المشافي الحكومية والاهمال الرسمي
عمار سليم عمار سليم

المشافي الحكومية والاهمال الرسمي

إن ما يعانيه السوريون في الداخل في نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، وكل العذاب الذي يتعرضون له من التضييق اليومي والمستمر على كل شيء يحتاجونه، جعلهم فريسة للمرض، وأثّر بشكل كبير على حالتهم الصحية، ومنها ضعف التغذية والضغط النفسي والقلق، وزاد وباء كورونا من وطأة هذا التدهور الصحي والنفسي، وأصبح التدهور الصحي يهدد حياة الملايين في سورية، ويحصد أرواح الآلاف يومياً، وأغلبهم من الشباب والأطفال.

ومثل هذه الأزمة الصحية التي يعيشها المواطنون بمختلف أعمارهم كان من المفترض أن توجب على وزارة الصحة والحكومة إيلاء اهتمام مضاعف للقطاع الصحي، ووضع الأولوية للشريحة الأكبر من الشعب، وهم المفقرون ومعدومو الدخل، ولكن ما نراه بأم أعيننا أن الحكومة ووزارة الصحة تنتهج سياسات ممرضة وقاتلة تجاه هذا الشعب، الذي أمرضوه بسياساتهم الاقتصادية، ففقد قدرته على الغذاء ثم على الوقاية من الأمراض ثم العلاج تباعاً، وصورة المشافي الحكومية هي أكبر دليل على هذا الكلام، إذ أصبحت عبارة عن جدران وكادر طبي محدود فقط، بلا مستلزمات طبية!


مشفى الأطفال مثال عن المأساة

عند دخولك من باب الإسعاف ترى الناس يقفون بأعداد كبيرة ينتظرون قبولهم كل بدوره، واشتكى كثير من المواطنين من ذوي المرضى أن المشفى فارغ تماماً من أية وسيلة إسعاف، من معقمات وضماد وإبر ومحاقن وأقنعة الأكسجين والمسكنات والكفوف العقيمة وأنابيب التحليل، وكل ما يحتاجه الطبيب المسعف أو الممرض، فهي تكتب للمرافق على شكل وصفة طبية ليخرج من المشفى ويشتريها من الصيدليات المجاورة، وبالسعر الذي يفرضه الصيدلاني، ويضطر الناس لشرائها مرغمين تبعاً للظرف الذي يجبرهم على ذلك، وأصعب ما في الأمر أن يحتاج إلى هذه المستلزمات في وقت متأخر من الليل ويضطر إلى استقلال سيارة أجرة (إن وجد) للبحث عن صيدلية مناوبة، أما ما يحصل فيها فهو ضرب من الجنون!
فحسب أحد المواطنين أنه كلما احتاج إلى مادة إسعافية، بناء على طلب كادر إسعاف المشفى، خرج ليشتريها ولكنه عند العودة يصطدم مع موظفي الحراسات لعدم السماح له بالدخول إلى غرفة الإسعاف، مع أن المرافق الموجود مع المريض في الغرفة مشغول بمساعدة الممرضة والطبيب، بفتح وريد أو تثبيت أيدي الطفل أثناء ذلك، وهذه صورة مرعبة حقيقة، وتتنافى مع كل مبادئ الأخلاق والإنسانية، وخاصة في مشفى يسعف أطفالاً!
وعند التوجه إلى مدير المشفى ليجد حلاً لهذه المشكلة، «الكارثة» بالنسبة لذوي الطفل، كانت إجابته هذه هي القوانين في المشفى!
فإذا آمنا بالقوانين المرعية وضرورة الالتزام بها، فهل القوانين تسمح بإخلاء المشفى من المستلزمات الضرورية، وفي قسم الإسعاف؟


المشفى بلا تعقيم أو صابون!

عند الدخول إلى دورات المياه ستجد أنها بلا خراطيم، والقذارة منتشرة في أرضياتها، ولا يوجد أي نوع من الصابون، طبعاً هذا يضعنا مع احتمال خطورة وجود وباء الكبد الفيروسي وغيره من الأمراض، بالإضافة إلى مخاطر الكورونا، وهذه صورة من الإهمال الرسمي في هذا المشفى وغيره، وهو مجرد مثال يقبل التعميم.
فأين الحديث عن الإجراءات الوقائية والاحترازية التي فرضت حكومياً على كافة القطاعات على أقل تقدير، إن لم نتحدث عما هو مفترض وجوده سلفاً في المشافي والمراكز الصحية من تعقيم ونظافة ومستلزماتها؟!
قلة الكادر الطبي والمقيمين في المشفى
رغم تفاني الكثيرين من الكادر الطبي العامل في المشافي، وخاصة في أقسام الإسعاف، في العمل بدافع إنساني ووطني, غير أن أعداد المقيمين لا تغطي ربع الأعداد الوافدة إلى المشافي العامة من مرضى، وعلى وزارة الصحة أن تعي خطورة هذا الأمر.
فكثير من الحالات تأخر شفاؤها، وبعضهم فارق الحياة، بسبب تأخر أو فقدان الطبيب، إذ يضطر الكثير من مراجعي المشافي أن يجلبوا طبيباً من مشفى مجاور، وهذا ما جرى مع ذوي أحد الأطفال في مشفى الأطفال، حيث طلب منه أن يأت بطبيب عيون من مشفى المواساة المجاور لمعاينة طفله، بسبب عدم تواجد طبيب عيون في حينه!


أخطاء في التشيخص قد تودي بحياة المرضى

كثيراً ما يطلب الطبيب في المشفى تحاليل معينة لضرورة التشخيص السليم، ونادراً ما يكون التحليل موجوداً في مخبر المشفى، ما يضطر ذوو المريض للجوء إلى المخابر أو المشافي الخاصة، وحسب أحد ذوي المرضى أنه تم تشخيص حالة طفله بشكل خاطئ في مشفى دمشق (المجتهد) بسبب الخطأ في نتيجة التحليل وليس بسبب ضعف الكادر الطبي، حيث تبين خلاف هذه النتيجة في مشفى آخر، والسبب هو سوء المستلزمات والمواد المخبرية المستخدمة في التحليل!
لكن مثل هذا السوء في مستلزمات ومواد التحليل قد يودي بحياة المريض، فالتشخيص السليم هو نتيجة لمجموعة من العوامل المجتمعة، منها التحاليل المخبرية، التي من المفترض أن تكون دقيقة وسليمة.


التعاقد مع مخابر مجاورة

مع كل هذا التردي في الخدمات، ونقص الكادر، وقلة المستلزمات والتجهيزات، وخاصة الإسعافية منها، تجد أن بعض المشافي وكأنها على اتفاق مسبق مع مخابر ومراكز طبية خاصة بعينها، فلا يقبل التحليل من غيرها، حسب ما ذكره كثير من زوار المشافي الحكومية، وكأن البعض يستثمر حتى في فشل الخدمات ونقص المستلزمات في المشافي الحكومية، ناهيك عن تفشي الرشوة لإدخال المرضى إلى غرف الإقامة، والتي قد تصل إلى 150 ألف ليرة، وهذا ليس بغريب أمام كم الفساد المستشري في القطاع الحكومي والخاص على السواء، في ظل زيادة الضغط عليها، وخاصة مع الإجراءات المتبعة بشأن الكورونا في تخصيص أقسام من المشافي الحكومية لمعالجة مرضى هذا الوباء.


خلاصة القول


المشافي العامة تقدم الخدمات الطبية، المجانية أو الرمزية، وكادرها الطبي المحدود عدداً واختصاصاً يعتبر مشكوراً على ما يقدمه للمرضى الذين لا قدرة لهم على دخول أي باب من أبواب المشافي الخاصة المكلفة، فالضغط على هذا الكادر يكاد يتجاوز حدود التحمل، وخاصة في أقسام الإسعاف، التي يتوافد إليها المئات من المرضى والمراجعين يومياً، ولكن هذا لا يبرر لوزارة الصحة هذا الإهمال السافر والفج، ولا معنى لهذا الإهمال الرسمي، حتى على مستوى تأمين المستلزمات الضرورية لعمل المشافي بالشكل المطلوب.
فالواضح أن الحكومة تسعى جاهدة إلى تقزيم دور هذا القطاع الحيوي والضروري والهام لحياة الناس، وخاصة المفقرين، وتحويله إلى مجال استثمار عبر تخفيض الإنفاق عليه وخصخصته تباعاً، بالتوازي مع دعم المشافي الخاصة وزيادة ثروات أصحابها على حساب حياة الناس وأرواحهم.
فهل ما زالت صحة وأرواح المواطنين من اهتمامات حكومتنا العتيدة ووزارة الصحة؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1047
آخر تعديل على الثلاثاء, 07 كانون1/ديسمبر 2021 20:23