جنوب السودان وأزمة النفوذ الأمريكي

جنوب السودان وأزمة النفوذ الأمريكي

تشكل الثروات التي تختزنها القارة الأفريقية في باطنها “نقمة” على الشعب الأفريقي في ظل هيمنة النظام الإمبريالي العالمي وفتحه جبهات الصراع من أوسع أبوابها ضد مصالح الشعوب، مستغلة ظرفها الداخلي، والذي نجم بالأصل عن سياساتها في التنمية الاقتصادية

تقبع الدول الإفريقية تحت هيمنة الرأسمال الأمريكي والغربي تاريخياً وعليه غابت التنمية الاقتصادية فيها، واشتد التناقض الطبقي وازدادت الصراعات القبلية والاثنية، بهدف إبقاء ثرواتها تحت الاحتكارات الغربية، لكن تراجع الدور الأمريكي والأوروبي الغربي على المستوى العالمي، ونمو قوى جديدة مناهضة له، أجج النزاع من جديد على مناطق النفوذ الاقتصادي بشكل أساسي ومن ثم العسكري والسياسي كما حدث في كل من مالي وأفريقيا الوسطى مثالاُ.

لعنة النفط

اليوم تكتسب هذه القارة بعداً استراتيجياً جديداً بوصفها مخزناً للثروات، ويشكل النفط أهم المحاور التي تفتحت عليها أبواب الصراع الأمريكي-الصيني، حيث تعتبر الدولتان من  أكبر الدول التي تؤمن احتياجاتها من النفط الأفريقي، حيث تمد أفريقيا الولايات المتحدة بـ 25% من احتياجاتها النفطية، في حين يبلغ عدد الشركات النفطية الصينية فيها 674 شركة وهي تحصل على ثلث احتياجاتها من الدول الأفريقية.
لقد بدأت ملامح الصراع تتفتح في جنوب السودان، الدولة الوليدة عن انقسام جمهورية السودان إلى شطرين، التي تنطوي على مستودعات ضخمة من النفط والغاز الخام، فحسب دراسة أمريكية يبلغ احتياطي النفط في السودان حوالي 5 مليارات برميل في حين صدر عن شركة بي بي البريطانية إحصائية، تؤكد أن جنوب السودان يحتوي 3,5 مليار برميل في حين يحتوي السودان على 1,5 برميل.

اختناق أمريكي وتمدد صيني

تاريخياً، غذت الولايات المتحدة الصراعات في كل الدنيا تحت عنوان (ثورات الحريات والديمقراطية)، مبطنة بذلك الحديث البراق نزوعها للهيمنة والأحادية ودأبها السيطرة على مراكز النفوذ العالمي، وقد جاء في تقرير (بول وولفوفيتز) مساعد وزير الدفاع للشؤون السياسية عام 1992 بأن: «الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية هو الإبقاء على الهيمنة»، وبأنه:«يجب إقناع خصوم محتملين بأن ليس عليهم التطلع إلى لعب دور أكبر، وللتوصل إلى ذلك يجب أن يبقى وضع القوة العظمى الأمريكية الوحيدة مستمراً عبر قوة عسكرية كافية لردع أي أمة أو جماعة أمم في تحدِ لتفوق الولايات المتحدة».
تجاهد السياسة الأمريكية اليوم في ظل تراجع دورها عالمياً لإبعاد «الشبح» الصيني المتمدد في القارة الأفريقية، وخصوصاً بعد أن لعبت الصين دوراً أساسياً في التسوية بين شطري السودان بعد الإنفصال من أجل الحفاظ على استثماراتها، ومركزها المالي هناك، وتعتبر الصين أكبر المستثمرين في السودان وجنوبها، إلا أن النزاع المسلح الذي جرى مؤخراً في البلد، والذي راح ضحيته حوالي 500 مواطن في الأسبوع الأخير حسب ماورد على قناة روسيا اليوم، وأجلى ما يقارب 80 ألف مواطن والذي أعلن فيه متمردون سيطرتهم على شركات النفط في ولاية الوحدة التي تعد من أغنى ولايات السودان الجنوبي بالنفط، أجبر الصين على ترحيل موظفيها وعمالها العاملين في الشركات مما أعطى الولايات المتحدة فرصة لنشر قواتها بحجة الحفاظ على سلامة رعاياها المتواجدين في السودان الجنوبي، وبالتالي تثبيت أقدامها عسكرياً في المنطقة بما يخدم مخططاتها وأهدافها.