الصيادلة.. مشاكل وأزمات دون حلول
رند الحسين رند الحسين

الصيادلة.. مشاكل وأزمات دون حلول

يعاني قطاع الدواء كغيره من القطاعات من أزمات متراكمة ومتتالية، من أزمة الانقطاع إلى الغلاء، وصولاً إلى احتجاج عدد كبير من الصيادلة على نسب الربح القليلة، وشبه انعدام للحركة.

فالأزمة العامة التي أصابت الواقع الاقتصادي المعيشي قد طالت قطّاعات وشرائح كانت فيما مضى تعتبر رابحة اقتصادياً، وميسورة معيشياً، وتعود بنسب ربح جيّدة على العاملين بها أيضاً، مثل: العمل بالقطاع الصيدلاني.

نسب أرباح غير مرضية

وردت إلى قاسيون شكوى من عدد من الصيادلة حول عدد من القضايا التي تثير سخطهم وتضعهم في خضّم معركةٍ لا ترحم مع جبهاتٍ متعددة.
كانت أولى الشكاوى تتعلّق بنسب الربح القليلة المحصّلة، والتي تقدّر بحوالي 20% للأدوية و30% لما يعرف بقطع الإكسسوار (الشامبوات والصوابين والكريمات وغيرها).
فرغم الارتفاعات الكثيرة والمتكررة التي طالت أسعار الدواء بما يضمن نسب ربح للمعامل وبناءً على طلبها، إلّا أن هوامش ربح الصيدلاني الإجمالية بقيت على ما هي عليه، في ظلّ ارتفاع مضطرد للأسعار في كلّ المنتجات الأخرى، وذلك بسبب ضعف الطلب عموماً.
يقارن الصيادلة وضعهم اليوم بوضعهم سابقاً حينما كانت المهنة تدّر أرباحاً تصل إلى نسبة 100% لبعض الأصناف والزمر الدوائية والإكسسوارات، إضافةً إلى عروض الشركات والمعامل الكبيرة والهدايا المقدّمة من قبلها، في محاولةٍ لتقديم ما يشبه الرشوة، حتى يزيد الصيدلاني مبيعاته من أصناف الشركة المعنية.
فيما تتجه الشركات والمعامل اليوم لتقديم عروضها إلى الأطباء بشكلٍ مكثّف لكي تُدرج أسماء أصنافها الدوائية ضمن وصفاتهم الطبية، وتزيد بذلك مبيعات هذه الأصناف.

حركة خفيفة

إضافة إلى نسب الربح الإجمالية المتراجعة، يعاني الصيادلة اليوم من قلّة الحركة نتيجة ضعف القدرة الشرائية لعدد كبير جداً من المواطنين.
تقول إحدى الصيدلانيات: «بات مشهد «شحادة» الدواء مشهداً اعتيادياً ومكرراً بشكل شبه يوميّ، وما بين شعور الأسى تجاه هؤلاء الناس والحرص على عدم تكبّد خسائر إضافية، يقع الصيدلاني في مشكلةٍ أخلاقية صعبة، يفضّل على إثرها الخيار الثاني، معتبراً أننا كلنا بالهوا سوا».
ونتيجة قلّة الحركة المتمثلة بضعف الطلب، ونسب الربح غير المرضية، لجأ عدد من الصيادلة إلى خرق القوانين عبر وضع نسب ربحٍ خاصة وكيفية، وإلى اللجوء للترويج لبعض الأصناف المهربة، في محاولةٍ لاستعادة أمجاد المهنة، وبما يؤمن سد الحاجات المعيشية لهم بالتالي.

النقابة تتفرّج

رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها الصيادلة في محاولة لفت انتباه النقابة إلى مشاكلهم، عبر طرحها مباشرةً في النقابة، أو عبر نشرها على مجموعات الفيسبوك الخاصّة بهم، إلّا أنهم كانوا يفشلون في كلّ مرة، إذ كثرت الشكاوى حول عدم استجابة النقابة لمطالب الصيادلة، خصوصاً فيما يخص إلغاء خدمة الريف، التي جرى النقاش حولها كثيراً دون تنفيذ عملي يذكر، إضافةً إلى المطالبات برفع نسب الربح، كذلك دون استجابةٍ تُذكر، علماً أن المتضرر الأكبر في حال تمّ اتخاذ قرار كهذا هو المواطن الذي يأكل سياط ارتفاع الأسعار والغلاء أينما اتجه.
يضاف إلى ذلك مؤخراً استبعاد جزء من الصيادلة من الدعم، في الوقت الذي اشتدت عليهم الأزمات المعيشية والخدمية، كحال الغالبية من المواطنين.

أدوار متفاوتة لفروع النقابات في المحافظات

يجدر بالذكر وجود اختلافاتٍ غير مفهومة في أدوار النقابات في المحافظات.
يقول أحد الصيادلة لقاسيون: «في الوقت الذي تبدي نقابة دمشق وريفها عدم اكتراث واضح فيما يخصّ شؤون الصيادلة، تقوم نقابة حلب بتقديم مكافآت ومعايدات لأعضائها، ويقال: إن السبب في ذلك هو اختلاف الواردات، ولكن سبب اختلاف الواردات غير واضح أيضاً»، فيما يشير إلى دور ضعيف للنقابة المركزية في إدارة شؤون الصيادلة في المحافظات المختلفة، وبما يضمن مصالحهم أسوة بغيرها من النقابات المهنية.

مطالب باستخدام الاسم العلمي بدلاً عن التجاري

كان من ضمن الشكاوى المقدّمة من قبل الصيادلة، شكوى بخصوص اتباع نظام كتابة الأسماء التجارية في الوصفات الطبية بدلاً من كتابة الاسم العلمي، ولدى التدقيق في الموضوع، تبيّن أنّ هذا النظام متّبع عالمياً، إذ أنّه من المعروف أنّه في سياق المنافسات بين شركات الأدوية فالأكثر قدرةً على التسويق العلمي لها هي الأكثر قدرةً على زيادة مبيعاتها وحصّتها في السوق، لذلك تلجأ هذه الشركات إلى تعيين ما يسمّى بالمندوبين العلميين للقيام بهذه المهمّة، لذلك تبدو هذه الشكوى غير منطقية، وإن كان حسن النية هو المقصود من ورائها.
إذْ يعرف الصيادلة أكثر من غيرهم حجم الفساد في عمليات التسويق التي تقوم بها بعض شركات الأدوية، وعمليات «مكافأة» بعض الأطباء لكتابة أصناف قد لا تكون بجودة غيرها بالحد الأدنى، إن لم تكن أسوأ (مواصفة وجودة ومصدر وسعر).
إلّا أن مساعي سحب البساط من تحت الأطباء وترك الخيار للصيدلاني باختيار صنف شركة محددة دون غيرها سيحوّل عملية التسويق الجارية حالياً باتجاه «مكافأة» الشركات للصيادلة بدلاً من الأطباء، أيّ أنّ الفساد لن يُحل طالما استمّرت الشركات والمعامل والأطباء والصيادلة بالتعامل مع الأصناف الدوائية وفقاً لهذا السياق طمعاً بالمزيد من الأرباح، على حساب المريض طبعاً.

الأزمات خاصة وعامة

تعدّ غالبية المشاكل التي يعاني منها الصيدلاني مشاكل محقّة، وهي تندرج ضمن الأزمات التي تعاني منها شرائح مختلفة من فئات المجتمع، ولا سيّما أن عدداً كبيراً جداً من الخريجين الجدد غير قادر فعلياً على فتح صيدلية، وإن حدث ذلك فغالباً ما يتمّ بواسطة مستثمرٍ خاص يأخذ ثلث الأرباح المحصّلة، وغالباً أكثر من ذلك، أو يستثمر شهادة الصيدلي الخريج لقاء مقابل مادي شهري محدود، وهي من المشاكل الرئيسية والهامة التي يعاني منها الخريجون الجدد، والتي تستمر معهم لفترة طويلة، والنتيجة أن البعض من هؤلاء الصيادلة يصبح كالعامل بأجر بالنسبة للمستثمر!
وعليه، فإن مشاكل الصيادلة عموماً ربما لن تحلّ بغالبيتها قبل حلّ جملة الأزمات الأخرى المسبّبة لها، اعتباراً من تحكّم شركات الأدوية ومستودعاتها والمهربين، مروراً بعوامل الاستغلال عبر بعض المستثمرين وبعدم تفعيل دور النقابة، وليس انتهاءً بالسياسات العامة المتبعة، وخاصة بما يتعلق بزيادات الأسعار وتخفيض الدعم وتراجع الخدمات و.. و..

معلومات إضافية

العدد رقم:
1077