مازوت التدفئة.. استكمال سيناريو التطفيش الظالم
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

مازوت التدفئة.. استكمال سيناريو التطفيش الظالم

من المفروغ منه أن كمية المخصصات من مادة مازوت التدفئة بالسعر المدعوم غير كافية، وربما اعترافاً بذلك تم الحديث مؤخراً عن فتح باب التسجيل لبيعها بالسعر الحر رسمياً (بغض النظر عن توفر المادة فعلياً) كشكل من أشكال التعمية عن تراجع الدور الحكومي، وعلى موبقات سياسات تخفيض الدعم الجارية والظالمة، بل وللتغطية على حيتان السوق السوداء أيضاً، ولعل الأهم الترويج للبيع بالسعر الحر.

فقد أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية عن البدء بتوزيع الدفعة الثانية من مازوت التدفئة بواقع /50/ لتراً لكل عائلة بموجب البطاقة الذكية، وذلك اعتباراً من صباح 21/1/2022، كذلك أعلنت أنه يمكن للراغبين بشراء كمية /50/ لتر مازوت لكل بطاقة عائلية، بسعر التكلفة، الحصول عليها من المحطات المخصصة للبيع بالسعر الحر في كل المحافظات، بواقع 1700 ليرة لليتر، اعتباراً من نفس التاريخ أعلاه.
وفي ظل موجة البرد والصقيع، وبسبب عدم توفر مازوت التدفئة بما يكفي الحاجات، كما جرت العادة طبعاً، استشاطت السوق السوداء على المادة، وارتفع سعرها أكثر مما سبق، وخاصة بعد الإعلان عن البيع بالسعر الحر أعلاه رسمياً!
فهل نحن أمام مقدمات لاستكمال إنهاء الدعم على المادة، وشرعنة التحرير السعري لها؟

ازدحام شديد وانتظار مديد

المواطنون عكفوا كالعادة على الاكتتاب على كمية الـ50 ليتراً المخصصة للتدفئة بحسب الإعلان أعلاه عبر منصة تطبيق «وين»، وهم بانتظار بدء التوزيع والاستلام لهذه المخصصات تباعاً. وبسبب تزايد الحاجة في الحصول على مازوت التدفئة، إثر موجة البرد والصقيع التي عمّت البلاد، تسابق المواطنون إلى المحطات المخصصة للبيع بالسعر الحر بتاريخ 21/1/2022، بحسب إعلان الوزارة أعلاه.
وقد كانت المحطات المخصصة لهذه الغاية، بحسب الجداول المرفقة بالتعميم، محدودة العدد للغاية، ففي دمشق كانت 3 محطات فقط، وريف دمشق 6 محطات، والقنيطرة محطة واحدة، وهكذا.. بمجموع وقدره 50 محطة في كافة المدن والمحافظات، حيث شهدت بعض هذه المحطات ازدحاماً شديداً من قبل المواطنين المحتاجين لمازوت التدفئة، وخاصة بهذه الأجواء الباردة، لكن هذا الازدحام كان دون طائل، فلا مازوت بسعر التكلفة في هذه المحطات، ولا من يحزنون!
وكنتيجة لما جرى من ازدحام شديد في بعض المحطات المخصصة، وما رافقها من تغطية بالصور عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي، أعلنت وزارة النفط لاحقاً أنه اعتبارا من تاريخ 24/1/2022 سيكون مازوت التدفئة الحر عبر التطبيق «وين» عن طريق الرسائل أيضاً، وأنه لن يكون هناك بيع مباشر للمادة.
ربما ذلك فيه تخفيف من المعاناة بعض الشيء، بحال وصلت الرسائل وتم التوزيع طبعاً!
لكن إذا فُرض على المواطنين انتظار الرسائل الموعودة، فهل سينتظر البرد عليهم؟!

الكميات المتاحة افتراضاً

من المفترض إن الكميات المتاحة لدى الوزارة من مازوت التدفئة، بالسعر المدعوم والحر، يجب ألّا تقل عن 400 مليون ليتر، عبر توريدات قادمة على التتالي، ومضمونة، كي ترسل بدورها الرسائل للمخصصين بهذه المادة من أصحاب البطاقات الذكية.
فبحسب مضمون إعلانات وزارة النفط أعلاه، من المفترض ان يتم تزويد المحطات الـ50 المخصصة بكميات من مازوت التدفئة (بالسعر الحر) لتغطي مخصصات 4 مليون بطاقة ذكية وبواقع 50 ليتر كل منها، أي بكمية إجمالية وقدرها 200 مليون ليتر مازوت، كذلك طبعاً بالنسبة للمخصصات (بالسعر المدعوم) وبنفس الكمية، والتي تم فتح باب التسجيل عليها أيضاً.
فهل هذه الكميات متوفرة؟
وبحال توفرها لماذا التأخر والمماطلة بالتوزيع إذاً، وخاصة بظل الحاجة الملحة لها الآن؟!
ولماذا اللجوء إلى البيع بالسعر الحر، قبل استكمال توزيع المخصصات بالسعر المدعوم، بحال توفر المادة؟

تخبط أم تحرير سعري؟

من الممكن، بل من المؤكد، ألا تستكمل عمليات توزيع المازوت المدعوم لحين وصول فصل الصيف، كما جرى خلال التسجيل على المخصصات السابقة، التي استغرقت مدة لا تقل عن 5 أشهر لحين استكمالها!
فالواقع يقول إن عمليات توزيع المخصصات بالسعر المدعوم ما زالت محدودة، وهي على حالها على مستوى المدة الزمنية اللازمة لانتظار الرسائل الموعودة، بغض النظر عن كل ما قيل عكس ذلك من سرعة التوزيع حالياً، وكذلك البيع بالسعر الحر عبر الرسائل الذكية، ناهيك عن معاناته وتكاليفه الإضافية بسبب قلة عدد المحطات المخصصة لهذه الغاية، وبُعدها عن أماكن سكن المواطنين المحتاجين للمادة عملياً!
فهل ما جرى إثر الإعلان عن فتح باب الاكتتاب على المخصصات، بالسعر المدعوم وبالسعر الحر، يدخل ضمن معايير التخبّط والارتجال باتخاذ القرارات؟
أم أنه فقط لتكريس السعر الحر للمادة رسمياً، عبر تثبيته حالياً على أنه سعر التكلفة، وربما بانتظار رفع سعري جديد لها، للمدعوم والحر على السواء؟!

لمصلحة السوق السوداء

تخفيض الدعم المتتالي الذي جرى على مازوت التدفئة خلال السنوات السابقة، على شكل تخفيض في الكميات ورفع في الأسعار، وصولاً إلى عدم كفاية المخصصات للحاجات الفعلية عملياً، فرض على المضطرين اللجوء إلى البدائل المتاحة، وخاصة السوق السوداء للمادة بسعرها المرتفع والاحتكاري.
فالحاجة إلى مازوت التدفئة يتم تغطية جزء منها عبر السوق السوداء عادة، وبواقع سعري كان يتراوح بين 2000-2500 ليرة لليتر، وطبعاً هذا السعر مرتفع جداً على الغالبية المفقرة المحكومة بانتظار الفرج عبر رسائل الذكاء فقط، لكن ما باليد حيلة أمام عوامل الطقس والبرد!
فمع الإعلان عن البيع بالسعر الحر، بواقع 1700 لليتر رسمياً، انعكس ذلك مباشرة على أسعار السوق السوداء، التي استشاطت ارتفاعاً، بسبب اشتداد البرد وتزايد الحاجة للمادة، حيث تجاوز سعر ليتر المازوت في بعض المناطق 4000 ليرة، وخاصة المناطق الباردة.
أي إن الإعلان عن البيع بالسعر الحر للمادة، قد يكون في أحد جوانبه اعترافاً بأن الكمية المخصصة بالسعر المدعوم غير كافية ولا تفي الحاجة فعلياً، لكنّه في جانب آخر لم يحدّ من نشاط السوق السوداء، بل زاده!
فالكميات المخصصة المحدودة والمسقوفة، والبطء بعمليات التسليم في ظل الانتظار الطويل للرسائل الموعودة، للمدعوم والحر على السواء، كان سبباً في زيادة السعر في هذه السوق بدلاً من تخفيضه ولجمه، كما هو مفترض!

استكمال سيناريو التطفيش الظالم

يبدو أننا أصبحنا أمام سيناريو تطفيشي متكامل الأركان، يمكن تلخيصه بالنقاط التالية:
طول مدة انتظار الرسائل الخاصة بمازوت التدفئة المدعوم، مع قلة كمياتها التي لا تكفي الحاجة.
تثبيت البيع بسعر التكلفة للمادة رسمياً، ربطاً مع آليات التسجيل عليها بكميات مسقوفة أيضاً، مع انتظار رسائلها الموعودة طبعاً.
صعوبات الحصول على المادة بسعر التكلفة، بسبب البعد الجغرافي للمحطات المخصصة لهذه الغاية، والتكاليف الإضافية المرتفعة التي ستفرض على المضطرين بحال لجوئهم إلى هذا الخيار.
الخيار المتاح حالياً هو اللجوء إلى السوق السوداء، التي رفع من أسعارها سعر التكلفة الرسمي، بدلاً من أن يكبحه!
استمرار نهج تخفيض الدعم، وصولاً إلى إنهائه عبر بوابة الحديث الرسمي عن البدل النقدي لمستحقي الدعم.
الترويج للبيع بالسعر الحر للمادة لتغطية الحاجات الفعلية منها.
بمعنى أكثر وضوحاً، فإن الحديث عن البيع بالسعر الحر رسمياً، وبهذا الشكل من العمل الترويجي الخلّبي له بالنتيجة، ما هو إلّا تغطية إضافية مفضوحة لموبقات تخفيض الدعم الجارية على قدم وساق وصولاً إلى إنهائه، وكذلك للتعمية على السعر الاستغلالي في السوق السوداء، والذي يستفيد منه حيتان الثروة والفساد على شكل أرباح إضافية متزايدة على حساب المضطرين، بانتظار الخطوة الأخيرة المتمثلة باستكمال إنهاء الدعم عن المادة رسمياً، وتحرير سعرها بشكل نهائي!

انعكاسات كارثية عميقة

أما عن الانعكاسات السلبية لتحرير سعر مادة المازوت، وفقاً للسيناريو المعمول به، فهي كثيرة وكارثية وعميقة!
فهي لا تقف عند حدود احتياجات المواطنين للتدفئة، بل تتعداها إلى الإنتاج والمواصلات وأسعار السلع والخدمات و...
ويبدو أن الحكومة غير معنية بتلك النتائج الكارثية، فهي ماضية بهذا النهج، ليس بالنسبة لمادة المازوت فقط، بل ولكل المواد المدعومة الأخرى، بما في ذلك كل المشتقات النفطية وحوامل الطاقة!
فأية كارثة ستحل بالمواطن المفقر، وبالإنتاج، وبالاقتصاد الوطني، والمصلحة الوطنية، عند استكمال تنفيذ هذا السيناريو الظالم!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1055