تهويل رسمي لغايات طبقية منحازة
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

تهويل رسمي لغايات طبقية منحازة

من الطبيعي أن نتأثر بالأزمة الأوكرانية، كحال غيرنا من الدول، ومن الطبيعي أن يتم اتخاذ بعض الإجراءات لتفادي والتقليل من الآثار السلبية لهذه الأزمة على المستوى المحلي (اقتصادياً ومعيشياً وخدمياً).

لكن من غير الطبيعي أن يتم تضخيم الأمر وتهويله، وصولاً إلى تسويق الأزمة الأوكرانية وكأنها ستكون بنتائجها وآثارها أشد وطأة علينا من أزمتنا الكارثية المستمرة منذ أكثر من عشرة أعوام وحتى الآن دون حلول، كتهيئة للمزيد من الانقضاض على مصالح الغالبية المفقرة وحقوقها.
تضخيم وتهويل
فالحكومة سبق أن أعلنت عن جملة من الإجراءات تحت عنوان «الاستجابة للتطورات الحاصلة في ملف الأزمة الأوكرانية» بتاريخ 24/2/2022، والتي توقفنا عندها بمادة تحت عنوان: «تطورات أوكرانيا.. ذريعة جديدة وفرصة للنهب»، بخلاصة لهذه الإجراءات من الناحية العملية تمثلت بمحورين: «- تكريس نهج السياسات الطبقية الظالمة المتبعة- تكريس التحكم بالواقع الاقتصادي، والعمليات الاقتصادية والمالية، بأيدي القلة الناهبة والفاسدة والمستغلة بشكل أكثر وأعمق وأوسع مما سبق».
وكذلك عقدت لاحقاً اجتماعاً موسعاً تحت عنوان: «الحكومة تواجه التطورات الاقتصادية بالتخطيط المسبَق وتُشرك الصناعيين والتجار بالتحدي» وذلك بتاريخ 27/2/2022، وقد خلص الاجتماع إلى بعض النتائج الخجولة والمحدودة تمثلت بالتالي: «- زيادة مدة إجازة الاستيراد للتجار لتصبح ستة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر، وزيادة مدة الإجازة للصناعيين لتصبح 12 شهراً بدلاً من 6 أشهر- تشكيل لجنة متابعة من اتحادي غرف الصناعة والتجارة مهمتها التنسيق مع الجهات المعنية وتقديم الرؤى والمقترحات العملية للاستجابة المناسبة لتطورات الأسواق وتخديم القطاعين الصناعي والتجاري وفق المناسب».
وكذلك عكفت في كل اجتماعاتها اللاحقة بالاتكاء على الأزمة الأوكرانية، مع تضخيمها وتهويلها.
مزيد من الذرائع مزيد من الأزمات
الاتكاء الحكومي على الأزمة الأوكرانية حالياً لا يختلف من حيث الجوهر والغايات عن الاتكاء على مبررات (الحرب والأزمة، والعقوبات والحصار، أو «كورونا»)، خلال السنوات الماضية.
فجميعها، رغم موضوعيتها ودون التقليل من آثارها وتداعياتها، لم تكن إلا ذرائع مَسُوقة، يتم تهويلها وتضخيمها، لتبرير ما لا يمكن تبريره من موبقات ندفع ضريبتها على المستوى المعيشي والخدمي والاقتصادي العام.
فكل المبررات «الذرائع» أعلاه، مع الأزمة الأوكرانية المستجدة، وفي ظل أنماط التضخيم والتهويل لها، تم حصاد نتائجها من قبل حيتان أصحاب الأرباح على شكل المزيد منها في جيوبهم، على حساب مصالح الغالبية المفقرة طبعاً، وعلى حساب مصلحة الاقتصاد الوطني كذلك الأمر.
النفط والنقل والغذاء عناوين النهب القديمة المستجدة
الأمر لم يقف عند الاجتماعات الحكومية تحت عنوان الأزمة الأوكرانية، فأحاديث وتصريحات غالبية الوزراء والمسؤولين خلال الفترة الماضية، ومنذ بدء هذه الأزمة، كان يتمحور حولها، مع الكثير من التهويل عنها وعن آثارها وتداعياتها الدولية والإقليمية والمحلية، وخاصة بما يتعلق بالأسواق والأسعار العالمية في مجالات النفط والنقل والغذاء والصناعة والتجارة.
فاللافت بعد كل ذلك الصخب والتهويل الرسمي هو أن الإجراءات التي تم الإعلان عنها لم تكن بحجم النتائج المتوقعة من هذا التضخيم كما ورد أعلاه، فقد كانت منحازة طبقياً بكل وضوح، ولا تصب إلا في اتجاه تعزيز أزماتنا المحلية، لتحيل واقعنا المعاش إلى مزيد من التأزم، طبعاً مع خلق الأرضية المناسبة في أذهان المواطنين لتوقع الأسوأ والأشد سوءاً على مستوى معيشتهم وخدماتهم، وخاصة تحت عناوين (النفط والنقل والغذاء)، وهو ما بدأت تظهر مفاعيله ونتائجه السلبية في الأسواق.
ففي كل لحظة هناك سعر جديد للسلع والمواد، مع تباين نسبي في الأسعار بين البائعين، وبين سوق وآخر ومدينة وأخرى، أي مزيد من الفلتان السعري، ومزيد من التحكم بآليات العرض والطلب في الأسواق (بما في ذلك السوداء) على أيدي ولمصلحة كبار الحيتان من أصحاب الأرباح والناهبين والفاسدين طبعاً.
ولا ندري ما في جعبة الحكومة من توجّهات تنفيذية لاحقاً على مستويات إنهاء الدعم وتخفيض الإنفاق العام وغيرها من العناوين، اقتصادياً ومعيشياً وخدمياً، بذريعة الأزمة الأوكرانية، المضافة إلى كل الذرائع التي تسوقها، للمضي في سياساتها!
وبكل تكثيف واختصار فإن الأمر سيستمر على هذ المنوال بما يخص الأزمات بمختلف تسمياتها، تضخيماً وتهويلاً واستثماراً واستغلالاً، طالما استمرت السياسات الطبقية المنحازة على حالها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1060