اليابان.. والحلول الأمريكية المجربة
ستيفين ليندمان ستيفين ليندمان

اليابان.. والحلول الأمريكية المجربة

عنونت جريدة الفاينانشال تايمز، في 4 نيسان، إحدى مقالاتها بأن «البنك الياباني يسير على خُطا البنك الفيدرالي في أخذ المنشطات». إذ يبدو أن سياسة تسريع عجلة الاقتصاد إلى حدها الأقصى تعكس سياسة حاكم البنك الياباني «هاروهيكو كورودا»، وفي مؤتمر صحفي له قال:«سيكون للتيسير النقدي بعدٌ جديدٌ تماماً، سواء من الناحية الكمية أو النوعية»

ترجمة وإعداد : ديمة النجار

ضخ النقود كحل «استراتيجي»!

فيما عدا التسهيلات الطارئة التي شهدها أواخر العام 2008، تعتبر هذه التسهيلات الجديدة التي يقدمها البنك المركزي الياباني أشد حالات التهور التي مر بها على الإطلاق. وهي ليست حالة طوارئ قصيرة الأجل، بل هي «تغيير متعمد في فلسفة الأمور».

لقد تخلى البنك المركزي الياباني عن كل ما كان يدعو إليه سابقاً في السياسات النقدية، واتجه إلى سياسات نقدية عالية الخطورة، ومع الوقت ستثبت الحياة القول الفصل في هذه الأمور، وربما سيكون ذلك ضربة قوية لليابان في حال فشله.

إن خطط البنك المركزي الياباني تهدف إلى مضاعفة القاعدة النقدية، ويسعى «كورودا» إلى تحقيق ذلك خلال أقل من سنتين، ويعمل البنك الاحتياطي الفيدرالي على مضاعفة ميزانيته بشكل أبطأ.

حتى الآن، ينفق البنك المركزي الياباني 21% من الناتج المحلي الإجمالي لدعم سياسات التيسير الكمي*. وغالباً ما يشتري سندات قصيرة الأجل. وهو يأمل من خلال ذلك أن يحدث «تسرب من البنوك إلى باقي قطاعات الاقتصاد». لكن ذلك لم يحصل مطلقاً.

ويزيد «كورودا» الأمر سوءاً في الخطة B البديلة عن الخطة A، حيث سينفق 40% من الناتج المحلي الإجمالي على سندات طويلة الأجل لدعم سياسات التيسير الكمي. الأمر الذي وصفه المختصون بأنه غير مسبوق في السياسات النقدية وشبهوه بالانفجار العظيم .

وصلت القيمة السوقية للسندات الحكومية إلى 240% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مايعني وصول اليابان إلى أعلى حدود للمديونية ضمن البلدان المتقدمة، ولم يتبع ذلك تضخم شامل بعد، لكن لا شيء يضمن عدم حدوث ذلك.

يخطط «كورودا» لشراء نحو 70% من سندات الدين الحكومي على مدى العامين المقبلين، وفي حال زيادة معدل التضخم فإن عمليات الشراء سوف تنخفض، ماسيخلق حالة من عدم الاستقرار، وهو ماسيؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار السندات الحكومية، وستؤثر الخسائر على ميزانية البنك المركزي والثقة به.

التضخم والبطالة كنتيجة حتمية

تحدث الدكتور «ليكس هوغدوين»، البروفسور في الشؤون المالية والاقتصادية، سياسات «كورودا» عن التيسير الكمي بأنها «من الصعب التحكم بها»، وفي الوقت نفسه سيكون من الصعب جداً سياسياً وضع مكابح لهذه العملية في حال انطلاقها، وهذه العملية يمكن أن تعيق، كما يمكن أن تحدث تشوهات في الاقتصاد الياباني.  

إن المخاطرة تكمن في التضخم الذي سيحصل في نهاية المطاف، فالخطط التي يطرحها «كورودا» لمواجهة الانكماش الاقتصادي ولتحفيز الاقتصاد ربما تعود على اليابان بنتائج عكسية، مسببة ارتفاع التكاليف التي ستؤثر على الغذاء والوقود والمواد الضرورية الأخرى.

فنتيجة لسياسات مشابهة، يعاني ما يقارب 25 مليون أميركي من البطالة، كما يتلقى عدد كبير منهم أجراً قليلاً لقاء عمل بدوام جزئي أو مؤقت بدل الوظائف بدوام كامل. فالتضخم وصل إلى حوالي 9٪ نتيجة لكيفية تقدير الأمور في العقود الماضية، فالفقر والقرب من خط الفقر يهدد نصف الأسر في الولايات المتحدة.

يقول البروفسور «سامرز» إن «كورودا» يفكر بعقلية الاقتصادي الأمريكي برنانكي ذاتها «ونحن نعلم جميعاً كيف سينتهي هذا»، فهو يتوقع كارثةً. لأن كل فقاعة متضخمة لابد ستنفجر، و«هذه المرة لن يكون الأمر مختلفاً».

يقول محررون في مجلة وول ستريت بأن الاقتصاد الياباني بحاجة إلى إصلاحات تعتمد على «إصلاح البنى الاقتصادية وليس السياسات النقدية». إلا أن رئيس الوزراء «شينتارو آبي» من الحزب الليبرالي الديمقراطي يقاوم ذلك، بل إنه يفضل أن تترك ل«كورودا» تحمل أعباء هذه المهمة.

إن حث الخطا باتجاه التيسير الكمي سيؤثر بشدة على الدول المجاورة لليابان، فكوريا الجنوبية بدأت تستشعر الخطر، وأندونيسيا، تايوان، تايلاند وماليزيا أيضاً ستتأثر وكلها ستخسر.

تهاوي النموذج الأمريكي

تبين أن عملية ضخ المال في ميزانيات البنوك لدفع الاقتصاد المتعثر طريقة غير مجدية، فلقد فعل «بيرنانكي» ذلك منذ العام 2008.

ويقول الخبير الاقتصادي «ديفيد روزنبرغ» إن التيسير الكمي المفرط ليس «دواءً لكل داء» بل إنه إعلان عن «هزيمة الذات» عندما يرى الأمريكي بأن عوائده تنخفض بهذا الشكل الكبير.

إن ما نحتاج إليه هو سياسات مالية محكمة تأخذ بعين الاعتبار معطيات السجلات التي تشير إلى أن 90 مليون أمريكي تركوا سوق العمل مؤخراً، وأن 40% من المنتمين لصفوف العاطلين عن العمل لم يحصلوا على أي عمل ولو مؤقت لمدة تزيد عن 6 أشهر.

إن زيادة ميزانية البنك الفيدرالي ثلاثة أضعاف ليصل إلى 3.2 تريليون دولار لم يؤثر تأثيراً يذكر في تحفيز النمو وخلق فرص عمل، عدا القليل منها في حال يشابه عدد فرص العمل في بداية مبكرة في خريف 2007 في أوقات الركود.

إن سياسات البنك الفيدرالي تؤكد حدوث العديد من العثرات، والدلائل التاريخية توضح أن زيادة التضخم تؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الاقتصاد الكلي. وهذه المرة لن يكون الأمر مختلفاً. فالصحيح بالنسبة لأوروبا، وأمريكا، صحيح في اليابان. فسوء الخاتمة يبدو جلياً. وهذا ما سيتضح مع مرور الوقت.
فإلى متى ستستمر سياسات التيسير الكمي وسعر الفائدة الصفري، في الوقت الذي يزداد فيه العجز في الميزانية ليضيف 1 تريليون دولار إلى الدين العام سنوياً؟

هوامش :

*التيسير الكمي: ضخ السيولة النقدية من المصرف المركزي عبر شراء السندات من المصارف التجاري.

عن موقع «أبحاث العولمة Globalresearch.ca»