العملية العسكرية ضد «داعش» في الأنبار وتداعياتها على المشهد السياسي العراقي

العملية العسكرية ضد «داعش» في الأنبار وتداعياتها على المشهد السياسي العراقي

بدأت القوات المسلحة العراقية وبقرار من القائد العام نوري المالكي عمليات «ثأر الشهيد القائد محمد في صحراء الأنبار والجزيرة» ضد تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» التكفيري  المعروف اختصاراً بـ «داعش»، وذلك بعد إن توفرت شروطها الدولية والإقليمية والمحلية

كان المالكي قد أطلق دعوته من واشنطن لشن حرب عالمية على الإرهاب، ليأتي قرار وزارة الخارجية الأمريكي عشية العملية، المطالب، ولو شكلاً، الدول الداعمة للمنظمات الإرهابية في سورية بإيقاف الدعم وجميع التسهيلات المقدمة لها، وكان استلام العراق الطائرات الروسية عاملاً حاسماً في اتخاذ القرار من الناحية العسكرية.
أما إقليمياً فإن قبول جميع أطراف الصراع السوري التدميري المشاركة في مؤتمر جنيف 2، للتوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية بعد طول عناد ومراهنات لغالبية أطراف الصراع -ما عدا قوى المعارضة الوطنية ممثلة بحزب الإرادة الشعبية وحلفائه أصحاب مبادرة الخيار السلمي لحل الأزمة منذ انطلاق الحراك الشعبي في سورية- قد وفر الأرضية السياسية لبدء هذه العملية دون مخاطر انزلاق دول إقليمية في مواجهة العراق، ورغم أن العامل المحلي العراقي شكل عامل ضغط متواصل على السلطة بهدف تخليص المواطن من عمليات القتل الإرهابية اليومية، إلا أنه لم يكن العامل الحاسم خلف اتخاذ قرار العملية العسكرية الواسعة.

هل للعملية أهداف انتخابية؟

إذا كان نوري المالكي قد اتخذ قرار العملية العسكرية نتيجة لتوافر الظروف المشار إليها، فلم يفته اتخاذ مجموعة من الخطوات الهامة الهادفة إلى تقوية مركز قائمته وهو شخصياً في الانتخابات القادمة، فجاء تحالفه مع معظم شيوخ عشائر الأنبار ليعزز وضعه الانتخابي، خاصة بعد مشاركة مقاتلي هذه العشائر في القتال مباشرة إلى جانب القوات المسلحة العراقية وتبنيهم طريق تصفية ما يسمى بساحات الاعتصام «مقر القاعدة العلني»، حسب تصريحات المالكي ومشايخ الأنبار.
إن هذا التحالف الجديد بين نوري المالكي ومشايخ المنطقة الغربية قد قلل من شأن التهديدات التي أطلقها حلفاء دولة القانون في إطار «الإئتلاف الوطني العراقي»، أي، حزب عمار الحكيم والتيار الصدري، الرافضة لحصول نوري المالكي على ولاية ثالثة، خصوصاً وإن الصمت الكردي على العملية العسكرية لم يدم طويلاً، فقد أعلن رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري: «إن كل من يحمل السلاح خارج إطار الدولة سنلاحقه وباعتباره إرهابياً»، موضحاً أن «الجيش العراقي يقوم بحملة كبيرة للقضاء على الإرهاب في جميع المحافظات العراقية». جاء هذا الإعلان غداة انتهاء الاجتماع، بين المالكي وبارزاني، بالاتفاق على إجراء تسوية عامة لكل الحسابات العالقة بين الإقليم والمركز كما ورد في الخبر الرسمي، ويعلن زيباري بتصريحه هذا عودته إلى ممارسة مهام رئيس الأركان بعد غياب طويل.
انفرد كل من إياد علاوي والنجيفي من بين بقايا الكتلة العراقية بالمعارضة العلنية للعملية العسكرية، وإن خفف النجيفي من معارضته هذه لاحقاً، وهي معارضة لا تختلف من حيث الجوهر عن التأييد للعملية العسكرية الذي أبداه فجأة «الحزب الشيوعي العراقي- جماعة حميد مجيد»، فالإنتهازية الخاصة بالحسابات الانتخابية كانت في أساس الرفض والتأييد معاً.

التداعيات على نظام المحاصصة الطائفية

 لعله من المبكر الحكم على مدى نجاح أو فشل العملية العسكرية، إلا أنه بات من المؤكد أنها ستشكل نقلة على صعيد التحالفات المهيمنة على نظام الحكم لمصلحة ولادة كتلة عابرة للطائفية والإثنية، وإن بأدوات ما قبل الدولة الوطنية العراقية، أي تحالفات بين حزب إسلامي «شيعي» – حزب الدعوة - ومشايخ عشائرية «سنية»، يرشح أن يلتحق بهذا التحالف الحليف التقليدي لهذه العشائر، ونعني به «حزب عمار الحكيم - كتلة المواطن»، تحالف قادر على عقد الصفقة التاريخية مع التحالف الكردستاني، وبالمحصلة يوصل نوري المالكي إلى سدة الحكم لولاية ثالثة برافعة «وطنية» من حيث الشكل «دينية طائفية - عشائرية- إثنية» من حيث المضمون. تحالف سيغير شكل المحاصصة في إطار جديد - قديم، يضمن هيمنة الطبقة الحاكمة الفاسدة في مواجهة شعب مقهور تواق للحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم.

 صباح الموسوي* : عضو لجنة العمل اليسار العراقي المشترك