«علالي» صحنايا عطشى للخدمات
سمر علوان سمر علوان

«علالي» صحنايا عطشى للخدمات

تعيش منطقة العلالي الواقعة على تخوم داريا واقعاً خدمياً مزرياً يجعلها أشبه بقرية منسية لم تصلها من الحضارة وعوامل التمدن إلا النذر اليسير.

سمر علوان

فحي العلالي الضائع إدارياً وخدمياً بين بلديتي صحنايا وداريا والمكتظ سكانياً بنحو خمسة آلاف نسمة ما بين مستقر ووافد، لا يكاد يلقى أي اهتمام يذكر ليس خلال الأزمة فقط بل منذ نشأته قبل عقود، فمعظم الخدمات التي وجدت طريقها إلى هذا الحي المنسي كانت نتيجة اجتهادات شخصية لأهالي المنطقة خلال سعيهم المضني لتحسين واقعهم المعيشي ليصل إلى حدود يصلح للعيش الآدمي على أقل تقدير.

الحياة في المخالفات
لأن العلالي تُصنف بأنها منطقة مخالفات فقد كتب على الأهالي أن يخدّموا أنفسهم بأنفسهم، فالدولة شبه غائبة فيها، والبلدية لا تتذكرهم إلا عندما يرغب أحدهم ببناء غرفة على سطح بيته كما يؤكد أحد الأهالي! وخلال عقود لم تلق هذه المنطقة وسائر المخالفات في المدن السورية سوى الوعود بالتنظيم في حين استمرت بالنمو عشوائياً بسبب الفقر والإهمال وتداعيات السياسات الاقتصادية التي دأبت عليها الحكومات المتلاحقة، ويكفي أن تعلم عن العلالي أن شوارعها غير مزفتة ومياهها شحيحة وغير صالحة للشرب وسيارة البلدية لا تمر بشارعها الرئيس لجمع القمامة إلا في الأعياد والمناسبات وأن الصرف الصحي لم يصلها إلا مؤخراً، وبعد جهود فردية من الأهالي، كما أن كثيراً من منازلها بلا خطوط هاتف.. يكفي أن تعلم عنها هذه الأمور أو بعضاً منها حتى تدرك إلى أي حد وصلت معاناة أهالي المنطقة.

بلا نظافة
منذ دخولك إلى العلالي يستقبلك مشهد أكداس القمامة التي تملأ أنحاء الحي، والسبب في ذلك أن سيارة البلدية لا تأتي إلّا في المناسبات كما يؤكد الأهالي وأنها- في حال مرت- لا تعبر سوى الشارع الرئيس تاركة الجزء المتبقي غارقاً بالنفايات، واقع دفع البعض إلى أن يحمل على عاتقه مسؤولية تنظيف تجمعات القمامة ورش المبيدات الحشرية تفادياً لانتشار الأمراض، لكن هذه المحاولات الفردية تفتقر إلى التنظيم وتعجز عن الإيفاء بمتطلبات المنطقة عالية الكثافة السكانية وتذهب هذه الجهود هباء خلال ساعات فمهما كان حس المبادرة عالياً لدى البعض فإنه يبقى غير كافٍ ولا يمكن للمحاولات الفردية أن تحل محل دور الدولة، ولا شك أن البلدية تعرف ذلك جيداً.

وبلا تزفيت
المشكلة ذاتها تكرر حين يجري الحديث عن تزفيت الشوارع، فالعلالي واحدة من المناطق التي تعيش على مبدأ «كل شي زفت إلّا الشارع»، وعلى امتداد أكثر من خمسة عقود لم تكتحل أعين الأهالي برؤية سيارة البلدية تزفت شوارعهم الملآى بالحفر ما جعلها غارقة بالأوحال شتاءً وبالغبار والحشائش صيفاً، ولم يجد الأهالي حلاً بعد أن ذهبت مطالباتهم أدراج الرياح على أعتاب البلدية سوى أن يشتركوا لشراء مادة الزفت لإصلاح واقع بعض أحيائهم، أو يعرضوا على البلدية أن تزفت شوارعهم على حسابهم الخاص.. ومع ذلك لم يتلقوا أية استجابة.

عطش مزمن
لكن المصيبة الأشد وطأة بالنسبة للأهالي، هي: واقع المياه ولا سيما خلال فصل الصيف، إذ تعاني المنطقة من انخفاض التغذية بالماء ما يؤدي إلى توزيع غير عادل على منازل الحي، وبشكل افتراضي يصل الماء إلى كل منزل يومين فقط كل أسبوع، وخلال هذين اليومين كثيراً ما يتسبب انقطاع التيار الكهربائي أو تردي التمديدات أو انخفاض مستوى ضخ المياه إلى حرمان القاطنين من حقهم بالماء، والاعتماد بالتالي على الصهاريج التي لا يعلم أحد على وجه الدقة مصدر مائها ومدى نظافته وصلاحيته للاستخدام عداك عما يتسبب به من نفقات إضافية ترهق كاهل الأهالي وتأتي على دخلهم المحدود، كما يؤكد معظم المواطنين الذين قابلناهم: أن الماء الذي يأتيهم من البلدية غير صالح للشرب وأنهم يضطرون إلى شراء ماء الشرب أولاً بأول.
لكن الجهة المعنية عن مياه العلالي تنفي هذه المشكلات جملة وتفصيلاً وتؤكد: أن الماء الذي تقدمه صالح للشرب وأنها لا تعترف على أية تحاليل لم يقم بها المخبر المركزي للمؤسسة، مشيرة إلى أن مصدر الماء هو غالباً من الوحدة الثامنة التي تتغذى منها العديد من مناطق العاصمة، كالأشرفية والدحاديل والقدم ونهر عيشة..إلخ، إلى جانب بئرٍ داعمٍ لمياه الشبكة يستخدم عند الحاجة، كما تُنكر على الأهالي شكواهم من شح المياه وتعزو الأمر إلى «مشكلات فردية قد تطرأ على هذا المنزل أو ذاك، إضافة إلى عدم وجود عدادات للماء في العديد من البيوت وعبث بعض المواطنين بأقفال تمديدات البلدية.. ما يزيد المسؤوليات الملقاة على عاتقها كجهة حكومية» كما تنفي تسجيل أية شكوى من قبل سكان الحي حول واقع الماء لديهم خلال الأمد القريب، مشيرةً إلى أن آخر شكوى وردت كانت منذ نحو شهر، وأن لا علم لديها بأية مشاكل حالية.. والخلاصة: أنه قد بات لديها العلم الآن وما من عذر.. فهل ستتصرف؟   

وقضايا أخرى
لا تنتهي معاناة الأهالي عند هذا الحد إذ يروي بعضهم تأخر وصول الصرف الصحي إلى المكان، واضطرار كثيرين إلى تحمل نفقات إنشاء خط صرف لمنازلهم إضافة إلى حرمان بعض المنازل وحتى هذه اللحظة من خط الهاتف الذي يفترض أنه أبسط الخدمات التي ينبغي توافرها في أية منطقة سكنية، كما يشكو الأهالي من انتشار «الزعران» وتراجع الوضع الأمني رغم قوع المنطقة تحت سيطرة الدولة، ورغم ما بذله السكان من جهد طوال الأزمة لحماية منطقتهم التي كانت على خط النار الأول ذات يوم.