حوار مع الباحث التركي اوز متا آكنجي:  يجب أن تميز الشعوب بين الثورة الحقيقية وتزييف الثورة

حوار مع الباحث التركي اوز متا آكنجي: يجب أن تميز الشعوب بين الثورة الحقيقية وتزييف الثورة

قاسيون: ما سبب زيارتكم وعملكم في الملف السوري؟

إن السبب الرئيسي لمجيئي إلى هنا هو العمل على منع تقسيم سورية، فإذا تم تقسيم سورية سينتقل التقسيم إلى تركيا، وبالإضافة إلى ذلك فإن لدي خطة للخروج من الأزمة السورية. وقد سبق وتحدثت مع أحد ممثلي السلك الدبلوماسي وقلت له العبارة التالية: «لو لم نربط (شواطات) أحذية أمريكا وأوربا ببعضها البعض لكانوا توجهوا إلى سورية بعد انتهائهم من ليبيا».. لقد ربطناهم مع بعضهم فلم يعد بإمكانهم التحرك إلاّ سويةً، لذلك لم يتمكنوا حتى الآن من القيام بأية عملية عسكرية في سورية، وهم مضطرون الآن لاتباع الأسلوب الديبلوماسي في التعامل مع الملف السوري، وهذا إيجابي.

يجب إطلاق مبادرة قبل نهاية شهر رمضان

قاسيون: لكنها ستنقل مهمة الحرب إلى متعهدين ثانويين.. أليس كذلك؟

لا أمريكا ولا أوروبا يمكنهما الدخول حالياً بحرب في سورية، فهما تعانيان أزمة مالية وتفتقران إلى التمويل، إذاً لم يبق أمام الولايات المتحدة والغرب سوى خيار واحد هو المرتزقة أو المأجورون، والجهة الوحيدة التي لا يوجد لديها انتخابات بين هؤلاء المأجورين هي حزب العدالة والتنمية، ولكن هذا الحزب لا يملك الذكاء أو الكفاءة للقيام بأية عملية عسكرية. ولهذا السبب يعيش رجب طيب أردوغان حالة فضيحة الآن، وكذلك داوود أوغلو، فالشعب التركي غاضب لأن المسلحين الموجودين في أنطاكية وأضنه يدخلون بيوت المواطنين الأتراك كاللصوص، ويخرج هؤلاء المسلحون من الملاهي الليلية ويطلقون النار على الشرطة في الشوارع، وقد تهجموا على أحد الأعراس في أنطاليا وضربوا الشرطة هناك، وفي الآونة الأخيرة قام المسلحون بإنزال العلم التركي في مخيم كيليس ورفعوا بدلاً عنه علم الانتداب الفرنسي على سورية، وقد أوقعت هذه الأمور حزب العدالة والتنمية في فضيحة، ولأن هذا الحزب لا يمتلك كفاءة وذكاء النخبة السياسية، فقد اعتقد بأن الناتو الذي يضم الولايات المتحدة والغرب سيأتي من خلفه ويدعمه في هذه العملية، ولأنه لابد من تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقترح تقسيم المنطقة إلى 28 دولة، فإن هذه الضرورة تدفع بحزب العدالة والتنمية للانتحار وراء هذا الأمر.

لقد وصلنا إلى نتيجة إيجابية، ولكن علينا قبل نهاية شهر رمضان أن ندفع لإنجاح المشروع الذي قدمته للقنصلية الروسية، وعلينا العمل بشكل سريع قبل نهاية رمضان لأن مشروع الغرب سيبدأ في ذلك التوقيت بالذات.

قاسيون: ما جوهر هذا المشروع؟

ما يمكن الحديث عنه الآن إذا استطعت أن ألتقي بالمسؤولين السوريين وأن أقنعهم بما يجب علينا القيام به، فنستطيع أن نتحرك برعاية روسيا لحل الأزمة السورية والأزمة الإيرانية سويةً، وما يجب أن نقوم به عملياً له اعتماد على الاقتصاد، وسنكون حينها قد حققنا السلام العالمي انطلاقاً من دمشق.

قاسيون: كيف ترى العلاقة بين فشل المشروع الأمريكي من جنوب وشرق المتوسط حتى قزوين وبين الأزمة السورية؟

إن عملية خلق عدم الاستقرار في المنطقة انطلقت من شمال إفريقيا من جهة ومن أفغانستان من جهة أخرى، ولكن كلتا الحركتين اصطدمتا في مكان قوي جداً هو سورية، وبالتالي إذا لم يتم التقاء هذين الخطين في سورية ولم يتم الربط بينهما فإن هدف وضع أنابيب الغاز الطبيعي بيد القوى الاحتكارية الكبرى لن يتحقق، ولن يتم التقسيم كذلك.

تنظيم القاعدة، هي الناتو «الأخضر»

قاسيون: هنا بالذات، ما دور تركيا في مساعدة العدو الأمريكي بالخروج من أزمته وتحقيق حلمه بتفتيت المنطقة؟

إنهم يستخدمون حزب العدالة والتنمية كفرقة انتحارية في هذا الأمر، كما ويستخدمون القاعدة التي أسميها بالناتو الأخضر.

قاسيون: أليس هذا توريطاً للشعب التركي بما هو ضد مصالحه.. ما انعكاس ذلك في الداخل التركي؟

انقسم الشعب التركي والرأي العام في تركيا إلى ثلاثة أقسام؛ الأتراك، والأكراد، وحزب العدالة والتنمية.. وبالتالي وضعت تركيا في حالة ضعيفة جداً، وسبب هذا الضعف هو نفقات حزب العدالة والتنمية الضخمة التي وصلت إلى ترليوني دولار خلال السنوات العشر الأخيرة، وهي نفقات لا تقدم أية حسابات للصالح العام، وقد همشت سياسات حزب العدالة والتنمية دور مجلس الأمة التركي الكبير.

قاسيون: لاحظنا منذ عام 2005 بسبب مواقف أردوغان الشكلية المعلنة ضد إسرائيل أنه حاز على شعبية سواء في تركيا أو في الوطن العربي، ولكن الأحداث كشفت هذه المزاعم فكيف الآن نرى موقف أردوغان من القضية الفلسطينية بالذات؟

إن ما جرى في دافوس كان عبارةً عن مسرحيتين، وهو سيناريو مكتوب في هوليود، وكل ذلك كان تمثيليات لصنع شخصية أردوغان ذات الكاريزما، وقد أخذ أردوغان من اللوبي اليهودي ميدالية التفوق مقابل لا شيء، والآن ينظر الشعب التركي إلى أردوغان بارتياب. 

قاسيون: بالنسبة لعلاقة حكومة أردوغان مع حكومات الخليج، ألا تهدف هذه العلاقة إلى تحويل الصراع من عربي صهيوني إلى صراع عربي إيراني؟

ما تقوم به أمريكا هو أنها تشير إلى إيران لتخيف السعودية ودول الخليج، أي إنها تستعمل إيران لتخويف هذه الدول، ولهذا تقول لهم إنها ستسلحهم وتزودهم بجميع أنواع التقنيات ولكن عليهم أن يدفعوا التمويل لمشروعها في الشرق الأوسط.

قاسيون: نعتقد بأن أحد أهداف الإدارة الأمريكية هو تحويل الصراع في المنطقة من صراع بين الإمبريالية والشعوب، إلى صراع مركّب على الفالق السني الشيعي، بحيث تكون تركيا بقيادة أردوغان قائدة الإسلام المعتدل في وجه إيران الشيعية، كيف ترى الأمر؟

تظهر أمريكا الصراع على هذا الشكل، وقد جرى نقاش في البنتاغون الأمريكي حول أن الحرب تحتاج إلى نفقات كبيرة، ونحن هنا نتحدث عن مشروع يضم 28 دولة هو مشروع الشرق الأوسط الكبير، لذلك فعليهم أن يوقعوا بين هذه الدول بما يدفعها إلى إنهاء بعضها دون أن يدفع الأمريكيون أي دولار، ودون القيام بأية حرب، أي كما حدث في الكويت التي تم احتلالها بطائرتين، وبهذا يخول الأمريكيون لأنفسهم الدخول إلى هذه الدول تحت حجة الحماية والأمن وحقوق الإنسان.

الكتله الأوراسية

قاسيون: إذاً المستهدف من مشروع الشرق الأوسط الكبير، هو شعوب هذا الشرق العظيم، ولذلك رفعنا شعار إمكانية توحيد جهود الشعوب لكونها مستهدفة.. ما قولكم؟

نحن في تركيا نطلق على الشرق العظيم تسمية الكتلة الأوراسيوية، وموضوع تصفير المشاكل في تركيا كان موضوعاً طرحه ووضع أسسه الجيش التركي، ولذلك فإن قسماً كبيراً من ضباط الجيش التركي اليوم في السجون، ولكن شاؤوا أم أبوا فإن حلف أوراسيا أصبح أمراً واقعاً.

سورية محظوظة بأنها ليست عضواً في الناتو، فمنذ عام 1946 وحتى اليوم الناتو مستوطن في كل بقعة من تركيا، ولو لم تأت نقود ساخنة إلى تركيا لما كنتم سترون هذه المناظر الخلابة التي ترونها فيها، بل قسوة الأزمة عليها أسوأ من غيرها. إن أردوغان يتحول للفاشية وسيحاكم على الفساد الذي مارسه ونشره منذ عشر سنوات وحتى الآن، لقد وصلت درجة خوف أردوغان إلى أن يحول تبعية جهاز الاستخبارات القومية التركي من رئاسة مجلس الوزراء إلى شخصه بالذات، ولهذا نسمع كل فترة بأنه تم اعتقال أو قتل ناس أتراك ربما يكونون من جهاز الاستخبارات التركية أو غيرها، والمسؤول الحقيقي عن مقتل هؤلاء هو أردوغان.

قاسيون: كيف تنظر قوى التحرر الوطني في تركيا لمسألة التغير بميزان القوى على المستوى العالمي، خصوصاً بعد الفيتو الروسي الصيني الذي تكرر ثلاث مرات؟

إن أهم ما حققه استخدام الفيتو لثلاث مرات هو أنه أعطى الفرصة لسورية ولبقية دول العالم بأن تنظر إلى حقيقة ما يجري في سورية، وأن تعيد حساباتها لما جرى في مصر وليبيا وتونس، لقد سقطت أنظمة هناك ولكن ماذا جرى حقاً؟ إن هذا الفيتو أعطى فرصة للشعوب لتعيد حساباتها. وتبين أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يقومون بحركات قطاع الطرق، لدرجة أن الغرب وأمريكا اللذين أخذا من القاعدة ذريعة لاستصدار قرار من الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب، هما الآن يتعاملان مع القاعدة نفسها، ولهذا أطلق اسم الناتو الأخضر على القاعدة. لقد توازعوا الأدوار حيث يقوم الناتو الأخضر بخلق عدم الاستقرار في الدول المستهدفة ثم يقوم الناتو الأزرق بدخول هذه الدول بحجة إعادة الاستقرار إليها.

قاسيون:  نعتقد أنه منذ انفجار الأزمة الرأسمالية العالمية عام 2008 أقفل الأفق التاريخي أمام الرأسمالية العالمية كنظام، وعندما نشبت الأزمة السورية وتم استخدام الفيتو برز على المستوى الدولي تطور جديد في ميزان القوى إلى جانب تشكيل مجموعة البريكس، كل هذه المستجدات لن تعطي فقط فرصة للشعوب لإعادة حساباتها من الأزمة بل ستعطيها أيضاً أملاً وتفاؤلاً بأن نهوضها قادم ومحقق النصر في النهاية..

أرى أن هذا سيفضي إلى إيجاد ثلاثة أقطاب وليس قطبين اثنين، أو إلى عدم وجود أي قطب على الإطلاق، سيكون هناك تحالفات إقليمية، ولكن إذا نجحوا في تقويض الدولة السورية، وأعتقد بأنهم لن ينجحوا، سنعود إلى القطب الواحد الذي كان سائداً خلال زمن الرئيس الأمريكي جورج بوش، أي سنصل عبر الانتخابات الأمريكية الجديدة إلى جورج بوش جديد وقطب أوحد جديد.

قاسيون: ـ نحن نثق بأن الأمريكيين في أزمة كبرى، ومن هنا قلنا إن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد أمام الشعوب في مواجهة الإمبريالية الأمريكية وكل مشاريعها بما في ذلك إسرائيل.. والأزمة الرأسمالية الحالية هي أزمة بنيوية لا خروج منها، ولذلك فإن الشعوب المضطهدة والمقهورة يمكن لها مستقبلاً أن توجه ضربة قاصمة لهذا النظام غير العادل على الإطلاق، ونرى أنه لا مهرب للتاريخ من ترسيخ قواعد العدالة الاجتماعية المتمثلة في الاشتراكية..

لقد قال الغرب إن من حكم ليبيا وتونس ومصر هم ديكتاتوريون فتم إسقاطهم ليتم بعد ذلك وضع أيدي الغرب على أموالهم، والشعوب التي اعتقدت أنها قامت بثورات كانت فرحةً لدرجة أنها أعطت بيدها النقود للمستعمر.

قاسيون: هناك سبب لذلك، فهذه الشعوب ابتليت بقيادات سياسية رضخت للضغوط الأمريكية والإسرائيلية وأصبحت قيادات تابعة.

يجب أن تستيقظ الشعوب بحيث تستطيع التمييز بين الثورة الحقيقية والثورة المزيفة.

قاسيون:  ذلك يحتاج إلى حامل اجتماعي وقوى ثورية حقيقية تقود هذه الثورة، وليس قطاع طرق كما قلت..

لقد قال متحدث من المعارضة السورية على قناة فرانس 24 إنهم نزلوا إلى الشارع لكي يعرضوا مطالبهم ولم يستخدموا الأسلحة أبداً، ولكن جاءت مجموعات مسلحة وسرقت الثورة منهم. فما كان من القناة إلا أن قاطعت المتحدث.

قاسيون: ما هو حجم القوى الوطنية الثورية التركية المؤيدة لخيار المقاومة والرافضة لخيار التدخل العسكري في سورية؟

بعد أن فضحت الأعمال المسلحة في سورية استيقظ الشعور الشعبي في تركيا وقد أجرى حزب العدالة والتنمية استبياناً بين أعضائه أظهرت نتائجه أن 80% من الأعضاء يرفضون التدخل الخارجي في سورية، و15% يوافقون على دخول الحرب فقط في حال حدوث حرب شاملة ضد تركيا، وبالتالي فقد ثارت ثورة أردوغان خاصةً حين سألته أمريكا لماذا لم تستطع إقناع شعبك؟ وطلبت منه العمل بجد لإقناع شعبه للتدخل في سورية.

قاسيون: هل تعتقد أن أردوغان سيركب رأسه لدخول حرب في سورية رغم مقاومة أعضاء في الجيش وفي حزبه ورغم مقاومة أغلبية الشعب التركي لذلك؟

كل ما على أردوغان فعله هو البكاء وذرف الدموع، ففي حال نجاحه فيما يخطط له سيجعل دموعه تذرف أكثر لاستنهاض المشاعر القومية عند الأتراك.

قاسيون:  وهل سيتمكن عند ذلك من إيجاد اصطفاف داخل الجيش والرأي العام التركي للدخول في معركة؟

إنه يمتلك أكثر من 200 قناة تلفزيونية، وفي حال مقتل مئتي عسكري سيقول إن عددهم كان ألفي عسكري استشهدوا، وقد يستطيع بذلك استنهاض الأتراك لزجهم في المعركة، وفي حال أدرك الجيش هذه الحقيقة ولم يستنهض، فإن أردوغان سيهاجم الجيش زاعماً بأنه لا يستجيب لنداء الواجب، فأردوغان خبير في اصطناع الفتن، ولذلك لابد من  وجود مقاومة شديدة في الشمال السوري، ولابد من منع عناصر القاعدة من دخول هذه المناطق.

انقاذ خطة عنان

قاسيون:  تؤكد بأنك ساهمت شخصياً في وضع خطة البنود الستة لكوفي عنان، هل تعتقد أن هذه الخطة بعد تطور الأحداث ما يزال لها حظوظ بالتنفيذ؟

نعم، ومجيئي إلى سورية حالياً يهدف إلى إنقاذ الخطة، فالبند الأول من المهام الموضوعة هي الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية أرضاً وشعباً، والبنود الخمسة الأخرى مرتبطة بذلك، وهناك فقرة في البند السادس تقول إن من لا يتقيد بوقف إطلاق النار سيتم تهميشه والتشهير به في مجلس الأمن بالإضافة إلى الذين يقفون وراء تسليحه، ولكنهم حذفوا هذه الفقرة من البند السادس.

قاسيون: ما المطلوب من سورية تطبيقه من أجل تفويت الفرصة على الأعداء للتلاعب بخطة كوفي عنان؟

لابد من تحقيق بعض المرونة في بعض البنود، مع التأكيد على عدم السماح بإيجاد ما يسمى بممرات إنسانية، فبالنسبة للمساعدات الإنسانية وبمقتضى البند الأول سيتم مرور هذه المساعدات من خلال السلطات السورية.

قاسيون: لكن في البنود الستة هناك إطلاق سراح معتقلين.. وهناك انسحاب للقوات من المدن.. وهناك وقف دعم وتسليح الجماعات الإرهابية المسلحة.. وهناك بند يضم التباساً يقول بالسير بالقيادة السورية إلى التغيير.. والمشكلة الأساسية هي أن تركيا والسعودية وقطر ومن خلفهم أمريكا اشتغلوا على أمرين؛ الأول مطالبة معارضة اسطنبول والقاهرة بعدم الموافقة على الحوار، والثاني أن التسليح العسكري للمجموعات المسلحة أخذ في الازدياد.. فما قولكم؟!

إن المقصود بإطلاق سراح المعتقلين هو إطلاق سراح أولئك الذين لم يتورطوا بالدماء، أما البند الذي يضم التباساً فكان يجب وضع هذه الفقرة لإقناع بقية الدول بالموافقة على الخطة، ولكن بالمقابل هناك نقطة هامة هي أن جميع المواد الخمسة تسير وتتبع لمقتضى المادة الأولى التي تقول باحترام وحدة سورية أرضاً وشعباً واحترام سيادتها.