الدور الوظيفي الجديد لتركيا

الدور الوظيفي الجديد لتركيا

 لعبت تركيا عبر التاريخ الحديث دوراً بارزاً في الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة وخصوصاً في فترة الصراع الدولي بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي حاولت بعض النخب التركية رسم استراتيجية جديدة لتركيا تمكنها من لعب دور إقليمي مستقل ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل، وتم الإطاحة بتلك النزعة من خلال صعود الإسلام السياسي إلى سدة الحكم، التي كانت إيذانا بالدور الوظيفي الجديد لتركيا منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى  ضمن الاستراتيجية الأمريكية وأهمية ذلك في استمرار عملية الهيمنة والتحكم بالتطور اللاحق للوضع الدولي.

طُرِح في مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار الأمريكية قبل سنوات سؤال ذو دلالة بالغة، وهو لماذا يكرهوننا في الخارج؟ ومجرد طرح هذا السؤال يعني ضرورة البحث عن بدائل وأدوات لتسويق المشروع الأمريكي، وعراباً جديدا يناسب المرحلة وتعقيداتها... ومن الطبيعي أن تكون تركية بحكم علاقاتها المتشابكة العسكرية والاقتصادية والأمنية أن تكون أحد الوكلاء الإقليميين، لتسويق تلك السياسات   الأمريكية والغربية عموماً تحت راية الدين، طالما أن الأغراب باتوا مكروهين وباعترافهم،  إذا والحال هذه فالإسلام السياسي عموماً وفي نموذجه التركي بالتحديد هو إحدى أدوات المشروع الذي عجز أصحابه عن الترويج له وتسويقه، لما يشكله الدين من مكانة في ثقافة شعوب المنطقة، ولاسيما أن ذلك يتكامل مع السعي الحثيث من المراكز الرأسمالية في إشعال الصراعات البينية، على أسس مذهبية أو عرقية بين شعوب المنطقة، ففي هذه المنطقة تتعدد الطوائف والمذاهب والأديان، وتركيا بما تشكله من ثقل سياسي وعسكري واقتصادي إقليمي ونخبة حاكمة تحمل أيديولوجيا دينية تبدو حصاناً يمكن الرهان عليه في لعب مثل هذا الدور.

تركيا تتجه شمالاً نحو آسيا الوسطى، وشرقاً نحو أفغانستان، وجنوباً نحو العراق وسورية أي أنها تزج بنفسها في آتون كل الصراعات الدائرة في المنطقة متكئة على شهر عسل الإسلام السياسي بنموذجه الأمريكي وصعوده على اثر انطلاق الحركات الاحتجاجية، لتسرق بذلك تضحيات الشعوب من أجل التغيير وتحرف مسار الحركات الشعبية وتفرغ الشحنة الثورية في معارك هامشية.

وتركيا  تعتبر أيضاً وانطلاقا من سياساتها إحدى الأدوات الموظفة لإرباك الدور الروسي الصيني المتصاعد عبر الاندماج التام بالاستراتيجية الأمريكية. والسؤال هل تستطيع تركيا القيام بهذا الدور وتنفيذ المهمة المسندة إليها؟

وتركيا لعبت وتلعب دوراً في إدامة الاشتباك في سورية عبر الدعم العلني لبعض الجماعات المسلحة، والخطاب الديماغوجي المضلل.

إن حجم التناقضات الداخلية في تركيا من القضية الكردية إلى قضايا أخرى ذات طابع مذهبي وديني، إلى الخلافات العلنية بين النخب السياسية التركية، مضافاً إليها تبعية اقتصادها لاقتصاد مأزوم عالمياً تؤكد على أن اي دور تركي ليس إلا دوراً مؤقتاً، لا سيّما بعد تصاعد الدور الروسي الصيني ودفاعهما عن مصالحهما الاستراتيجية الأمر الذي يصطدم حكماً بالدور التركي، ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول بأن تركيا بسياساتها الحالية وضمن توازن القوى الدولي الجديد تضع قضية وجودها كوحدة جغرافية سياسية على بساط البحث.