حلب... الدراسة في المرحلة الجامعية نابذة ومنفرة!

حلب... الدراسة في المرحلة الجامعية نابذة ومنفرة!

استكمال الدراسة في المرحلة الجامعية أصبحت نابذة ومنفرة للطلاب، وصولاً إلى درجة الملل والقرف بالنسبة لبعضهم!

فعلى الرغم من الوضع المعيشي المأساوي الذي تعاني منه الغالبية المفقرة بشكل خاص، وعلى الرغم من التراجع على مستوى الخدمات العامة، وعلى الرغم من تردي وترهل القطاع التعليمي بمراحله كافة، إلا أن الطلاب الجامعيين من أبناء الغالبية المفقرة ما زالوا يسعون جاهدين إلى استكمال تعلّمهم وتحصيلهم العلمي، علماً أن الكثيرين من هؤلاء لم يعودوا قادرين على التفرّغ التام للعلم والدراسة، حيث يضطرون للعمل لمساعدة ذويهم على تكاليف المعيشة، أو بالحد الأدنى أن يتكفلوا بتكاليف مصاريفهم الخاصة، مع عدم تغييب المنافسة الشديدة في سوق العمل على حساب وقت وجهد وتعب هؤلاء الطلاب، الذين دخلوا هذه السوق غصباً واضطراراً وقهراً، ومقابل أجر هزيل لا يغني ولا يسمن!

نسبة النجاح المتدنية مشكلة خطيرة مكرسة!

بحسب بعض الطلاب أنه بالإضافة إلى المعاناة من الأزمات والمشاكل العامة، فهناك مشاكل ومعيقات خاصة مرتبطة بإمكانية استكمال تعلمهم!
فغالبية المواد التي يتم تدريسها كمقررات جامعية، من قبل الدكاترة وأعضاء الهيئة التدريسية في الكليات، بمختلف سنيها وعلى اختلاف فروعها وتخصصاتها، لا تتجاوز نسبة النجاح فيها 20%، والاستثناء بذلك محدود جداً، سواء كانت المادة نظرية أو علمية، مؤتمتة أم تقليدية، لتضيع مع تلك النسبة الضئيلة جهود وتعب الطلاب، وخاصة المجدين منهم، على مر السنين وعلى حساب أعمارهم المهدورة!
فنسبة النجاح المتدنية تعني حمل المزيد من المواد في نهاية أعمال كل عام دراسي من قبل الطلاب، ما يعني التأخر في الترفع إلى السنة التالية لبعضهم، وصولاً إلى الاستنفاد، وبالتالي عدم التمكن من استكمال الدراسة إلا من خلال دورات المراسيم الاستثنائية!
ففي كل عام هناك المئات من الطلبة الجامعيين المستنفدين، والغالبية من هؤلاء يستنكفون للدراسة لاحقاً، حتى وإن صدرت دورة استثنائية تشملهم!
فنسب النجاح الضئيلة قديمة ومعروفة، وتم الحديث عنها مراراً وتكراراً كمشكلة عامة يدفع ضريبتها الطلاب، ومع ذلك هناك إصرار عليها، وكأنها أداة نبذ إضافية للطلاب من المرحلة الجامعية!

سوء المواصلات مشكلة مزمنة!

مشكلة المواصلات المزمنة أصبحت مرهقة ومتعبة لجميع الطلاب، بالإضافة إلى تكاليفها المرتفعة عليهم، ومن يعاني بشكل خاص من هذه المشكلة هم طلاب الكليات العلمية، وخاصة لحضور المحاضرات العملية!
فجميع المحاضرات الجامعية تبدأ في الساعة الثامنة صباحاً، وبسبب سوء وقلة المواصلات يضطر الطالب أن يستيقظ من الساعة السادسة صباحاً كي يستطيع الوصول إلى الجامعة لحضور المحاضرة الأولى، التي قد يفقد إمكانية حضورها بحال تأخره، فغالبية المحاضرات لا يتم استدراك إعادتها في البرامج الأسبوعية للكليات، وربما يمكن التعميم بالنسبة لمشكلة المواصلات على بقية المحاضرات المدرجة في البرامج خلال ساعات النهار وحتى المساء!
فإن حدث وتأخر الطالب خمس دقائق عن المحاضرة فمصيره منعه من حضورها من قبل المحاضر، دون تقدير أن هذا الطالب سعى جاهداً لأن يحضر، ولكن مشكلة المواصلات التي يعانيها جميع المواطنين هي التي منعته!

طغيان النرجسية والتباهي بالإنجازات!

المشكلة غير المنظورة بحسب بعض الطلاب، لكنها من عوامل النفور والنبذ، أن بعض المحاضرين يطغى على محاضراتهم الحديث عن تجاربهم وإنجازاتهم، على حساب المادة العلمية التي من المفترض أن كامل الوقت المخصص للمحاضرة يكون لها!
فأحدهم على سبيل المثال يتحدث عن دراسته أثناء وجوده في فرنسا، ويستطرد بالتباهي بإنجازاته خلال مراحل دراسته الجامعية والتخصصية، وآخر يجود بتجاربه خلال دراسته في روسيا، وقس على ذلك من نماذج شبيهة بأشكال مختلفة نسبياً، وما يجمع هؤلاء هو تكرار «الأنا» في حديثهم النرجسي عن أنفسهم، مع تكرار الحديث نفسه والاستشهادات نفسها المرة تلو الأخرى في المحاضرات، دون تقديم أية قيمة مضافة للطلاب تصب في المحتوى العلمي المفترض للمادة المدروسة، الأمر الذي يصيب هؤلاء بالملل إلى درجة الغثيان!
فالمحاضرة تفقد أهميتها بهذا النمط من الحديث النرجسي، وكذلك يضيع جزء من وقت الطلاب دون الجدوى المطلوبة منه، وما يمنع الطلاب من الحديث عن هذه الممارسات أو الشكوى منها هي عوامل الاحترام والخجل، بالإضافة إلى الخشية المشروعة من احتمالات الاقتصاص منهم بحال تجرأ أحدهم واشتكى من ذلك!

السكن الجامعي مشكلة إضافية!

المعاناة من مشكلة السكن الجامعي قديمة ومزمنة، فإن لم تكن تملك وساطة فإن مصيرك هو أن تسكن في غرفة مع ٣ طلاب آخرين بالحد الأدنى، وإن كنت تملك هذه الوساطة فإن الغرفة ستكون ملكك وحدك، كأنها جزء من ممتلكاتك وميراثك!
وعلى الرغم من ذلك فإن من يتمكن من الحصول على سكن جامعي لا يمكن اعتباره من المحظوظين، فالمشكلة لا تنتهي عند الاستحواذ على سرير في غرفة مشتركة ومكتظة فقط، بل هي البداية التي تتبعها المعاناة من سوء الخدمات، الكهرباء والمياه وشبكة الصرف الصحي وغيرها!
أما على مستوى الحلول البديلة، كاستئجار بيت، فهي مكلفة وتشكل عبئاً مادياً كبيراً على الطلاب وذويهم، حتى وإن تشارك بعض الطلاب مع بعضهم لاستئجار شقة، فبدلات الإيجار مرتفعة جداً، ومعدلات الاستغلال فيها تتزايد بالنسبة للطلاب!

متفرقات لا تقل سوءاً!

كل ما سبق بكفة وتراجع السوية العلمية بكفة أخرى!
فغالبية المقررات الدراسية في الكليات العلمية أصبحت شبه نظرية، وذلك إما لغياب مستلزماتها بشكل أساسي، أو بسبب الاكتظاظ الطلابي في محاضراتها، ما يمنع إمكانية الاستفادة مما هو متوفر من مستلزمات، وخاصة عندما يكون الحديث عن المخابر بتجهيزاتها ومستلزماتها وتقنياتها المفترضة، ومع تراكم هذا التراجع والتردي عاماً بعد آخر يصل الطالب الجامعي إلى سنة التخرج دون أية خبرة عملية مكتسبة من جامعته، بل حشو نظري محفوظ فقط!
أما على مستوى بعض المواد فإن اللجوء إلى المعاهد الخاصة، التي تزايدت خلال السنين الماضية، أصبحت حاجة للطلاب الجامعيين أيضاً، مع العلم أن الكادر المتعاقد مع هذه المعاهد هم بالغالب نفسهم الكادر التعليمي في الجامعة، سواءً كان معيداً أو أستاذاً جامعياً!
يضاف إلى كل ما سبق ظلم بعض الدكاترة للطلاب، فهناك الكثير من الطلاب الذين أصبحوا في السنة الأخيرة من دراستهم وتبقى لديهم مادة أو مادتان ليتخرجوا، ليبقوا عالقين في كليتهم بانتظار أن يفرج عنهم دكتور المادة، والذرائع دائماً متاحة لتأخير تخريج بعض الطلاب، والأساليب والطرق التي تتم من خلالها عملية الإفراج المشروطة معروفة أيضاً!
فالوصول إلى المرحلة الجامعية أصبح محصوراً بكل طويل عمر من حملة الشهادة الثانوية بمختلف فروعها، من خلال عمليات الفرز والتصفية المرتبطة بسياسات القبول الجامعي ومفاضلاتها، لكن الاستمرار باستكمال التعلم في المرحلة الجامعية وصولاً إلى التخرج هو المعجزة، ليس بسبب سياسات الإفقار المعمم التي تفرض على الطلاب الجامعيين العمل بالإضافة إلى الدراسة، بل من خلال تكريس أنماط نسب النجاح المتدنية، وآليات النبذ المتبعة مع الطلاب خلال سني دراستهم الجامعية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1172
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:07