المسابقة المركزية أعداد متباينة تعكس بعض الحقائق
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

المسابقة المركزية أعداد متباينة تعكس بعض الحقائق

متابعة لمسابقة التوظيف المركزية التي أعلن عنها نهاية العام الماضي، فقد صدرت خلال الفترة القريبة الماضية، تباعاً، أسماء الناجحين والمقبولين للتعيين أو التعاقد، وممن حققوا الدرجة الأعلى في المحصلة النهائية لمراكز العمل المتقدمين على أساسها، من الفئات (الثالثة- الثانية «ثانويات ومعاهد»- الأولى) وذلك بموجب قرارات اسمية صدرت عن وزارة التنمية الإدارية.

ويتعيّن على المقبولين، بموجب القرارات الصادرة، استكمال أوراقهم الثبوتية لدى الجهة العامة التي قبلوا فيها للتعيين أو التعاقد خلال شهر من تاريخ صدور كل منها.
اللافت أن مجموع المقبولين للفئات المذكورة أعلاه بموجب القرارات الصادرة عن وزارة التنمية الإدارية كان بحدود 22 ألفاً فقط من جميع المحافظات!
فأين فرص العمل التي أعلن بأنها بحدود 100 ألف فرصة؟
وهل حققت المسابقة المركزية الغاية المفترضة منها؟

أرقام تفصيلية

انتهت بتاريخ 17/3/2022 عملية التقدّم لمسابقة التوظيف المركزية في جميع المحافظات التي أعلنت عنها وزارة التنمية الإدارية، وبواقع 100 ألف فرصة عمل.
ووفقاً للبيانات الرسمية فقد بلغ عدد المتقدمين إلى المسابقة أكثر من 209 آلاف متقدم بمختلف الاختصاصات المطلوبة، منهم /32,160/ للفئة الأولى، فيما وصل العدد في الفئة الثانية إلى /106,787/، إضافة إلى /28,340/ للفئة الثالثة، و/12,500/ للفئة الرابعة، و/32,186/ للفئة الخامسة.
وقد بدأت بعد ذلك عمليات الاختبار لجميع الفئات في جميع المحافظات، استناداً لتعليمات مركزية صادرة بهذا الشأن، كما وظهرت نتائج الاختبارات تباعاً خلال الفترة القريبة الماضية.
الجدول التالي يتضمن الأعداد التجميعية للناجحين والمقبولين للتعيين بموجب القرارات الصادرة والمنشورة على الصفحة الرسمية لوزارة التنمية الإدارية للفئات الأولى والثانية والثالثة، باعتبار أن الوزارة لم تصدر بيانات تجميعية لها:

1077a


ملاحظات أولية

نظرة أولية للأرقام أعلاه توضح:
إجمالي عدد المتقدمين، البالغ بحدود 200 ألف متقدم بالمقارنة مع الفرص المتاحة البالغة 100 ألف فرصة، يعتبر ضئيلاً، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو تدني أجور الوظيفة العامة، إن لم نقل انعدامها، بالمقارنة مع متطلبات المعيشة.
عدد المقبولين من الفئات المحسوبة أعلاه والبالغ 22 ألفاً مقبول تقريباً يعتبر محدوداً جداً بالمقارنة مع الترويج المسبق للأعداد المطلوبة من المسابقة المركزية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الرقم قد ينخفض أيضاً بحال لم يتم التقيد بمواعيد استكمال الأوراق الثبوتية.
الأرقام أعلاه تشير إلى تباين واضح (جزئي وكلي) على مستوى الاستقطاب، فيما بين الفئات، وفيما بين المحافظات، وهذا لا يعكس ما هو مطلوب للتعيين من كل فئة بكل محافظة فقط، بقدر ما يعكس الحاجة للوظيفة على مبدأ «ساقية جارية ولا نهر مقطوع»، بسبب قلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة!
بحال تم قبول جميع المتقدمين للفئات الرابعة والخامسة، والبالغ /44,686/ متقدماً بغض النظر عن نتائج الاختبارات الخاصة بهم، مع المقبولين بنتيجة المسابقة من الفئات الأخرى، والبالغ /22,046/، فإن المجموع يكون /66,732/، وبالتالي هناك /33,268/ فرصة عمل من أصل الـ100 ألف فرصة معلن عنها، قد ذهب أدراج الرياح على ما يبدو!

جهد وإنفاق ونتيجة هزيلة

منذ نهاية العام الماضي وحتى الآن تم بذل جهود كثيرة لا شك تحت عنوان مسابقة التوظيف المركزية، وقد تبع ذلك الكثير من الإعلانات والتعليمات، وتم تحديد المراجع والنماذج للاختبارات، وتم تحديد مراكز الاختبار في الجامعات وتفريغ من يجب تفريغه لإنجاز جميع هذه المهام، مع الكثير من الجولات التفقدية لحسن سير العمل من قبل الرسميين في جميع المحافظات، مع التصوير والتغطية الإعلامية منقطعة النظير، أي الكثير من الإنفاق العام أيضاً على هذه المسابقة، بالإضافة طبعاً لتعب وجهد المتقدمين لهذه المسابقات، وما تكبدوه من نفقات على حساب معيشتهم وضروراتهم، وكل ذلك بمقابل النتيجة الرقمية المختصرة والهزيلة أعلاه!

بين الدعاية والواقع

بحسب وزيرة التنمية الإدارية نهاية العام الماضي عبر الفضائية السورية: «يستطيع أي شخص التقدم لثلاث فرص عمل في محافظة واحدة فقط بما يعني أنه تقدم لثلاث مسابقات معاً».
فهل قبول 22 ألفاً بنتيجة الاختبارات للفئات الأولى والثانية والثالثة من أصل /167,287/ متقدماً لهذه الفئات بكافة المحافظات، يعتبر مؤشراً عن التقدم لثلاث مسابقات معاً؟!
وبحسب تأكيدها عبر الفضائية السورية أيضاً منتصف حزيران الماضي: «أن مسابقة التوظيف المركزية توجه نحو التوظيف الصحيح واستقطاب الموارد البشرية بالشكل الأمثل والقطاع العام هو المشغل الأكبر في سوق العمل».
فهل مجموع /66,732/ متقدماً من الفئات الرابعة والخامسة والمقبولين من الفئات البقية، من أصل 100 ألف فرصة معلن عنها، وضياع /33,268/ فرصة بالمحصلة، يعتبر مؤشراً عن «استقطاب الموارد البشرية بالشكل الأمثل»؟
وعلى ضوء الأرقام أعلاه نتساءل أخيراً: هل ما زال القطاع العام هو المشغل الأكبر في سوق العمل فعلاً؟
ربما لا داعي للتعب في الإجابة عن التساؤلات أعلاه، ولا داعي للغوص في متاهة البهرجة الإعلامية المكثفة التي طنّبت آذان السوريين منذ أشهر وحتى الآن عن المسابقة المركزية!
فبرغم كل البؤس والتردي المعمم تظهر بعض الأرقام عزوف السوريين عن الوظيفة العامة، كما تعكس فروقات الحال في الاستقطاب بين بعض الفئات الوظيفية، وبين بعض المحافظات أيضاً، وربما يكون ذلك مجالاً إضافياً للبحث الإحصائي والاقتصادي المعيشي!
فمجمل الأرقام تعكس في جزء منها نتائج السياسات التمييزية والطبقية المعمول بها والمطبقة، وخاصة السياسات الأجرية، بالتوازي مع بقية السياسات المنحازة لصالح أصحاب الأرباح على طول الخط، فلا وظيفة عامة ولا قطاعاً عاماً يمكن أن ينهض ويستمر طالما بقيت جملة هذه السياسات على حالها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1077