حرب الكمامات
دعاء دادو دعاء دادو

حرب الكمامات

استغلال الأزمات المتتالية في سورية بات «موضة العصر» من قِبل الفاسدين والحيتان الكبار والمستفيدين، وأولاً ودائماً من تجار الأزمة وسواهم، حيث أصبح هناك تجار مختصون لكل أزمة، إن كانت مُفتعلة أو غير مفتعلة، في جميع القطاعات، وعلى كافة الأصعدة، وسواء منها الأزمات الموسمية أو الأزمات الدائمة.

ومن الأزمات المربحة لدى التجار كانت «جائحة كورونا»، والتي تم الإعلان من قِبل منظمة الصحة العالمية بأنها ربما تكون دائمة، حيث باتت تجارة (الكحول والمعقمات الطبية والقفازات الطبية وحتى الكمامات الطبية) تجارة مربحة لدى جميع المستغلين والمستفيدين عموماً.

الكمامة.. التنوع حسب الموضة!

أصبحت تجارة تصنيع الكمامات وبيعها في مقدمة التجارات الرائجة في الآونة الأخيرة، فمنذ الظهور الأولي للفيروس «كورونا» المستجد، وحتى قبل الإعلان عن انتشاره في سورية، الذي هاجم العالم بشراسة دون أية استعدادات مسبقة، أصبحت لـ«الكمامة» سوق سوداء خاص بها، بعيدة عن الرقابة (الطبية- المواصفة والجودة- السعر- المصدر) و«نيّال مين نفّع واستنفع!!».
فقد أصبحت غالبية أطياف الشعب السوري ترتدي الكمامات بأنواعها التجارية قبل الطبية، ربطاً مع السعر للوقاية اضطراراً، والبعض الآخر كي تتناسب مع «الموضة» التي فرضها بعض التجار اقتباساً من بعض «البرندات» العالمية، منها: الكمامة القماشية والطبية وغير الطبية، ولهدف بات معروفاً عند الجميع، آلا وهو كسب الكثير من المال تحت مسمى «الموضة»، بُغية قضاء احتياجات المواطن، بأحدث شكل في الأماكن العامة بشكل يومي وبسعر «اقتصادي».

عمل هامشي.. «قرّب يا حبيب»

انتعشت تجارة «الكمامة» أمام مباني البنوك والمستشفيات العامة والخاصة والمؤسسات الحكومية عموماً، حيث أصبح هناك من يُنادي من أمام تلك المباني ليلفت انتباه «الزبائن» الجدد الداخلين لوجود كمامة بسعر اقتصادي و«خفيف ع جيبة المواطن المعتر»، كونه يمنع دخول أي مواطن دون ارتداء الكمامة.
فقد بات بيع الكمامات غير الطبية وذات المواصفات الرديئة تجارة رابحة للمستغلين عبر بعض الشباب والأطفال العاملين بهذا المجال أمام مباني الخدمات العامة، كعمل هامشي جديد بسبب غياب فرص العمل الحقيقي والدائم وتفشي البطالة، وبظل الحاجة لأي مصدر دخل يسد جزءاً من رمق هؤلاء مع أسرهم.

الأسعار التنافسية قبل ومع كورونا

شهدت الأسواق السورية في الآونة الأخيرة إقبالاً كبيراً على الكمامات، وأتى ذلك بعد تفشي فيروس كورونا في جميع المحافظات السورية.
حيث ارتفعت أسعار الكمامات الطبية نحو 600% تقريباً بالتزامن مع الإعلان عن وجود إصابات في سورية، إضافةً إلى السمسرة واللعب بأسعارها، دون التأكد من جودتها، وفعالية الكمامة طبياً في مواجهة فيروس كورونا.
حيث كان سعر الكمامة بين نهاية شهر 12/2019 وبداية العام الحالي بحدود الـ 15 ليرة، وهي ذات المواصفات الطبية الجيدة، وذلك لعدم الطلب عليها.
ومع بداية تفشي كورونا في الدول المجاورة ارتفع سعر الكمامة الواحدة لحدود الـ 30 ليرة... ومع تفشي الجائحة في سورية، وصل سعر الكمامات إلى الـ 600 ليرة الآن في بعض الصيدليات، دون التأكد من جودتها ومواصفاتها، وهذا مرتبط طبعاً حسب الصيدلية وحسب منطقة البيع. فقد بات معرفاً أن أسعار مناطق «النخبة» أعلى من أسعار باقي المناطق المُفقرة في المدينة.
وقد توفرت في الأسواق بعض الكمامات القماشية، التي وصل سعر بعضها إلى 1500 ليرة، وذلك كونها عديدة الاستعمالات، أو دائمة، علماً أن الشكوك تحوم حول مدى فعاليتها الطبية والصحية!.
أما عن أسعار الكمامات ذات المواصفة والجودة العالية فحدث بلا حرج، حيث يصل سعر بعض أنواعها لعشرات الآلاف من الليرات، وهي لا شك ليست للعموم من المواطنين المفقرين!.

تكلفة عالية دون فعالية ممتازة

حسب ما تم تداوله بين بعض الأطباء فإن «الكمامات العادية ليست ذات فعالية في الحماية من الإصابة بفيروس كورونا، باعتبارها غير محكمة ولا يوجد فيها فلتر للهواء، إضافةً أنها لا تحمي العين، لكنها ذات فائدة أكثر للمصاب في الفيروس، حيث تسهم في منع انتقاله»، ولفتوا الانتباه إلى أن «الكمامات تصبح مصدراً للعدوى بعد ساعات قليلة من استعمالها».
ومن هنا يراود ذهننا سؤال: هل تحتاج كمامة غير وقائية هذه التكلفة العالية، أم أن الموضوع بات «حلال ع الشاطر، ومين بيزيد»؟!.

احتكار وسمسرة بغياب الرقابة

لم يقتصر جشع وطمع الفاسدين وتجار الحروب والأزمات على ارتفاع أسعار المواد الغذائية فقط، لا بل طال الارتفاع بأسعار الأدوية والمستلزمات الطبية ككل، خاصة مع انفجار أزمة كورونا، التي يزداد انتشارها في البلاد أكثر فأكثر.
وهكذا أصبحت للكمامة- باعتبارها وسيلة الوقاية الفردية الأولية الضرورية المتاحة والأقل سعراً، رغم تكلفتها الشهرية العالية- حربٌ خاصة بها بسبب زيادة الطلب عليها، بُغية الحصول عليها بسعر أقل، بعيداً عن النوعية والجودة طبعاً، بسبب وجود محتكرين وتجار وسماسرة ومهربين، دون رقابة طبية، وبغياب الرقابة الحكومية، ودون أي تأنيب للضمير!.
فأين دور الصحة والرقابة الحكومية وتوجيهاتها للحد من انتشار الفيروس، إذا كانت الكمامة، التي تعتبر الخط الدفاعي الأول على المستوى الفردي للمواطنين، لم تعد كذلك على أيدي تجار الأزمات والفاسدين؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
978
آخر تعديل على الإثنين, 10 آب/أغسطس 2020 13:35