أزمة الغاز إشاعة أيضاً!
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

أزمة الغاز إشاعة أيضاً!

عادت أزمة الغاز للظهور مجدداً، أو كما يرغب بعض المسؤولين بتسميتها «اختناقات»، واتسعت رقعة انتشارها على امتداد المحافظات والمدن، وترافق معها استعادة السوق السوداء للمادة عافيتها استغلالاً على حساب حاجة المواطنين، حيث وصل سعر أسطوانة الغاز في هذه السوق إلى 8000 ليرة في بعض المناطق.

بداية لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ المادة محصورة بشركة «سادكوب»، وموزعة عبرها بشكل مباشر أو عبر الموزعين المعتمدين من قبلها، وهي مراقبة ومضبوطة افتراضاً من قبل عدة جهات وعبر العديد من الوسائل والأدوات، كما أن هناك تأكيداً على أن الكميات المتوفرة من المادة تكفي حاجات الاستهلاك. إذاً أين تكمن المشكلة؟

إشاعة والمواطن سبب!

المشكلة بحسب بعض المسؤولين دائماً وأبداً سببها المواطن، فقد نُقل عن لسان مدير عمليات الغاز، بحسب إحدى الصحف المحلية مؤخراً: «أن الاختناقات التي تحصل على توزيع الغاز نتيجة إقبال المواطنين على الحصول على أسطوانة الغاز قبل انتهاء مدة الـ 23 يوماً المحددة لهم، وبعضهم يحمل أكثر من بطاقة، نتيجة انتشار شائعات بشأن بوادر أزمة غاز».
بالمقابل فقد أكد المدير: «أنه ستضخ كميات غاز إضافية لكل المحافظات لتأمين الحاجة الفعلية للمواطنين نتيجة زيادة الطلب على المادة بعد انخفاض درجات الحرارة».
ربما لا بدَّ من التأكيد على أن المشكلة ليست إشاعة، فالأزمة واضحة ومفتعلة، والسوق السوداء قائمة وكمياتها متوفرة، وهناك حلقة استغلال وفساد ومستفيدون منها من دون أدنى شك، وتأكيداً على ذلك نُذكر أن مجلس محافظة دمشق سبق وأن اتخذ قراراً بشأن وقف النسبة المسلمة للموزعين والبالغة 5%، منعاً من استخدامها وبيعها عبر السوق السوداء، وذلك مع بدء فصل الشتاء وبوادر ظهور الأزمة على المادة في دمشق، وربما كميات هذه النسبة تعتبر جزءاً مما هو متوفر من كميات أكبر في هذه السوق وليس كلها.
أما من أين وكيف يتم الحصول عليها؟ فهذا شأن ومسؤولية المعنيين عن التوزيع والرقابة والضبط؟!.

طوابير لمصلحة السوق السوداء

عادت طوابير الانتظار الطويل من أجل الحصول على أسطوانة الغاز مجدداً، والكثير من المواطنين يعاودون الوقوف في هذه الطوابير مراراً وتكراراً، وعلى مدى أيام وأسابيع، من أجل الحصول على حقهم بالأسطوانة الموعودة كل 23 يوماً بحسب التعليمات، لكن دون جدوى، فقد امتدت فترة الحصول على المادة إلى أكثر من 45 يوماً بحسب بعض المواطنين في ظل الطوابير الطويلة والذرائع الممجوجة والمكررة، ناهيك عن المشاكل التي تحدث خلال ساعات الانتظار، سواء مع الموزعين أو فيما بين المواطنين، والتي تكون غالباً بسبب تجاوز الدور وسوء التوزيع واستنفاذ الكميات، الأمر الذي يفرض على المواطنين العودة في اليوم التالي للوقوف في الطوابير مجدداً، أو بحسب ما يتم إبلاغهم عن موعد وصول الشحنة التالية من الأسطوانات، وهكذا.. والنتيجة، استفحال الأزمة، وصولاً لاستغلال حاجة المواطن للمادة وفرض سعر السوق السوداء مقابل الحصول عليها.

سوق سوداء متفاوتة الأسعار

تتفاوت أسعار السوق السوداء الاستغلالية وتختلف بحسب المنطقة، وبحسب إذا ما تم الحصول عليها عبر البطاقة الذكية أو بدونها، فعبر البطاقة فإن سعر الأسطوانة قد يصل إلى 6000 ليرة، وبدونها يصل السعر إلى 8000 ليرة في بعض الأحيان، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ الكميات المتوفرة من خلال هذه السوق متوفرة وبدون سقوف!.
أما كيف توفرت هذه الكميات في هذه السوق فلا أحد يعلم، أو لا أحد يجيب؟! برغم أن المشكلة «الأزمة» ليست جديدة، وهي تتفاقم يوماً بعد آخر، وقد أصبحت على كل لسان، مع استمرار نفي بعض المسؤولين لها، والالتفاف عليها كما سبق من مثال أعلاه.

على أعين جهات الرقابة والضبط

لا شكَّ أن المشكلة كامنة في حلقة التوزيع والبيع، طبعاً في حال توفر الكميات الكافية من المادة فعلاً، وبحال كان التوزيع منضبطاً ومتوازناً ومستقراً.
وربما تجدر الإشارة هنا إلى حلقات الرقابة والضبط المفترضة والمقوننة من أجل حسن انسياب المادة وصولاً إلى المستهلك صاحب الحق فيها، وهي:
أولاً شركة سادكوب، فهي المسؤولة عن توفير وتحديد الكميات بما يتوافق مع الاحتياجات الفعلية للاستهلاك في كل محافظة ومدينة، وعبر كل موزِّع في كلِّ حي، كما أنها تساهم بجزء من عمليات التوزيع المباشر عبر مراكزها وسياراتها أيضاً.
ثانياً عبر البطاقة الذكية، التي طنَّبوا آذاننا بها وبجدواها، فبحسب هذه البطاقة من المفترض أنَّ عملية البيع والتوزيع أصبحت مؤتمتة ولا يمكن الالتفاف عليها، وخاصة ناحية الكِّم، فالتوزيع عبرها فردي واسمي.
ثالثاً مجالس المحافظات والبلديات، فهناك لجان تنسيق ومتابعة مع سادكوب، من أجل تحديد الكميات ومراقبة حسن توزيعها وبيعها وصولاً للمستهلك.
رابعاً مراقبو التموين، فمن المفترض أن من مسؤوليتهم متابعة ومراقبة عمليات البيع والتوزيع وضبط المخالفات بحال وجودها.
خامساً الأجهزة الشرطية المؤازرة عند اللزوم من أجل ضبط الدور وعمليات التوزيع والبيع للمواطنين.
وأخيراً، السورية للتجارة التي تدخل على خط التوزيع والبيع أيضاً بين الحين والآخر.
وبحسب البطاقة الذكية من المفترض أن من حق المواطن الحصول على أسطوانة غاز كل 23 يوماً، وهذه الفترة الزمنية تم حسابها من قبل المسؤولين المعنيين مباشرة، آخذين بعين الاعتبار توفر المادة وحاجة الاستهلاك المنزلي المخصص للطبخ فقط لا غير، ومع كل ذلك فإن الأزمة قائمة، والسوق السوداء تفعل فعلها على حساب الحاجات استغلالاً.

شبكة استغلال وفساد

من البدهي أن فارق السعر بين السوق النظامي والسوق السوداء كبير ومغرٍ، حيث يتراوح هذا الفارق بين 2000 ليرة ليصل إلى 5000 ليرة أحياناً لكل أسطوانة، ولكم أن تتخيلوا إجمالي المبلغ المنهوب من الجيوب استغلالاً للحاجات خلال عمليات البيع عبر السوق السوداء لهذه المادة، كما لكم أن تتخيلوا ما يمكن أن يستقطبه هذا الاجمالي من مستغلين وفاسدين من أجل استمرار هذه السوق وتعميق دورها وتوسيعه.
فكمية 25 أسطوانة فقط مهربة عبر الموزعين المعتمدين إلى السوق السوداء من خلال الأساليب الملتوية من أصل الكمية المستلمة، تحقق ربحاً صافياً يتراوح بين 125000 ليرة، وصولاً إلى 200000 ليرة، وبإجمالي شهري يتراوح بين مليون ليرة وصولاً إلى 1,6 مليون ليرة، وذلك بحال الحصول على دفعتين من الأسطوانات كلَّ أسبوع فقط، وبحال امتدت الأزمة خلال أشهر البرد والشتاء كما جرت العادة كل عام، فهذا يعني أن إجمالي الربح الصافي خلال 4 أشهر يتراوح بين 4 مليون ليرة وصولاً إلى 6,5 مليون ليرة، وهو مبلغ مغرٍ للفاسدين والمستغلين من دون شك.
ففارق السعر الكبير هذا، استغلالاً للحاجة وتحكماً بها، كفيل بابتلاع وإعادة تبويب كل أدوات ووسائل الرقابة والمتابعة وتكييفها بما يحقق المزيد من الأرباح الاستغلالية على ما يبدو، والدليل واضح وضوح العيان من خلال توفر المادة عبر هذه السوق بالكميات اللازمة والمفتوحة، في حين تغص السوق النظامية وتختنق، مع تكرار هذا الأمر كل فصل شتاء.

كفى استخفافاً بالعقول فالحل بسيط

فهل من شكٍّ بعد كل ذلك من أنَّ استغلال حاجة المواطنين وصولاً إلى تفاقم الأزمة وتسيّد السوق السوداء يشترك ويساهم فيها ويستفيد منها شبكة مترابطة من الفاسدين والمستغلين، وكلُّ منهم له دوره وحصته من أرباحها الصافية، أم أنَّ الإشاعة كبيرة والمواطن سيبقى هو السبب في كل عِلّة؟!
بالمقابل، ربما يكون الحل جد بسيط، وهو يتجلَّى بضخِّ المزيد من الأسطوانات في السوق النظامي، طالما أن الحديث الرسمي يقول إن الكميات متوفرة وتغطي حاجات الاستهلاك، كما فيها فائض للتوزيع والبيع خارج البطاقة الذكية وبالسعر غير المدعوم أيضاً.
ونختم بالقول كفى استخفافاً بالعقول، وكفى مزيداً من الضغوط الممارسة على المواطنين عبر استغلال حاجاتهم وضروراتهم وحقوقهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
942
آخر تعديل على الإثنين, 02 كانون1/ديسمبر 2019 13:32