زيادة تعرفة الكهرباء.. تخفيض للدعم ومزيد من الكوارث على حساب المواطن والإنتاج والاقتصاد الوطني!

زيادة تعرفة الكهرباء.. تخفيض للدعم ومزيد من الكوارث على حساب المواطن والإنتاج والاقتصاد الوطني!

أصدرت وزارة الكهرباء تعرفتها الجديدة لاستهلاك الطاقة الكهربائية، التي سيعمل بها اعتباراً من 1/9/2023، والتي تضمنت زيادة على أسعار الاستهلاك بنسب تتجاوز 500% لبعض القطاعات والأنشطة، وذلك بحسب القطاعات وشرائح الاستهلاك!

إن زيادة تعرفة استهلاك الطاقة الكهربائية، وبغض النظر عن مبرراتها وذرائعها، هي شكل مباشر لتخفيض الدعم على الطاقة الكهربائية، يضاف إلى الأشكال غير المباشرة في ذلك، والتي تبدأ بآليات التقنين وزيادة ساعاتها، وتمر بالاضطرار للجوء إلى البدائل المكلفة، ولا تنتهي بالترويج للطاقات المتجددة على حساب المستهلكين، وبين كل ذلك تمضي مسيرة الخصخصة المباشرة وغير المباشرة في هذا القطاع بكل سلاسة!

الزيادة الثانية خلال عامين من جيوب المواطنين!

إن التعرفة المعمول بها قبل الزيادة الأخيرة كانت قد صدرت خلال شهر 10/2021، لتطبق بتاريخ 1/11/2021، وقد حملت بحينها زيادة على التعرفة بنسب كبيرة، أي إن التعرفة الجديدة هي الثانية خلال عامين!
وبحسب القرار الجديد فقد بقيت تعرفة بعض شرائح الاستهلاك المنزلي، حتى كمية استهلاك 1500 كيلو واط (الشريحة الثالثة)، على حالها بدون تغيير، بينما ارتفعت تعرفة الشرائح المتبقية (الرابعة والخامسة)، لكن ذلك لا يعني أن المواطن لن يتضرر من التعرفة الجديدة!
فمن المفروغ منه أن زيادة تعرفة الاستهلاك على القطاعات التجارية والخدمية والزراعية والصناعية والحرفية ستنعكس على تكاليفها، وبالتالي ستضاف إلى أسعار منتجاتها وخدماتها، والتي ستجبى بالنتيجة من جيوب المواطنين!

الاستهلاك المنزلي.. مزيد من تخفيض الدعم!

الجدول التالي يوضح المتغيرات على تعرفة الاستهلاك المنزلي، ونسب الزيادة السعرية فيها بحسب القرار الجديد:

1139a

ربما من المفروغ منه أن وسطي الاستهلاك المنزلي الحالي، في ظل التردي الكهربائي وواقع تزايد ساعات التقنين المجحف، لن يصل إلى 1500 كيلو واط خلال الدورة الواحدة، ومع ذلك يجدر أن نذكر أن تعرفة 11/2021 كانت قد تضمنت زيادة على التعرفة في حينه ولكل شرائح الاستهلاك وبنسب كبيرة، يوضحها الجدول التالي:

1139b

ليتبين أن نسبة الزيادة التراكمية على أسعار استهلاك الطاقة الكهربائية المنزلية خلال عامين كانت على الشكل التالي:

1139c

إن نسب الزيادة السعرية التراكمية أعلاه هي شكل مباشر لتخفيض الدعم على الاستهلاك المنزلي للطاقة الكهربائية، يضاف إلى الشكل غير المباشر المرتبط بساعات التقنين المجحفة، وإلى كل الذرائع المسوقة لزيادتها!
فهل من الممكن غض الطرف عن نسبة الزيادة السعرية التراكمية أعلاه، أو التقليل من انعكاساتها السلبية على معيشة وخدمات المواطنين؟!

التعرفة لبعض القطاعات والأنشطة ارتفعت وسطياً بنسبة 348%!

نص قرار التعرفة الجديد، بما يخص المشتركين بمراكز تحويل خاصة 20/0.4 ك.ف، على زيادات متباينة بحسب غرض الاستهلاك ولكامل كمية الاستهلاك!
والجدول التالي يوضح نسبة الزيادة في التعرفة على الاستهلاك تبعاً للغرض والنشاط:

1139d

أما المشتركون على التوتر 230 ك.ف والتوتر 66 ك.ف لأغراض صهر الحديد و/أوالخردة بالقوس الكهربائي والمشتركون على التوترين (230-66) ك.ف لأغراض درفلة الحديد وأغراض صهر الحديد و/أوالخردة بالتحريض الكهربائي معاً، وللمشتركين على التوترين (230-66) ك.ف لأغراض درفلة الحديد، وللمشتركين على التوترين (20-20/0. 4 أو أي توتر ثانوي) ك.ف لأغراض صهر المعادن و/أو الخردة بالتحريض الكهربائي ولأغراض درفلة الحديد والمباني الإدارية للوزارات والجهات العامة. فقد نص القرار أن تتم محاسبتهم وفق قرارات تعرفة مبيع الكيلوواط الساعي النافذة، دون ذكر المبلغ!
إن وسطي نسبة الزيادة المحسوبة على التعرفة، على الأنشطة وأغراض استجرار الطاقة الكهربائية وفقاً للجدول أعلاه، هو 348%، وهذه النسبة الكبيرة زيادةً على تعرفة الاستهلاك الكهربائي، هي تخفيض مباشر على الدعم لهذه القطاعات والأنشطة!
ولا شك أن نسبة الزيادة هذه ستشكل مبلغاً كبيراً بالمحصلة على كافة الأنشطة أعلاه خلال كل دورة، وهذا المبلغ سيضاف إلى تكاليف هذه الأنشطة والقطاعات، والتي ستظهر بشكل مباشر على أسعار سلعها وخدماتها المجباة من جيوب المواطنين من كل بد كنتيجة!

تصريح رسمي مغاير للواقع والوقائع!

في حديث، عبر إذاعة ميلودي إف إم بتاريخ 4/9/2023، إثر صدور التعرفة الجديدة، قال معاون وزير الكهرباء لشؤون التخطيط ما يلي، «معظم الشرائح ارتفعت بنسبة تتراوح بين 100-250% حسب كل فئة، باستثناء المنزلي دون 1500 كيلواط التي بقيت أسعارها كما كانت دون تعديل وتعتبر رمزية، ومستهلكوها يشكلون 90% من إجمالي هذه الشريحة».
وقال أيضاً، إن «العمل بالتعرفة الجديدة للكهرباء بدأ منذ أول الشهر الحالي مشيراً إلى أن آخر تعديل للتعرفة كان في 2021، لافتاً إلى ارتفاع التكلفة والتضخم الكبير ما دفع للرفع حتى يستمر تقديم الخدمة».
وكذلك أكد أن، «الدعم لقطاع الكهرباء لا يزال كبيراً في مختلف الشرائح حيث تكلفة الكيلو بالحد الأدنى 800 ليرة، وعلى مستوى الاقتصاد الوطني تصل 1400 ليرة، بينما أسعاره المباعة أقل بكثير، لافتاً إلى إمكانية تحسن الواقع الكهربائي وانخفاض ساعات التقنين بالفترة القادمة مع دخول المحطات التي تم تأهيلها بالخدمة».
إن عبارة: «الدعم لقطاع الكهرباء لا يزال كبيراً في مختلف الشرائح» تعتبر اعترافاً رسمياً من معاون الوزير بأن التعرفة الجديدة هي تخفيض جديد على الدعم لهذا القطاع!
أما حديثه حول نسب ارتفاع التعرفة فهو يتناقض مع الأرقام المحسوبة أعلاه بشكل كلي، فنسبة الزيادة في التعرفة تجاوزت 500% لبعض القطاعات كما تم بيانه!
وبالنسبة للاستهلاك المنزلي فإن الزيادة التراكمية خلال عامين على التعرفة بالنسبة للشريحة الثالثة، حتى 1500 كيلواط خلال الدورة الواحدة، تجاوزت 200%، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عموم المواطنين سيتحملون الفروقات السعرية على السلع والخدمات بنتيجة ارتفاع التكاليف على الأنشطة الاقتصادية في البلاد بسبب زيادة تعرفة الطاقة الكهربائية!
أما الأكثر فجاجة فهي عبارة: «ارتفاع التكلفة والتضخم الكبير ما دفع للرفع حتى يستمر تقديم الخدمة»، وكأن هذه الخدمة هي منة حكومية خالصة من تقدمتها وعلى حسابها، وليست حقاً من المفترض أنه مصون للمشتركين فيها!
وبخصوص الوعد حول «تحسن الواقع الكهربائي» فنضعه مع كل الوعود الخلبية الرسمية السابقة!
وأخيراً عن التكلفة المحسوبة لسعر الكليواط بحسب حديث المعاون بأنه 800 ليرة ويصل إلى 1400 ليرة، لعله من الأجدى أن تتم إعادة احتسابه بعد إسقاط تكلفة الفاقد «الفني والتجاري» الكبيرين، والأهم بعد إسقاط التكاليف الأكبر للنهب والفساد بكامل القطاع من هذه التكلفة!

الكارثة لن تقف عند الإنتاج والخدمات فقط!

مع كل زيادة في أسعار حوامل الطاقة، بحال توفرت عبر المسارب الرسمية وبأسعارها، تدخل الأنشطة الاقتصادية بدوامة إعادة احتساب تكاليفها، على اعتبار أنها تعتبر جزءاً هاماً من مدخلاتها ومستلزماتها، وتشكل رقما كبيراً في تكاليفها، وهذا الرقم يتضاعف بحال الاضطرار للجوء إلى البدائل المكلفة طبعاً، وهو ما يجري غالباً، سواء عبر السوق السوداء للمشتقات النفطية، أو من خلال خطوط الكهرباء المعفاة من التقنين بأسعارها المحررة، أو عبر مشاريع الطاقات المتجددة، المكلفة وغير الكافية لسد الحاجة عملياً، وصولاً إلى الأشكال المستجدة من خصخصة القطاع المباشرة وغير المباشرة على مستوى التوليد والتوزيع والبيع!
فكل سلعة ومادة منتجة من قبل قطاعات الإنتاج (الزراعي- الصناعي، العام -الخاص) ستحمل حصتها من زيادة أسعار حوامل الطاقة كنسبة وتناسب، وبالتالي ستظهر على شكل زيادة سعرية عليها!
وكل خدمة مقدمة من أي نشاط اقتصادي ستزيد تكلفتها وأسعارها كذلك الأمر كنسبة وتناسب مع كل متغير في أسعار حوامل الطاقة!
وهذه وتلك سيتكبدها المواطن من جيبه وعلى حساب ضروراته، حيث سيضطر بنتيجتها للجوء إلى المزيد من إجراءات تقليص الاستهلاك، المتقلصة سلفاً لحدودها الدنيا، بسبب تدني دخله وضعف قدرته الشرائية، وبالتالي عدم قدرته على مواكبة المتغيرات السعرية المستمرة بالارتفاع!
ومع استمرار الوضع على ما هو عليه من سياسات تخفيض الدعم المستمرة وصولاً إلى إنهائه، ومن صعوبات ومعيقات مستمرة وماثلة بمواجهة كل ما هو منتج في البلاد، ومع الاستمرار بسياسات الإفقار الممنهجة وصولاً إلى مزيد من الانخفاض في معدلات الاستهلاك، فإن دورة الإنتاج في بعض القطاعات ستتقلص وتتراجع وصولاً إلى توقف بعضها، وهو ما يجري تباعاً بدرجات ونسب مختلفة حسب كل قطاع ونشاط، في حلقة تدمير تستكمل مهامها على مستوى كل بنية الاقتصاد الوطني بالمحصلة، جزءاً وكلاً، على شكل تسجيل المزيد من انخفاض القيمة الشرائية لليرة، والمزيد من الارتفاعات في معدلات التضخم، والمزيد من الارتفاعات في معدلات البطالة والفقر والجوع، مع تفاقم وتوسع وتعمق كل الظواهر السلبية والهدامة في المجتمع!

السياسات التدميرية!

إن رفع أسعار حوامل الطاقة، بمختلف أنواعها ومسمياتها، ينعكس سلباً على الغالبية المفقرة في البلاد، وعلى مختلف الأنشطة الاقتصادية فيها، وعلى الإنتاج بشكل خاص، وهو معروف ومدرك من قبل الحكومة، وسبق أن تم التنبيه منه مراراً وتكراراً، لكن بلا فائدة!
فالقائمون على أمر العباد والبلاد، كبار الناهبين والفاسدين والنافذين، لا يعنيهم إلا ما يدخل إلى جيوبهم من أرباح نهبوية تضمنها السياسات الليبرالية المسخّرة لتأمين مصالحهم فقط لا غير!
فجملة السياسات الظالمة والتدميرية المتبعة لم ولن تنتج إلا المزيد من الأزمات والكوارث، مع الدفع بها للتفاقم والتوسع والتعمق، ولا حل لأية أزمة، ولا إنهاء للكارثة المعاشة، إلا من خلال إنهاء هذه السياسات جملة وتفصيلاً، مع المستفيدين منها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1139
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيلول/سبتمبر 2023 06:59