أرقام القمح تفضح عورة السياسات!
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

أرقام القمح تفضح عورة السياسات!

يبدو أن حسابات الحقل والبيدر الحكومية بالنسبة لمحصول القمح للموسم الحالي لم تثمر، وهو ما كان متوقعاً منها بكل الأحوال، وذلك ليس بسبب السياسات الزراعية وسياسات تخفيض الدعم الجائرة فقط، بل وبسبب الإصرار الحكومي على نمط تسعير المحصول المجحف وغير العادل بالنسبة للفلاحين!

فبحسب التصريحات الرسمية فإن الكميات المسلّمة من محصول القمح لمؤسسة الحبوب وصلت إلى حدود 450 ألف طن، والموسم شارف على نهايته، وبالتالي من الواضح أن كل ما تم الحديث عنه حول الموسم والتوقعات الإيجابية بشأنه ذهبت أدراج الرياح!

أرقام متقاربة.. ولكن!

بحسب صفحة الحكومة الرسمية بتاريخ 20/6/2023 «اطلعت الحكومة خلال الجلسة الأسبوعية، على واقع عمليات استلام محصول القمح للموسم الحالي، حيث بلغت الكميات المسلمة إلى المراكز المعتمدة حتى الآن 426 ألف طن، مقارنة بـ 276 ألف طن للفترة نفسها من الموسم الماضي».
بنفس التاريخ كشف رئيس الاتحاد المهني لعمال الصناعات الغذائية والزراعة ياسين صهيوني لصحيفة الوطن، عن «استلام 401 ألف طن من القمح حتى نهاية يوم الأحد الماضي (أي بتاريخ 18/6/2023)، مقابل 257 ألف طن عن الفترة نفسها من العام الماضي، وبأنه تم حتى تاريخه صرف أكثر من 800 مليار ليرة سورية قيمة الأقماح المستلمة من الفلاحين، ولا تأخير في تسديد قيمة الأقماح للفلاحين».
فيما قال وزير الزراعة والإصلاح الزراعي لصحيفة الوطن بتاريخ 22/6/2023 رداً على السؤال عن تقديرات إنتاج القمح على مستوى القطر، وما تشكله من نسبة الاحتياج: «إن تقديرات الإنتاج في الحقيقة لن نعلن عنها بوضوح إلا أنه ستشكل وستؤمن نسبة جيدة من الاحتياج، لكن ما تم تسويقه حتى تاريخه حوالي 450 ألف طن من القمح.. آملاً من الفلاحين تسليم كامل إنتاجهم والاحتفاظ فقط بما يحتاجونه من بذار واحتياجات منزلية».
في البداية تجدر الإشارة إلى أن المقارنة مع أرقام الموسم الماضي هي مقارنة تضليلية وفي غير محلها، فالموسم الماضي سجل تراجعاً بالإنتاج وبالكميات المسلمة لمؤسسة الحبوب، تماماً كما غيره من المواسم المتراجعة طيلة الأعوام السابقة!
فالكميات المسلمة لمؤسسة الحبوب هذا الموسم كما ورد أعلاه تعتبر محدودة جداً بالمقارنة مع الأرقام التفاؤلية عن المحصول والموسم لهذا العام، والتي سبق أن تم التصريح بها رسمياً!
فقد سبق لرئيس الحكومة أن أعرب عن أمله بأن يبلغ إجمالي كميات الأقماح المستلمة هذا الموسم في جميع المحافظات مليون طن، وذلك مطلع شهر أيار الماضي.
وكذلك سبق أن صرح وزير الزراعة والإصلاح الزراعي أن الكميات التي سيتم استيرادها في هذا العام ستعادل 50% مما كانت تستورده سورية في الأعوام السابقة، وبالتالي هذا يُعتبر إنجازاً جيداً.
لكن أمام الأرقام الرسمية المعلن عنها حول الكميات المسلمة لمؤسسة الحبوب، وتهرّب وزير الزراعة عن الحديث حول تقديرات الإنتاج لهذا العام، فإن الواقع لا يبشر بالخير، وهو ما يثبت مجدداً فشل السياسات الزراعية والحكومية، لكنه بالمقابل يحقق الغاية المطلوبة منها تماماً، والمتمثلة بتقويض الإنتاج والمزيد من تسجيل التراجع فيه، وبما يضمن استمرار الاضطرار لاستيراد حاجتنا من القمح من أجل رغيف الخبز، أي استمرار مصالح البعض المستفيد من المليارات المخصصة لهذه الغاية!

ذر الرماد في العيون!

ولمزيد من ذر الرماد في العيون ما زالت الحكومة تسعى إلى الظهور الإيجابي، ولتسويق نفسها على أنها تقوم بما يجب وعلى أتم وجه، زيفاً وبهتاناً!
فقد وافق رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 22/5/2023 على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة منح الفلاحين مكافأة تشجيعية قدرها 200 ليرة سورية لكل كيلو غرام قمح عند قيامهم بتسليم أقماح من موسم هذا العام إلى مراكز الاستلام المعتمدة أصولاً للمؤسسة السورية للحبوب في محافظة دير الزور والواردة من المناطق غير الآمنة، عبر المعابر التي تم اعتمادها بشكل نظامي، وتأتي الموافقة بحسب صفحة الحكومة بهدف استلام أكبر كمية ممكنة من الأقماح بما يساهم في تعزيز مخزون القمح وتأمين مادة الخبز.
الموافقة أعلاه متأخرة جداً، فالموسم شارف على نهايته كما أسلفنا، ومبلغ المكافأة التشجيعية غير تشجيعي على الإطلاق من أجل استقطاب توريدات القمح من المناطق غير الآمنة، خاصة وأن «الإدارة الذاتية» تدفع سعراً أعلى من السعر الحكومي مع المكافأة التشجيعية، وبالدولار الأمريكي!
لكن يبدو أن الحكومة لم يعد الوقت يسعفها، لذلك فإنها على استعداد لاستلام أية كميات ومهما كانت مواصفاتها ونوعيتها، وذلك للوصول إلى رقم كبير ما، يغطي عورة سياساتها وظلمها للفلاحين وتقويضها للإنتاج وتضحيتها بالأمن الغذائي!

المهم هي الأرقام فقط!

في معرض الحديث عن الأرقام تجدر الإشارة إلى أن الحكومة وجهت باستلام كامل الكميات الموردة إلى مراكز الحبوب، وبأنه لا يجوز رفض أي كمية مهما كانت الأسباب، ولعل ذلك يبدو إيجابياً ويصب بمصلحة الفلاح، إلا أن ذلك بالمقابل يعني أن إجمالي الأرقام الواردة ككميات مسلمة لمؤسسة الحبوب تتضمن ما هو خارج التصنيف، وما هو مخصص للأعلاف أيضاً!
فبحسب التعليمات فإن نسبة الأجرام التي تصل الى 30% وما فوق تصنف كمياتها على أنها مخصصة للأعلاف!
وبحسب رئيس الاتحاد المهني لعمال الصناعات الغذائية والزراعة عن الكميات المستلمة خارج التصنيف أوضح أن الكميات المستلمة خارج التصنيف 2329 طناً من مجموعات كميات الاستلام على مستوى القطر، وأعلى كمية مستلمة خارج التصنيف في دير الزور بلغت 1228 طناً تلتها حمص 916 طناً، بينما لم تتجاوز الكميات المستلمة خارج التصنيف في حلب 25 طناً من أصل أكثر من 135 ألفاً مستلمة حتى اليوم بينما لم يتم استلام أي كمية خارج التصنيف من محافظات الرقة وإدلب واللاذقية ودرعا والسويداء.
على ذلك يحق لنا أن نتساءل عن تصنيف الكميات الممكن استلامها استناداً للمكافأة التشجيعية الحكومية غير المجزية أعلاه، والمخصصة للكميات الواردة من المناطق غير الأمنة بعد أن شارف الموسم على نهايته، بالمقارنة مع أعلى كمية خارج التصنيف تم استلامها في دير الزور بحسب ما ورد آنفاً؟!

مزيد من الأرقام الفضائحية!

بالعودة إلى الكميات المستلمة بحسب تصريحات رئيس الاتحاد المهني لعمال الصناعات الغذائية والزراعة والبالغة 400 ألف طن، مقابل مبالغ مصروفة تقدر بحدود 800 مليار ليرة، فإن وسطي سعر الكغ المصروف للفلاح يعادل 2000 ليرة، وهو سعر مجحف وغير مجزٍ بدون أدنى شك!
لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن سعر الدرجة الأولى 2500 ليرة للكغ، والدرجة الثانية 2474 ليرة للكغ، والدرجة الثالثة 2425 ليرة للكغ الواحد، وهذه التسعيرة للدرجة الثالثة تطبق حتى درجة أجرام 23%، فإن ذلك يعني أن غالبية الكميات المسلمة لمؤسسة الحبوب يمكن اعتبارها من الدرجة الثالثة ومن خارج التصنيف بحسب وسطي سعر الكغ المحسوب أعلاه البالغ 2000 ليرة، وبالتالي ستكون مخصصة للأعلاف وليس لرغيف الخبز!
ونتساءل هنا بحال كانت مواصفات القمح المستلمة من قبل مؤسسة الحبوب بغالبيتها من هذه الدرجة وما دون، فأين أصبح رغيف الخبز الذي تتغنى به الحكومة، والأهم ما هو مصير الأمن الغذائي للمواطن بحسب هذه المسيرة المظفرة للسياسات الحكومية التدميرية؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1128
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 21:06