تغيّر العراق ولم يتغيّر سياسيوه!

تغيّر العراق ولم يتغيّر سياسيوه!

 

رغم تغير العراق كثيراً خلال العقد الماضي، إلا أن منطق سياسييه مازال محكوماً بمنطق الثنائية الوهمية، القائمة على الاختيار  بين خيارين سياسيين متطابقين من حيث الجوهر متناقضين ظاهريا. فإما صدّام أو أمريكا سابقاً، والآن، إمّا المالكي أو إسقاطه!

لا يمكن قراءة المشهد العراقي اليوم بمعزل عن الأوضاع  الإقليمية، فالعراق اليوم هو عراق مبتلى بدولة هشة، وحكومة موروثة من حقبة الاحتلال، ونخبة سياسية فاسدة وطائفية بمعظمها، تقف في كل الأطراف سلطة أو معارضة.

تحدث نوري المالكي بعد موجة من الاحتجاجات عن حق الشعب بالتظاهر السلمي، وقال: « أنه من مصلحة الحكومة أن يخرج الناس إلى الشوارع للتعبير عن حقوقهم». جاء هذا الحديث خلال حضور المالكي الاحتفالية المركزية بذكرى تأسيس الشرطة العراقية حيث حذر من مشروع  معد للفتنة بين المتظاهرين وقوات الشرطة العراقية ، كما أشار إلى وهم الانجرار وراء حشود الساحات، ورأى المالكي أن: «ليس كل من يخرج ويجمع ألف أو ألفين ويعطيهم 100  دولار لكل شخص من أموال وسخة جاءت من الخارج هو الذي يمثل إرادة الشارع العراقي»، مضيفاً بالقول «لنستمع جيداً للشعب العراقي من خلال الآليات والتشكيلات».

بدا المالكي مستوعباً دروس التغيير التي مرت على المنطقة  حيناً، وفي أحيان أخرى كرر المالكي المفردات ذاتها التي استخدمتها النخب الحاكمة في العديد من البلدان في وجه جماهيرها التي تحركهم إرادة التغيير،  دون أن نستطيع إغفال مشاريع المؤامرات الغربية الإمبريالية للسيطرة على هذه الإرادة.

في الطرف المقابل طالبت القوى البرلمانية المعارضة لحكومة المالكي باستجواب عاجل له أمام البرلمان، حيث وافق البرلمان العراقي، يوم 9 كانون الثاني، على طلب لاستجواب المالكي، تقدم به خمسون نائباً.

إلا أن البعض استهجن السرعة التي سارت بها الموافقة على هكذا طلب، حيث تمت الموافقة عليه في غضون خمس دقائق فيما لم يُبت بطلب استجواب وزير الكهرباء المقدم منذ أربعة أشهر حتى الآن.

حشد المالكي أنصاره وتظاهروا يوم الجمعة الماضي 11 كانون الثاني مؤيدين لقانون مكافحة الإرهاب بجميع بنوده  و رافضين للتدخل الخارجي، بالمقابل تظاهر المعارضون في اليوم ذاته وندّدوا بالطائفية ودعوا إلى الوحدة الوطنية، و رفعوا لافتات كتبت عليها «لا لتسييس القضاء» و «نطالب بإيقاف الاعتقالات العشوائية».

بدا المشهد العراقي من حيث الشكل مشابهاً لكثير من المشاهد في دول الجوار، وهو حقيقةً أمر طبيعي في تبديه هكذا، حيث تخضع المنطقة كاملة لذات المحددات الموضوعية، سواء لجهة نضوج ضرورات التغيير في بنية الأنظمة السياسية والاقتصادية من جهة، أو لجهة مساعي الغرب الإمبريالي لعدم إفلات زمام الأمور لمصلحة  شعوب المنطقة.

إن مشهداً من علٍ للوضع الإقليمي في المنطقة يتضح أكثر فأكثر، فالوضع العراقي يخضع كما السوري لتوازن دولي محدد، كما يستند إلى معادلة إقليمية متشابهة، حيث لا تستطيع الفرق المتخاصمة حسم الصراع في داخل بلدانها دون حدوث تغير في المعادلات الإقليمية والدولية. وفيما لو سلمنا بأن الوضع الدولي مستقر ولو آنياً عند التوازن الصفري بين القطبين الأمريكي من جهة والروسي الصيني من جهة، وبالرغم من أن الأوضاع على الأرض تتغير كل يوم، فسنكون أمام صورة معقدة، تحمّل كل القوى في المنطقة مسؤوليات وطنية تاريخية .  فتدهور الأمور في سورية لمصلحة الغرب الإمبريالي الداعي لاستمرار القتال سيعني بكل تأكيد امتداد هذا العنف إلى الداخل العراقي طالما ظل العراق على الانقسام ذاته.

كما أن عدم الذهاب فوراً إلى تغيير جدّي في العراق يجنّبه ويلات الفوضى التي عانى منها شعبه سيضيف إلى الخارطة  السورية المتأزمة عنصراً جديداً، سيغير بكل تأكيد خريطة سورية وكل المنطقة، من احتمالات التغيير بالتكاليف الحالية إلى احتمال الفوضى المستمرة. 

بكل تأكيد ، لامجال اليوم لحديث الحكومة العراقية أن دعوات التغيير هي «مؤامرة» وفقط، فهو بذلك يزيد الأزمة ويضع كل المنطقة أمام احتملات سوداوية، ولامجال أيضاً للنخب السياسية المعارضة أن تتحدث عن «رحيل المالكي أو التصعيد» فهي تعيدنا بذلك إلى ذكريات العقد الماضي ، وعلينا أن نتذكر أن هذه الخيارات تضعنا أمام أكيد وحيد وهو المشروع الأمريكي للمنطقة وهو الفوضى، ولاعذر لمن علم فكيف لمن جرب!