اشتعال المنطقة وتفتيت العراق. وكان لافتاً أيضاً أن عملية الخطف تمت في أراضي الضفة الغربية الخاضعة كلياً للإدارة الأمنية للاحتلال الصهيوني. 

إن كل هذه المعطيات تجعل من فرضية «أن الصهيوني خلق ذريعة لأجل توسيع هجومه الفاشي على الأراضي الفلسطينية في لحظة إنشغال محور المقاومة بالوضع السوري المعقد وذلك بالتزامن مع الهجوم الفاشي الأمريكي أيضاً في العراق”. لقد جاءت ردة الفعل “الإسرائيلية” لتعزز هذه الفرضية فقد تم إعادة اعتقال مئات الأسرى الفلسطينيين الذين حُرروا في صفقة تبادل الأسرى مع الجندي الصهيوني شاليط، كما استهدفت الغارات الصهيونية العديد من مخيمات غزة المحاصرة ما أوقع عشرات الضحايا. ومن الجدير ذكره أن الاتهام الأمريكي و”الإسرائيلي” المتكرر لحركة حماس، والذي لم يبن على معطيات جدية يدخل في إطار مغازلة القيادة المصرية الجديدة، لغض الطرف عن الممارسات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني طالما أن حركة حماس بعلاقتها المتوترة مع مصر في الواجهة. طبعاً تصريحات محمود عباس لا تأتي في إطار سد الذرائع للكيان الصهيوني، فالعدو لايحتاج إلى ذرائع للاجتياح، وإنما تأتي تصريحاته التي دانت العملية وتوعدت بمحاسبة الفاعلين، في إطار إعطاء الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لضرب ما تبقى من قوى المقاومة في الضفة الغربية.

ربما تكون الحقيقة ما بين الفرضيتين أي أن التصعيد الفاشي من العدو الصهيوني يجيء بالتزامن مع قرار المقاومة بفتح معركة مع الاحتلال، فمرحلة كسر العظم والاشتباك المباشر ما بين محور الفاشية والذي يشكل الكيان الصهيوني ركنه الرئيسي في المنطقة، وبين قوى السلم العالمي والتي تشكل قوى المقاومة للعدو الصهيوني مركزاً هاماً فيه، باتت لا مفر منها.