أبعاد المناورات العسكرية الإيرانية والروسية الأخيرة في المنطقة
د. فريد حاتم الشحف د. فريد حاتم الشحف

أبعاد المناورات العسكرية الإيرانية والروسية الأخيرة في المنطقة

لا شك أنّ ما شهدته وستشهده المنطقة من مناورات عسكرية، إيرانية وروسية، بهذا الحجم وهذه الضخامة، وما سبقها من مناورات صينية، وصينية – روسية مشتركة، أثارت العديد من التساؤلات والتكهّنات حول توقيتها والهدف منها، وبخاصّة في هذه المرحلة بالذات.

 

التي تشهد توترات وأزمات متعددة، أهمّها وآخرها الأزمة في سورية، وتباين المواقف الدولية نحوها. ومهما يكن من أمر، فإنّ هذه المناورات لها دلالات متعددة، وتحمل أكثر من رسالة.

لقد كان واضحاً، منذ بداية ما يسمّى بالربيع العربي، وما سبقه من نشاط دبلوماسيّ أمريكيٍ مكثّف، من خلال الصناديق المختلفة التسميات، وبخاصة في السنوات الأخيرة التي سبقت هذا «الربيع»، حيث وبحسب إحصاءات وزارة الخارجية الأمريكية نفسها، أنّها وخلال أعوام 2002 – 2008، استقدمت ودرّبت 148,700 شاب يمثلون حركات معارضة شبابيّة مختلفة من مصر وحدها، أبرزها حركة «مصر 6 أبريل»، على كيفية إدارة المظاهرات والاحتجاجات، واستخدام الإنترنيت، كأحدث وسيلة للترويج للأفكار، ودعوة أكبر عدد ممكن من الناس للنزول إلى الشارع، إنّ الولايات المتحدة تسعى إلى الإمساك بزمام المبادرة بإطلاق، أو إدارة هذا «الربيع» بما يخدم مصالحها ومخططاتها في هذه المنطقة الحسّاسة والهامة جدا من العالم.

أيقنت روسيا والصين وإيران، أن مصالحها في المنطقة هي المستهدفة، وبخاصّة بعد استغلال أمريكا وحلف الأطلسي، القرار الصادر عن مجلس الأمن، لشنّ حرب على ليبيا راح ضحيتها عشرات الآلاف، ثم التدخل السافر غير المباشر في الشؤون الداخلية السورية، مستغلّين الأزمة، لتقديم كل أشكال الدعم المادي والمالي والعسكري واللوجستي للمسلّحين، عن طريق أدواتهم في المنطقة، ومحاولاتهم قطع الطريق على أي حل سلمي للأزمة. لذلك رأينا كيف استخدمت الدولتان الروسية والصينية الفيتو أكثر من مرّة، ضد استصدار أي قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع.

لقد أصبح واضحاً للجميع، أنّ الصراع على سورية الذي يدور حالياً، بعد حوالي السنتين من انفجار الأزمة فيها، هو المعركة الأخيرة الفاصلة بين عالمين: عالم أحادي القطب هيمن على الحياة السياسية الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وعالم جديد متعدد الأقطاب تشكل مؤخراً، سيكون لكل من روسيا والصين الدور الأهم فيه.

لكنّ الولايات المتحدة والدول الغربية، لا تريد أن تسلّم بالأمر الواقع، وتحاول من خلال إطالة الأزمة في سورية، بعد أن تعذّر إسقاطها، والتهديدات التي تطلقها ضد إيران بين الحين والآخر، أن تمنع هذا العالم الجديد من التشكل، وأخذت تهدد بالحرب من خلال افتعال أزمة السلاح الكيميائي في سورية، ونشر بطاريات الباتريوت على الحدود التركية السورية، أملاً في إحداث تغيّرات  _ما على أرض الواقع، أو فرض شروط  ما_ ريثما تتمكن هذه الدول من تجاوز أزمتها المالية والاقتصادية التي تعصف فيها.

لذلك نرى أن القوى الجديدة الصاعدة على المسرح السياسي الدولي، حاولت منذ بداية انفجار الأزمة في سورية، جهدها لجمع قيادات القوى السياسية المعارضة، ولإطلاق حوار وطني شامل يفضي إلى حل الأزمة سياسياً، لكن معارضة الولايات المتحدة، وبعض أدواتها الإقليمية، عرقلت وما زالت تعرقل، إنجاح هذه الجهود، برغم إدراك الجميع، وبخاصّة بعد حوالي السنتين، من اندلاع مواجهات مسلّحة، بين المسلّحين  وقوى الجيش والأمن في سورية، أن الحلّ العسكري لن يؤدّي إلاّ إلى المزيد من الدمار والخسائر الماديّة والبشرية، ولن يكون عاملاً حاسماً في حل الأزمة في السورية.

أتت المناورات العسكرية الإيرانية الضخمة مؤخراً في مضيق هرمز والبحار المجاورة، والمناورات الروسية المزمع إجراؤها قريباً، والتي ستكون حسب المراقبين هي الأضخم، منذ تفكك الإتحاد السوفيتي، لتبعث برسائل متعددة إلى الدول الكبرى والإقليمية أهمها بالنسبة لإيران:

أولاً_ استعراض لقوتها العسكرية، ولتقول لمن يفكر بتوجيه ضربة عسكرية ضدها، أنّها قادرة على الرد، ليس ضمن حدود الدولة الإيرانية، بل في أيّ نقطة يمكن أن تهدد أمنها ومصالحها في المنطقة.

ثانياً_ إيران لن تسمح بالتدخل العسكري الخارجي ضد حلفائها في المنطقة، وهي قادرة لتقديم أي دعم عسكري يلزم عند الضرورة.

ثالثاً_ إنّ إيران دولة إقليمية كبرى، وأنّ أيّة مشكلة إقليمية تحصل، لابد أن يكون لها دورٌ، إن لم يكن رئيسياً في حلها.

رابعاً_ إيران أصبحت دولة نووية، ولن تسمح لأحد بأن يحدد لها شروطاً في تطوير هذا البرنامج، طالما نشاطاتها النووية، تقع ضمن إطار الاتفاقيات الدولية المبرمة.

خامساً_ رسالة لتركيا، بأن نصب بطاريات الباتريوت على أراضيها، سيعرضها أكثر من غيرها للخطر، في حال حصول أي عمل عسكري في المنطقة يستهدف إيران وحلفائها.

سادساً_ رسالة إلى الشعب السوري والدولة السورية، أن إيران لن تقف على الحياد في حال تعرضت سورية لأي عدوان عسكري.

أمّا روسيا، فتريد من هذه المناورات أن تقول لمن يهمّه الأمر:

أولاً_ أنّ روسيا عادت إلى الساحة الدولية بقوة، وقوتها العسكرية ما زالت بل أصبحت أقوى من أي وقت مضى.

ثانياً_ روسيا قادرة ليس بالأقوال بل بالأفعال، على الدفاع عن مصالحها، ومصالح حلفائها في أي منطقة من العالم.

ثالثاً_ عدم التفكير بشنّ أي عمل عسكري ضد سورية، وعلى الجميع المساهمة في إيجاد حل سلمي، تكون أولوياته مصالح الشعب السوري ومكوناته الرئيسية.

رابعاً_ إنّ البحر الأبيض المتوسط، يمثّل منطقة مصالح حيوية بالنسبة لروسيا، ولن تسمح لأحد أن ينفرد في شؤونها دون التنسيق مع روسيا.