حدادة: برنامجنا لإنقاذ الوطن وليس النظام السياسي الطائفي

حدادة: برنامجنا لإنقاذ الوطن وليس النظام السياسي الطائفي

«إن الذهاب إلى حكومة باتجاه الترقيع وشعارات التوافق والشراكة ذات الطابع الطائفي والمذهبي وعودة من يمثل مذهباً إلى الحكومة الجديدة المزمع تأليفها، بالشعارات والانتماءات الطائفية والمذهبية والاقتصادية والخارجية كلها شعارات تخيف اللبنانيين لأنها تدل على أن الفتنة مستمرة والتآمر مستمر ومصالح الناس الاقتصادية– الاجتماعية والوطنية مازالت مؤجلة وليست من أولويات القوى السياسية، وأي حكومة بشعارات كهذه غير قادرة على تحقيق التغيير الحقيقي. المطلوب السير في اتجاه إنقاذي في مواجهة التعبئة والتحريض المذهبي بشعارات وطنية، والحكومة الجديدة إذا كانت تريد فعلاً إدخال البلد في مرحلة إنقاذ حقيقي فإنها بحاجة إلى برنامج إنقاذي، إلى مشروع وطني للإنقاذ».

كلام الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني د. خالد حدادة جاء خلال لقاء إذاعي يوم 26/1/2011 في برنامج «رأي في السياسة» عبر أثير إذاعة «صوت الشعب» اللبنانية، جاء فيه أيضاً:

الشارع في تونس يتحرك ولقد فتح باباً حقيقياً من أجل التغيير، وبالأمس تحرك الشارع في مصر تحت شعارات ديمقراطية اجتماعية تسعى لتغيير ما هو جاثم على صدر الشعب المصري، وفي لبنان أيضاً فإن التحركات الشعبية هي تحركات مفهومة ولكن مشكلة تحركات الأمس هي في الشعارات وفي التعبئة المذهبية، وفي القوى التي تؤجج التحريض المذهبي في لبنان، لذلك أتمنى على وسائل الإعلام، خاصة تلك غير التابعة للقوى والأحزاب المذهبية أن تدقق في كلامها عن الشارع وعن التحركات الشعبية فنحن في بلد نعاني فيه من قلة ومحاصرة التحركات الشعبية التي لها أهداف وطنية واجتماعية محددة. لذلك لا يجب أن نلعب لعبة هؤلاء المسؤولين الطائفيين والمذهبيين الذين يعممون الحقد المذهبي والطائفي على حركة الشارع. فنحن يجب أن نحدد أن الحركة التي جرت بالأمس تحت شعارات مذهبية وفي إطار تأجيج الحقد المذهبي واستعمال الشارع في شعارات تؤجج الصراع الطائفي والمذهبي وتخدم تحقيق أبعاد تحريضية على الفتنة في هذا البلد هي نتاج نظام سياسي طائفي وهذا النوع من التحركات مدان بشعاراته ومدان باستهدافاته باستخدام الفقراء.

بالأمس كانت إحدى هذه المحاولات من قبل جهة سياسية شعرت بأنها سوف تخسر السلطة وهذه الجهة السياسية شاءت أم أبت ترتبط بخطة خارجية منذ عام 2004، أي منذ صدور القرار 1559، ومن الواضح اليوم أن هذه الجهة لم تعد تنكر التبعية للقرار 1559 والمسؤولية عنه وهو الذي وضع أمن البلد ومصيره واستقراره واقتصاده وقضاءه في مجال التدويل وفي مجال خدمة المشاريع الخارجية البعيدة عن سيادة لبنان وعن حقه في تحرير أرضه المحتلة وعن حق شعبه في العيش باستقرار وبنوع من العدالة.

ولكن بعض الأطراف السياسية تحاول زج الناس والجماهير الشعبية في خدمة مشاريع مذهبية تقسيمية. وإن يوم أمس كان حالة تجريبية لما أعلنه أحد المسؤولين العرب (هو وزير خارجية السعودية) خلال الفترة الماضية من  خوف «مفترض» على لبنان من التقسيم ومن «الكنتنة» (التقسيم إلى كانتونات- قاسيون).

وهنا علينا التدقيق بأن تحرك يوم أمس لم يكن تحركاً شعبياً ولم يكن عفوياً. وإن جميع المراقبين يعرفون بأن الأعداد التي نزلت إلى الشارع لا يمكن أن تكون تعبيراً عن تحرك شعبي، فهي أعداد غير شعبية كانت موجهة لقطع أوصال البلد تحت شعارات مذهبية محددة للرد على تحركات أخرى مماثلة حصلت في الشارع بالنمط نفسه  فمثلا في طرابلس والشمال هناك حوالي 500 ألف نسمة لم ينزل منهم أكثر من 2000 نسمة، وفي إقليم الخروب مئات الآلاف لم ينزل منهم سوى العشرات من أعمار معروفة وبإستهدافات معروفة، وكذلك في المناطق الأخرى جرى الأمر نفسه.

ولكن شعبنا بوعيه للظروف التي سادت ودور القوى الأمنية أفشل الجزء الأول من المخطط. ولكن ذلك لا يعني أن المخطط الأميركي- الإسرائيلي المتكل على تأييد قوى عربية واضحة قد انتهى، فهو في بدايته، ومشروع الفتنة الأمريكي في لبنان أيضاً في بدايته ونعتقد بأن هذه المحاولات ستتكرر في المستقبل تنفيذاً للمشروع الذي أعلن عنه عربياً ودولياً بإدخال البلد في فتنة لتفتيته وتقسيمه بما يتناسب مع المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد.

أن أحداث الأمس وضعتنا رغم فشلها أمام مفترق خطير: إما أن يتجه البلد نحو تعميق الشحن والتعبئة المذهبية وتعميمها على مكونات المجتمع اللبناني، وبالتالي العيش مجدداً ضمن محاولة الترقيع تحت شعارات إعادة التوافق والشراكة ذات الطابع المذهبي، أي أن نذهب في هذا الاتجاه وما يعنيه من استمرار في التحاصص وللأجواء الطائفية التي تؤمن الفتن والارتهان للخارج ونكون بهذه الحالة قد دخلنا مرحلة مؤقتة من الهدوء بشروط وموازين قوى أفضل بقليل ولكنها غير قادرة على التغيير الحقيقي، أو أن نتجه فعلاً في الاتجاه الإنقاذي بشعارات سياسية، تكون فعلاً في مواجهة التعبئة والتحريض المذهبي إلى أي فئة انتمى هذا التحريض، وتكون مواجهتها بشعارات وطنية وليس بمنطلقات مذهبية وطائفية، نذهب لمواجهة جو التحريض الطائفي والمذهبي والتعبئة الممارسة بانتماء وطني. وعليه فإن الحكومة الجديدة إذا كانت تريد فعلاً الإنقاذ فإنها بحاجة إلى برنامج إنقاذ ومشروع وطني للإنقاذ يرتكز على معالجة البؤر الفتنوية وعلى معالجة الفساد السياسي وعلى معالجة الحالة الطائفية وذلك انطلاقاً من تنفيذ ما ورد في اتفاق الطائف من إلغاء للطائفية وقانون انتخابي ديمقراطي والاهتمام بأولويات الناس الحقيقية من كهرباء وماء وتخفيض للضريبة على المحروقات وغيرها من السلع التي تشكل سرقة للبنانيين لحساب القروض والديون التي ذهبت بدورها إلى جيوب المتمولين الذين يسرقون الناس بحجة الدفاع عنهم وعن مصالحهم وعن انتماءاتهم المذهبية والطائفية. وفي هكذا مشروع إنقاذي وطني حقيقي نرى فعلاً الطابع الوطني إذا كرسنا الطابع المقاوم للبنان، المقاوم للمشروع الأميركي المقاوم لإسرائيل المتعاطي مع المحكمة الدولية كنتاج للتدخل الخارجي في الحياة الداخلية والباحث عن الحقيقة في إعادة الاعتبار للقضاء اللبناني كقضاء وطني مستقل وليس عبر الرهان على قضاء دولي تبين مساره وتسييسه، فنحن كحزب لم نكن، في يوم من الأيام، من المراهنين على استقلالية القضاء الدولي، بل كنا، وما زلنا، نؤكد على تبعيته للقرار الدولي العالمي وبشكل خاص لمجلس الأمن ولمن يسيطر عليه.

(المطلوب في المواجهة هو) قانون ديمقراطي حقيقي للانتخابات يمثل المواطنين اللبنانيين وليس الطوائف، يمثل الشعارات الوطنية للمواطنين اللبنانيين وليس انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، وذلك قبل أي بحث في تشكيل أي حكومة، لأن المطلوب ليس إعادة التوازن للبناء السياسي الفوقي، كما يحكى اليوم، بل المطلوب إعادة التوازن للوطن.

وحول مطالبة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بحكومة شراكة وطنية وقوله «إننا أمام فرصة حقيقية في هكذا حكومة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وتمنيه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بمشاركة الجميع في حكومته» فهي تعيدنا إلى نقطة الصفر. نحن نطرح برنامجاً لإنقاذ الوطن وليس لإنقاذ النظام السياسي الطائفي. لقد أختبر أركان حزب الله وغيرهم منذ العام 2005 سياسة عدم تكامل عملية التحرير والموقف الوطني المقاوم مع عملية التغيير الديمقراطي في الداخل، ماذا أنتجت هذه السياسة؟ أنتجت بلداً أوصاله مقطعة، أنتجت «بروفا» لكنتونات مذهبية، أنتجت الانقسام والتفتيت المذهبي، أنتجت، وإن فشلت بالأمس، حالة يمكن أن يبني عليها العدو الأميركي ـ الإسرائيلي إمكانية استكمال مشروعه في فترة لاحقة.

وقال حدادة إن أهم موقف للنائب جنبلاط بالأمس هي إشارة عودته إلى الموقع الوطني وإعادته للموضوع إلى طابعه السياسي وليس المذهبي. وتمنى حدادة أن يستطيع جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي استكمال هذا النهج بخطوات أكثر عمقاً في الفترة المقبلة.