أزمة الحكم في العراق والبديل الوطني الديمقراطي

أزمة الحكم في العراق والبديل الوطني الديمقراطي

تشهد العملية السياسية العراقية المؤسسة على أساس المحاصصة الطائفية الاثنية، أزمة هي الأشد على الإطلاق منذ تأسيس مجلس الحكم عقب احتلال العراق.

فحكومة ما يسمى  «بالشراكة الوطنية» المكونة من الكتل السياسية الثلاث (التحالف الوطني- الكتلة العراقية-التحالف الكردستاني) تخوض معركة كسر عظم. وبالرغم من إعلان هذه الكتل التزامها الدستور قاعدة لحل خلافاتها المستعصية، فإنها جميعاً تعترف ايضاً بأن الدستور الذي سلق على عجل وبإشراف أمريكي مباشر، يحوي على أكثر من 50 مادة مختلف عليها، أحيلت إلى البرلمان كي تشرع كل مادة منها بقانون خلال ثلاثة شهور من تاريخ إقرار الدستور والذي جرى في استفتاء عام 2005، فلم يشرّع سوى عدد محدود من المواد على مدى ثمانية أعوام. كما مثل غياب قانون الأحزاب واعتماد قانون انتخابي يتعارض مع الدائرة الواحدة ومبدأ النسبية عاملاً اضافياً مولداً للأزمات الواحدة تلو الاخرى، وزاد خضوع القضاء و«المفوضية العليا للانتخابات المستقلة» للاعتبارات الاثنية والطائفية والحزبية مما افقدهما الاستقلالية من الانقسام الحاصل بين هذه الكتل، ناهيكم عن بناء المؤسسات العسكرية والأمنية على أساس العقود الشخصية مدفوعة الثمن.

من جهتها الجماهير الشعبية التي تعاني من الفقر والبطالة وانعدام الخدمات والفيضانات والتفجيرات، تخوض كفاحاً في مختلف المدن العراقية، مع اشتداد هذا الكفاح نسبياً في هذه المنطقة أو تلك، كما هو حاصل اليوم في عدد من المدن العراقية (الموصل والأنبار وصلاح الدين)، وإن من أهم العقبات أمام تطور هذا النضال الجماهيري إلى مستوى الانتفاضة الشعبية الوطنية الشاملة هو محاولة القوى الرجعية المرتبطة بالمشروع الامبريالي الصهيوني تعميق الشرخ الطائفي المفتعل أصلاً، وصولاً إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم: كردي– شيعي– سني، خصوصاً وأن البعض من القيادات الكردية (في حزب مسعود البارزاني تحديداً) ترى أن استقرار كردستان لا يستقيم إلا بمثل هذه المعادلة، كما ذهب البعض من الأحزاب الحاكمة إلى الاعتماد على الدول الاقليمية في التمويل والاسناد السياسي، مما حول العراق إلى ساحة للصراع الدولي والاقليمي. وجاءت محاولة ربط الصراع الدائر في البلاد بالمعركة الدائرة في سورية، التي يراد لها استيراد النموذج الامريكي، «الديمقراطية العراقية»، في وقت تشهد فيه الازمة السورية- للمفارقة أمام هؤلاء- تراجعاً وانفراجا نسبياً، وسط رفض شعبي عراقي للدور التركي والقطري المشبوه.

إذا كانت الأسباب المباشرة للأزمة كقضيتي الهاشمي والعيساوي وموضوع خلافة «الرئيس» المريض، تفضح طبيعة الحكم القائم في العراق على انقاض المرحلة الفاشية، باعتباره نظاماً طبقياً معادياً لمصالح العمال والفلاحين وعموم الكادحين، فإن الصراع الدائر اليوم بين أقطابه، وإن حمل عناوين وشعارات «وطنية» كالحفاظ على العراق وإحقاق حقوق الشعب الكردي وإيقاف النهب الامبريالي للنفط والغاز وبناء نظام ديمقراطي... الخ، فإنه، أي الصراع، طبقي في الجوهر متلازم مع المسألة الوطنية، فجموع الشعب الكادحة تقف في خندق، والطبقة البرجوازبة الحاكمة تقف في الخندق المقابل.

ويوفر هذا الوضع من حيث المبدأ فرصة تاريخية للخيار الوطني التحرري في ان يشق طريقه وسط هذا الصراع رافعا شعار «تشكيل حكومة تكنوقراط» وطنية انتقالية لمدة عامين تؤمن الخدمات للمواطنيين وتعالج أثارالحروب، وتعمل على تحقيق استقلال العراق الناجز وإقامة علاقات تعاون متكافئ مع كافة دول الجوار، والسعي لإقامة نظام إقليمي كفيل بحل مشكلات المنطقة بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الأمر الذي يمكن تحقيقة من قبل تيار وطني تقدمي عابر للطائفية والاثتية، أخذ بالتشكل من القوى السياسية العراقية الرافضة للفاشية والاحتلال ونظام المحاصصة، ومن القوى الحية داخل العملية السياسية، الميتة سريرياً، تيار وطني تحرري قادر على تغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات الثانوية الضيقة.

إن الإرادة الشعبية الوطنية لا تلغي الطائفة أو القومية أو الدين، وإنما تعزز الانتماء الوطني العراقي، من خلال تقديم المصالح الوطنية المشتركة، وتوفر الحماية ضد تهميش أي فئة اجتماعية، كما تحمي المجتمع من سياسات الاستئثار والإقصاء والكراهية باسم الدفاع المزعوم عن الطائفة والقومية، إن سياسة مد الجسور ستظهر قوس قزح الشعب العراقي بألوانه الجميلة، وهي بالتالي ضمانة العيش الطبيعي المشترك بين أبناء الشعب العراقي في إطار الوطن الواحد. إن أهمية الإرادة الشعبية الوطنية تكمن في رفدها الخيار الوطني التحرري العراقي بالطاقات الوطنية الخلاقة الكامنة في شعبنا القادرة على بناء بلادنا واستثمار الثروات الوطنية لمصلحة الشعب العراقي .

وقد جاء إعلان لجنة العمل اليساري العراقي المشترك في الاول من شباط 2013 كمقدمة ونواة لأوسع تحالف وطني عراقي ببرنامج اقتصادي- اجتماعي يُعلن للشعب العراقي، باعتباره البديل الوطني لنظام المحاصصة والفساد والنهب والطريق الواقعي المجرب إبان فترة ثورة 14 تموز 1958- حتى انقلاب 8 شباط 1963 أمريكي الصنع، لتأسيس الدولة الوطنية العراقية، القادرة على العيش والتقدم وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأداء واجباتها العربية والاقليمية والدولية.

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 آذار/مارس 2014 15:56