أحلام الطفولة المنتهكة والمدمرة لن يحلها الفلم الموجه
عمار سليم عمار سليم

أحلام الطفولة المنتهكة والمدمرة لن يحلها الفلم الموجه

على مدى عقود طويلة، وانتهاءً بآخر إحدى عشرة سنة وإلى الآن، تتفاقم الأحوال الاجتماعية وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والسبب معروف وبدهي، فالفقر واليتم والتشرد والجهل والمرض و..، كل تلك الكوارث لا تختارها الأسرة لنفسها، ولا يختارها الأطفال لأنفسهم، بل هي نتيجة طبيعية لسياسات مطبقة على صدور السوريين، تنهش طفولة الأطفال قسراً واغتصاباً قبل الكبار، وتميت مستقبل البلاد بموت الأطفال وانتهاك حقوقهم بالغذاء والتعليم وأساسيات الحياة.

وبعد أن مرّ العيد هذا العام بوجهه العابس، ومائه المالح بلا ثياب جديدة وبدون ألعاب وبدون حلويات، تحاول الحكومة ترقيع هذه المأساة بمحاولاتها البراقة كالمعتاد بأنها راعية الأطفال والطفولة، وتتدخل الأيدي السحرية لوزارة التربية بحل لا مثيل له في البلاد، وهو توظيف الفن للارتقاء بالحالة النفسية للأطفال السوريين، عبر فن المسرح «المؤفلم»، كما وصفه مخرج ومؤلف الفلم الموجه للأطفال الذي كان بعنوان «مملكة الأحلام».

الحلم بالتغيير.. ولكن!

فقد أطلعتنا وكالة سانا على ذلك الفلم في الخامس من أيار وفي ثاني أيام عيد الفطر حيث ورد ما يلي: «يروي الفيلم التربوي السوري «مملكة الأحلام» حكاية أطفال في بلد عمره 11 ألف عام تعرض لحرب دامت عشر سنوات وعاشوا كل تداعياتها لكنهم مازالوا يحلمون بتغيير واقع بلدهم إلى الأجمل».
وقد قال وزير التربية الدكتور دارم الطباع في تصريح للصحفيين: «هذا العمل الذي رعت إطلاقه الوزارة تجربة عظيمة سيكتب لها النجاح لأنها تتوجه لأطفالنا الذين يفتقدون لسينما خاصة بهم وللبرامج التلفزيونية التربوية التوعوية ما يتطلب إنتاج المزيد من هذه الأعمال».
دون أدنى شك نحن لا ننكر أهمية ودور الفن، مسرحاً وأفلاماً، في توجيه الطفل ودعمه نفسياً وسلوكياً، ولكن شريطة أن تتوفر العوامل التي تمكنه من تحقيق أحلامه في المجتمع.
فمهما بلغ الطفل من التوازن النفسي والعقلاني والفكري سيرتطم في نهاية المطاف بواقعه المعيق لأية تجربة فردية يخطو نحوها، لأنه محكوم بقوانين المجتمع واقتصاده وأزماته، ولن تنجو الطفولة من هذا الواقع إلا بتغيّر السياسات المسببة له، والتي تعيقه حتى عن نموه نمواً سليماً.

طفولة بين فكي الشركات الخاصة

مع أن هذا الفلم تم برعاية وزارة التربية بالتعاون مع محافظة دمشق، غير أنه أنتج ونفذ من خلال شركة إنتاج خاصة، وكلمة خاصة تعني الربح والربح أولاً، ناهيك عمّا لا نعلمه من أهداف وغايات تخفى عن أعيننا في المضامين المطروحة، مباشرة وغير مباشرة.
فكما عودتنا بعض التجارب في مثل هذه الأعمال الممولة من القطاع الخاص، فلا يمكن أن تقوم شركة خاصة بمثل هذا العمل الا لغايات ربحية أولاً، مع ما يمكن أن تحمله من بعض التشوهات تحت عناوين الحرب والأزمة والإنسانية والوطنية وغيرها.

التلاعب بالوعي عن طريق الرموز

الكل يعلم أن الفقر والبطالة والمرض و.. لا يختارها الإنسان بمحض إرادته، وإنما هي نتيجة وحصيلة جملة من العوامل القاهرة، والظرف اقتصادي خاصة في البلاد الذي تمارسه وتستفيد منه حفنة من المتنفذين مالاً وفساداً، والمحميين من قبل الحكومات المتعاقبة، والذي أدى إلى ترك شعب بأكمله مهدداً بأمنه الغذائي، وفاقداً لأبسط حقوقه الإنسانية التي تحفظ كرامته، وتسد أمامه كل الأفق!
فكيف عرض الفلم المشكلة، وكيف عرض حلها للأطفال؟
بداية اختاروا رموز الفلم بعناية، فشخصية «درويش» الطفل الكسول الفاشل هو صورة للطفل الذي لا يعمل، ونحن نعلم بموروثنا الاجتماعي دلالة مفردة «درويش» بأنها تطلق عادة على الفقراء والبسطاء الطيبين البعيدين عن الخبث، وكأنها إشارة إلى أن الفقر راجع إلى كسل الفرد وإهماله، مع تكريس مفهوم سلبي عن البساطة والطيبة بذهن الطفل، بعكس المفهوم الاجتماعي السائد عنها!
بينما اختاروا اسم «فرح» للفتاة المجتهدة النشيطة، التي لم تتخلّ عن أحلامها، وهي ربما إشارة إلى أن العمل والجهد الفردي هو المنقذ الوحيد تجاه السعادة والفرح !وهذا من المؤكد ليس بعيداً عن النهج النهبوي السائد والمشوه الذي يجير كل الطامات والكوارث على الأفراد وجهودهم المستلبة والمنهوبة بالنتيجة، طبعاً دون الإشارة إلى ذلك!
وقد تم تلخيص كل النجاحات بشخصية «عادل» الشجاع، في إشارة واضحة لزرع الفردانية في ذهن الطفل، عن طريق إعادة زرع شخصية البطل الفرد الذي ببطولته وحدها يحقق المستحيل، بعيداً عن مجتمعه وأقرانه!
ومع التقدير للقائمين على العمل، ودون الحكم على نوايا كل منهم، فقد تم تناسي آلاف الأطفال الذين تسربوا من مدارسهم قسراً للبحث عن لقمة العيش، وآلاف الأطفال الذين سُرقت فرحة عيدهم بسبب توحش السياسات الاقتصادية، التي لم تمكنهم من شراء ثياب أو حلوى كغيرهم من الأطفال، فكيف الحال مع أحلام هؤلاء البريئة!

الأحلام والسياسات القامعة

لا يمكن أن يحقق الأطفال أحلامهم وأهدافهم في ظل سياسات تقمعهم وتحرمهم غذاءهم وتعليمهم وأفراحهم، لأنهم أبناء مجتمع مكبل بأغلال الإفقار والتنكيل.
فلا يمكن أن تحل جرعة الأمل المزعومة بالفلم والموجهة للأطفال ولا أدنى مشكلة يعانونها، فالواقع المعاش يومياً من قبلهم مع بقية أفراد أسرهم وأقرانهم أدهى وأمرّ!
إن إنقاذ الطفولة يتم فقط بأن يخرج المجتمع بالكامل من هذا الواقع المرير، فهو المعيق الأساسي، ليس لنمو الطفولة بشكل سليم وغير مشوه فقط، بل للتمكن من إحداث التغيير المطلوب من قبل أفراده ولمصلحتهم، وهذا لا يكون إلا باجتثاث السياسات التي تكرسه مع كل موبقاته من جذورها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1069
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 11:07