عمر بريك عمر بريك

شمس الحرية تشرق من الغرب

الديمقراطية: مصطلح غير عربي ينطوي على مضامين عديدة, تدور بمجملها حول الحرية والتعددية, اللتين هما سمتان مغيبتان عن معظم شعوب المنطقة, كونها ترزح تحت حكم الأنظمة الدكتاتورية في غالب الأصقاع العربية, وهذا ما دفع الغرب الأجنبي إلى تعبئة قواته ومعداته تحت مظلة هذا المصطلح– أي الديمقراطية- وإرسالهم إلى بقاع عديدة تعاني من نقص في التطبيق الفعلي لهذه المصطلحات على أرض الواقع.

وكان لعالمنا العربي نصيبه من هذا التدخل, الذي حمل عناوين إنسانية رنانة, وانطوى على ممارسات تهدف إلى استغلال البلاد سابقة الذكر, والتحكم بقراراتها, ونهب خيراتها, والسيطرة على أنظمتها (العراق نموذجاً), حيث باءت بالفشل جميع المحاولات الاستعمارية الرامية لجعله قبلة الديمقراطيين في المنطقة, بسبب الوعي الشعبي للمخططات الاستغلالية من جهة, ولفضح معظم الأنظمة العربية لحقيقة مضامين هذه الإدعاءات من جهةٍ أخرى, خشيةً من زعزعة استقرار هذه القيادات, وفي ظل يأس الشارع العربي (الواقع بين مطرقة المصالح الأجنبية وسندان القوى الحاكمة) من تطبيق مفاهيم الديمقراطية الحق.

لاحت في الأفق بوادر أمل قادمة من الغرب, لكن من الغرب العربي هذه المرة، ومن تونس تحديداً, بدأت مع الشاب بو عزيزي الذي أضرم النار في نفسه ليحرق النظام الجاثي على صدره وصدور الكثيرين من أبناء تونس, الذين أوقدوا بأجسادهم تلك النيران حتى أتت على رأس الحكم وأطاحت به, لتثبت لجميع من راهن على الموت السريري للشعوب العربية بأنه على خطأ, وبأن الإرادة الحرة لا يمكن أن تموت في الإنسان مهما حاولت القوى المسيطرة تدجينه, ولتسطع هذه الحقيقة كالشمس في سماء الوطن العربي, وتتفشى عدوى هذا الحراك من المحيط إلى الخليج, مع فروقات في التأثر والتأثير إن كان على مستوى القيادات أو القواعد.

ولا يخفى على أحد المحاولات اليائسة التي قام بها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في مساعيه لتهدئة الثوار وإصلاح ما يمكن إصلاحه, حيث أطلق جملة من الوعود وتراجع عن العديد من القرارات التي اتخذت, ولكن دون جدوى, فمن بعد ثلاثة وعشرين عاماً من الشد لم ينفعه الإرخاء شيئاً, عملاً بمقولة معاوية بن أبي سفيان (إن بيني وبين الناس شعرة إذا أرخوا شددت, وإذا شددت أرخوا (ليفاجئ بأن الشعرة التي تربطه بشعبه قد قطعت منذ زمن, كما هي حال الكثير من أقرانه الرؤساء العرب, ثم عاد مجدداً وبمحاولة أخيرة ليقول للتونسيين (أنا فهمتكم), ولكن حتى في لحظة نطقه للعبارة كان لا يزال عاجزاً عن إدراك مطالب مواطنيه الثائرين, لكنه في وقتها لربما فهم ماذا كان يريد ذلك الشعب الصامت الساكت ما قبل الثورة. فهل وجب كل هذا العناء وكل هذه الجثث ليتم الفهم؟!

فهذا إن دل على شيء, يدل على حجم الهوة بين الشعوب العربية ورؤسائها, وهنا يتبادر للذهن سؤالٌ فحواه: هل هذه هي الطريقة الوحيدة ليتم التفاهم بين القيادات وقواعدها؟!