شركة خاصة جديدة تقضم جزءاً إضافياً من مهام الدولة وأرباحها!
سمير علي سمير علي

شركة خاصة جديدة تقضم جزءاً إضافياً من مهام الدولة وأرباحها!

تداولت بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل إعلاناً صادراً عن شركة البوابة الذهبية (Golden Gate) للنقل والخدمات النفطية يتضمن فتح باب التزود بالمازوت والفيول والغاز للفعاليات الاقتصادية عن طريق الغرف أو إرسال الطلبات على البريد الإلكتروني للشركة اعتباراً من يوم الأحد 2/7/2023 والدفع إما عبر البطاقة الإلكترونية أو التسديد في أحد الحسابات المعتمدة في بعض البنوك.

دخول الشركة الخاصة أعلاه على خط مهام وواجبات شركة سادكوب والشركة السورية للنفط بتوريد وتوزيع وبيع المشتقات النفطية ليس الأول من نوعه، فقد سبق لشركة B.S الخاصة للخدمات النفطية أن قامت بهذه المهمة نهاية العام الماضي، معززة كسر احتكار الدولة لهذه المهمة ولهذا القطاع الهام!

مسيرة الخصخصة المظفرة!

تخلي شركة سادكوب والشركة السورية للنفط عن بعض مهامها لصالح القطاع الخاص، بذريعة الأزمة والعقوبات والحصار، قد بدأ اعتباراً من فسح المجال أمام هذا القطاع لاستيراد بعض المشتقات النفطية لتغطية بعض الاحتياجات منها خلال السنوات السابقة، مروراً بشركة B.S كما أسلفنا التي قامت بتوريد وتوزيع وبيع مادتي البنزين والمازوت بحينه لبعض الفعاليات الاقتصادية، ووصولاً إلى شركة Golden Gate الآن التي أضافت مادتي الفيول والغاز إلى سلة التوريد والتوزيع والبيع للمشتقات النفطية إلى هذه الفعاليات!

فعملية الخصخصة في قطاع المشتقات النفطية توريداً وتوزيعاً وبيعاً مستمرة، وقضم مهام وواجبات ومسؤوليات شركة سادكوب والشركة السورية للنفط تسير على قدم وساق وتباعاً بكل سلاسة!

فالشركات الخاصة التي تعمل بهذا القطاع وبهذه المهام كاسرة احتكار الدولة أصبحت تتوالد على ما يبدو، ولا ندري ما هي الشركات التي ستدخل لاحقاً على خطوط مهام شركة سادكوب وشركة النفط كي تقضم المزيد منها!

مع التأكيد على أن الأمر ليس مباحاً أو مفتوحاً لكل من هب ودب من الشركات الخاصة للدخول على هذا الخط، فالشركات التي سيفسح لها المجال بذلك هي المحظية والمحسوبة طبعاً ومن كل بد!

ضمان المزيد من الأرباح!

الترجمة العملية للتخلي الرسمي عن بعض مهام وواجبات شركتي سادكوب والسورية للنفط لصالح بعض الشركات الخاصة المحظية تتمثل بالهوامش الربحية التي ستحصدها هذه الشركات، بالإضافة طبعاً إلى الهوامش بذرائع العقوبات والحصار، وهي مضمونة وكبيرة وسهلة وسريعة!

وهذه الأرباح تزداد تباعاً وباطراد مع استمرار تراجع دور الدولة ومع تغول القطاع الخاص على حسابها!
فالتخلي عن المهام لا يعني التخلي عن الأرباح فقط، بل يعني كذلك مزيداً من فرص التحكم والسيطرة من قبل القطاع الخاص على الاحتياجات من المشتقات النفطية وأسواقها، بما في ذلك السوق السوداء!

ما هي الخطوة التالية؟

إعلان الشركة الخاصة أعلاه يعني أنه قد تم استكمال عمليات توريد وتوزيع وبيع كامل المشتقات النفطية الآن (فيول- مازوت- بنزين- غاز) من قبل القطاع الخاص لصالح الفعاليات الاقتصادية، بعد أن كان مقتصراً على البنزين والمازوت فقط!

وقد سبق لقاسيون بتاريخ 11/12/2022 أن قالت في مادة بعنوان: «خطوة جديدة نحو خصخصة قطاع المحروقات»، ما يلي: «البدء بعمليات بيع بعض المشتقات النفطية من قبل شركة خاصة، أياً كانت هذه الشركة، يعني كسر حال (الاحتكار والحصر والتقييد) على مستوى التسويق والتوزيع والبيع لهذه المشتقات، والتي تعتبر شركة «سادكوب» الحكومية هي المخولة الوحيدة بها بحسب مهامها وفقاً لمرسوم إحداثها، ويعني خطوة إضافية جديدة في التخلي الرسمي عن قطاع اقتصادي وخدمي هام، بل وسيادي!».

اما الآن وقد استكملت المشتقات النفطية مع استكمال قضم مهام حلقات التوريد والتوزيع والبيع لها من قبل القطاع الخاص لصالح الفعاليات الاقتصادية في البلاد، وفي ظل استمرار تراجع وترهل عمل شركتي سادكوب والسورية للنفط، والذرائع والتبريرات الرسمية المَسُوقة لذلك، فلا عجب من أن يقتطع القطاع الخاص المحظي جزءاً إضافياً من المهام وصولاً ربما إلى مهمة توزيع وبيع هذه المشتقات للمواطنين أيضاً، ليظهر على أنه هو بوابة حل الأزمات لتوفير الاحتياجات منها!
فهل ستكون هذه هي الخطوة التالية المرتقبة في مسيرة الخصخصة المستمرة؟!
وما هي النتائج الكارثية لذلك؟!

الارتهان لمشيئة كبار أصحاب الأرباح!

استمرار تراجع وانحسار دور الدولة في بعض القطاعات الهامة، لمصلحة توسيع سيطرة بعض كبار أصحاب الأرباح المحظيين عليها، يعني فيما يعنيه أن هذه القطاعات ستصبح رهناً وتحت رحمة هؤلاء الكبار، أي إن كل الفعاليات الاقتصادية في البلاد ستأتمر وتعمل بمشيئة هؤلاء، وبما يحقق لهم المزيد من فرص الربح والتحكم والسيطرة!

فبعض القطاعات الاقتصادية الحيوية والهامة- التي يتم التخلي عنها تباعاً لمصلحة القطاع الخاص، والخصخصة المباشرة وغير المباشرة فيها- تعتبر قطاعات سيادية بامتياز، لم يكن قطاع الاتصالات أولها، ولن يكون قطاع الطاقة وحواملها آخرها على ما يبدو!

والحال كذلك فإن الأمر لن يقتصر على الجانب الاقتصادي الربحي فقط كاستحواذ وهيمنة وتسلط واستغلال، بل وعلى الجانب الاجتماعي والسياسي أيضاً، مع كل ما يترتب على ذلك من سلبيات كبيرة وكوارث، ليس على حساب المصلحة الاقتصادية بل وعلى حساب المصلحة الوطنية!

فمسيرة الخصخصة المشوهة، المستندة إلى السياسات الليبرالية الأكثر تشوهاً وقبحاً وظلماً، ماضية نحو تكريس ارتهان البلاد لمصلحة حفنة من كبار أصحاب الأرباح فيها، الذين لا يعنيهم منها إلا حصتهم الربحية على حساب المفقرين والإنتاج والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية، بل حتى على حساب السيادة الوطنية نفسها!

تهاوي ذرائع العقوبات والحصار!

لن نتساءل عن كيفية حصول بعض الشركات الخاصة المحظية على المشتقات النفطية لتوزيعها وبيعها للفعاليات الاقتصادية في البلاد، فالصعوبات والمعيقات التي كانت عقبة في ذلك خلال السنوات الماضية تم تجاوز الكثير منها بحكم المتغيرات السياسية والاقتصادية إقليمياً ودولياً!

لكن التساؤل المشروع هو عن استمرار التذرّع بالعقوبات والحصار بشكل رسمي من قبل الحكومة بالرغم من تذليل الكثير من الصعوبات وتجاوز الكثير من العقبات، وبالرغم من إمكانية الاستفادة من المتغيرات الجارية ومن الدول التي ساعدتنا على كسر العقوبات والحصار بما يخص الحصول على النفط والمشتقات النفطية خلال السنوات الماضية، وتحديداً الجانب الإيراني المستمر بتوريدها إلينا تباعاً!

فالتخلي عن مهام الدولة بهذا الجانب لمصلحة البعض المحظي من كبار أصحاب الأرباح لم تعد تغطيه ذرائع العقوبات والحصار، مع عدم نفينا لاستمرارها الجزئي طبعاً، لكنها أصبحت تتهاوى أمام أعيننا تباعاً!
وبالتالي فقد بات من الواضح أن الاستمرار بمسيرة هذا التخلي الرسمي هي النية المبيتة لتكريس الخصخصة بهذا القطاع الهام والمربح فقط لا غير، مع الاستمرار بتقويض دور الدولة ومهامها وواجباتها، بالضد من مصلحة المواطنين ومصلحة الفعاليات الاقتصادية والمصلحة الوطنية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1129
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:47