حق السوريين في التعويض (1)
أديب خالد أديب خالد

حق السوريين في التعويض (1)

تدخلت العديد من الدول في الأزمة السورية خارقة بذلك قواعد القانون الدولي الإنساني عبر دعم وتسليح الجماعات مسلحة، وخاصة جماعات مصنفة دولياً على أنها إرهابية، كـ»جبهة النصرة» و»داعش» التي ارتكبت مئات المجازر بحق المواطنين، راح ضحيتها الآلاف وتسببت في دمار هائل، طال البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية ومنازل وممتلكات المواطنين، ودمرت مدن بأكملها.

بالإضافة إلى التدخل العسكري المباشر، كقصف التحالف الدولي الذي استهدف الجسور ومحطات الكهرباء وحقول الغاز بشكل مباشر، والعدوان التركي على مدن ومناطق الشمال، ودعمه المباشر للتنظيمات الإرهابية وارتكابه المجازر بحق المواطنين، وقصفه للمناطق الأثرية وسرقة الآثار والمعامل والمنشآت الاقتصادية في محافظة حلب، وما رافق ذلك من نزوح وتشريد لملايين البشر، هرباً من الموت والقصف، ناهيك عن معاناة الملايين من السوريين في مخيمات اللجوء.
فمن سيحاسب هذه الدول، ومن سيدفع التعويضات للسوريين عما لحقهم من دمار وخراب؟
فهذه الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني لا يمكن أن تُترك بدون اتخاذ الإجراءات القانونية للمعالجة من خلال التعويض، فما دامت هذه الانتهاكات تمثل أعمالاً منافية للاتفاقيات والبروتوكولات الدولية، فيجب عندئذ إيقاع العقاب على من قام بالانتهاك وإلزامه بالتعويض.
الأساس القانوني
للمسؤولية في القانون الدولي
من أجل حصول الضحايا على ما يستحقونه من تعويض، لا بد من صدور حكم قضائي يُلزم الجهة المسؤولة عن الوفاء بما يقرره ذلك الحكم. ومن المسلمات القانونية: أن يستند القضاء على نصوص قانونية لإصدار الحكم بالتعويض.
ومادام نطاق حديثنا هنا عن الجرائم الدولية، وانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو الأساس لأي تجريم في نطاق القانون الجنائي، ومن المؤكد أن الأساس القانوني لتحديد مسؤولية مرتكب الجرائم الدولية لا يستند فقط على نظام المحكمة الجنائية الدولية، حيث يستند القضاء على التشريع الدولي، وعلى وجه الخصوص الاتفاقيات الدولية الشارعة والإقليمية، (كاتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، واتفاقية تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، واتفاقيات جنيف الأربع، والاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان لسنة 1950، وغيرها الكثير).
الأساس القانوني
في ضوء الاتفاقيات الدولية
الثابت لدى فقه القانون الدولي، أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، واتفاقيات القانون الدولي الإنساني، تتفق فيما بينها من حيث أن لها هدفاً مشتركاً هو حماية حقوق الإنسان وحريته والحفاظ على كرامته، وأن أبرز ما يستند إليه القضاء الدولي، أو يفترض ذلك، لتعويض ضحايا الجرائم الدولية، هي الاتفاقيات الدولية بالإضافة إلى الأعراف، التي تشكل مصدراً أساسياً للقانون.
في هذا السياق تشير المادة 52، من لائحة تنظم القضائي الملحقة باتفاقية مونتريه لسنة 1937 (إلى أنه في حالة سكوت النصوص أو عدم كفايتها أو غموضها، فإن القاضي ملزمٌ باتباع القانون الطبيعي، وقواعد العدالة والإنصاف، أي: المبادئ العامة).
ومن أجل ضمان حصول الضحايا على التعويض فإن الفقه يرى أن الاتفاقيات الدولية عندما تتحدث عن التعويض فإنه يأتي بعد محاكمات تجري لمرتكبي الجرائم الدولية.
المسؤولية الدولية
المسؤولية الدولية تعني وجوب التزام يفرضه القانون الدولي على شخص من أشخاصه، بسبب قيامه بتصرف أو امتناع يخالف ما يفرضه القانون، يؤدي إلى إلحاق ضرر بآخرين يُوجب إصلاحه. وتحقق هذه المسؤولية من خلال قواعد قانونية دولية يُستخلص منها: مبدأ أساسي في المسؤولية الدولية يقول: أن كل عمل يخالف هذا المبدأ سيؤدي إلى قيام المسؤولية الدولية المباشرة إذا ما قام بهذا الفعل أو الانتهاك أحد أجهزتها الداخلية، فكل فعل غير مشروع دولياً يستتبع قيام مسؤولياتها الداخلية، وعندها تصبح مساءلتها واجبة حتى ولو كانت حرباً بالوكالة.
نصوص قانونية
ذات علاقة بتعويض الضحايا
لقد كان للتطور الذي ناله قانون حقوق الإنسان، وما حمله من مبادئ وأفكار، دور كبير في تكريس حقوق الضحايا، فقد أكدت المواثيق الدولية والإقليمية أيضاً على المبادئ التي تحكم حق الضحايا في اللجوء إلى القضاء والمطالبة بما يستحقونه من تعويضات.
ومن القواعد الجديرة بالذكر، والتي شكلت معيناً في إرساء مبادئ القانون الدولي الإنساني، باعتبارها قواعد يستند إليها، هي قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، والتي أشارت في المادة (149) منها إلى اعتبار الدولة مسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني المنسوبة إليها، وكذلك القاعدة (150) التي أوجبت التزام الدولة المسؤولة هذه بالتعويض عن كامل الأضرار والخسائر والأذى الذي تسببت به الانتهاكات.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
إن ما تضمنه الإعلان العالمي من نصوص يمكن أن تكون سنداً لحصول الضحايا على التعويض. فقد تضمن الإعلان حقوقاً يتمتع بها كل بني البشر، وإن ورود هذه الحقوق في هكذا نص دولي وفي ظل نزعة عالمية لحماية حقوق الإنسان، يعني: أن تجاوز أيٍّ من هذه الحقوق مدعاة لرفض المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والإنسانية، الأمر الذي يمكن أن يكون أساساً لتجريم بعض الأفعال وانتهاكاً لحقوق الإنسان، وبالتالي الجرائم الدولية التي يستحق من يأتيها إخضاعه للقضاء ومحاكته وإنزال العقاب.
اتفاقيات جنيف لسنة 1949
تمثل اتفاقيات جنيف الأربع أكثر الاتفاقيات شيوعياً واهتماماً، لما تحويه من نصوص تعالج جوانب متعددة خلال فترة النزاعات المسلحة، لا سيما ما يتعلق فيها بحماية الأشخاص المدنيين، حتى أنها توصف بالصكوك الرئيسة التي توفر حماية لضحايا النزاعات المسلحة، بالإضافة إلى البروتوكلين الإضافيين لسنة 1977 الخاصين بها، وعلى وجه الخصوص حماية النساء والأطفال، وأن المبدأ الأساس الذي اعتمدته اتفاقيات جنيف هو: وجوب احترام وحماية كل الأشخاص المشمولين بالحماية أياً كانت الظروف، ومعاملتهم معاملة إنسانية دون تفريق غير مشروع على أساس الجنس أو العنصر أو الدين أو الآراء السياسية، أو أية معايير أخرى.