قطاع التعاون السكني مكانك راوح!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

قطاع التعاون السكني مكانك راوح!

خصص مجلس الوزراء جزءاً من جلسته المنعقدة بتاريخ 10/1/2018 لقطاع التعاون السكني، وقد قرر المجلس تكليف لجنة الخدمات والبنى التحتية، لوضع آلية لتصويب عمل الجمعيات وتعزيز دورها في قطاع الإسكان، وفق رؤية التخطيط الإقليمي، وتعزيز دور القطاعين العام والخاص في خطة الدولة الإسكانية.

بالإضافة إلى ذلك، مراجعة عمل شركات التطوير العقاري وعمل الجمعيات وجمعيات الاصطياف، وتقديم التسهيلات للجمعيات السكنية الفاعلة، وإعادة النظر بالجمعيات التي لا تقوم بالدور المطلوب منها في مجال السكن.
وكان وزير الأشغال العامة والإسكان قد قدم خلال الجلسة عرضاً حول واقع الاتحاد العام للتعاون السكني، مشيراً إلى أن عدد الجمعيات التعاونية السكنية في سورية اليوم يبلغ نحو 2679 جمعية تعاونية سكنية تضم في عضويتها نحو 900000 عضو تعاوني.

معاناة تاريخية
مما لا شك فيه، أن قطاع التعاون السكني يعتبر من القطاعات الأهلية الهامة افتراضاً، وهو عانى ويعاني من الكثير من المشكلات الراهنة والتاريخية، اعتباراً من أوجه الفساد الكثيرة والعميقة التي طالته ونخرت عظامه، وليس انتهاءً بدور الدولة تجاهه.
فالمعاناة الأساسية لهذا القطاع تاريخياً يمكن تلخيصها بنقطتين هامتين:
الأولى: تأمين المساحات المناسبة من الأراضي من أجل تشييد الأبنية السكنية المطلوبة.
والثانية: توفير مصادر التمويل اللازمة من أجل تنفيذ مهامه.
وقد تراكب على هاتين النقطتين مجموعة من أوجه المعاناة المتفرعة، أهمها: حال الفساد والترهل الذي أصاب هذا القطاع على مستوى حلقاته، وصولاً لسرقة أموال المودعين والأعضاء في بعض الحالات، وليس انتهاءً بعلاقة المصرف العقاري ودوره تجاه هذا القطاع، سواء على مستوى استثمار أموال المودعين، أو على مستوى الفائدة التي يتقاضاها عند الاقتراض منه لصالح الجمعيات.

إجراءات رسمية وأرقام
يشار إلى أنه في نهاية العام 2017، أصدرت وزارة الأشغال العامة والإسكان قرارات تقضي بحل وتصفية 100 جمعية تعاونية سكنية لاعتبارات تتعلق بعدم قدرة هذه الجمعيات على تقديم الخدمات المطلوبة للمكتتبين لديها، وقد راعت الوزارة حقوق أعضاء الجمعيات التي تم حلها من خلال تشكيل لجنة يرأسها مفتش حسابات تضمن حقوق المكتتبين، حسب قول معاون وزير الأشغال العامة، عبر إحدى الصحف الرسمية بحينه.
وفي تقرير عن الوزارة، تداولته الصحف الرسمية في نهاية العام، أن إجمالي عدد الجمعيات وصل لغاية تاريخه، في نهاية العام، 2680 منها 772 جمعية سكنية، و1855 جمعية سكن واصطياف، و53 جمعية اصطياف، فيما وصل عدد الأعضاء المنتسبين 555973 عضواً، وإجمالي عدد المكتتبين 82951 مكتتباً، وإجمالي عدد المخصصين نحو 83180 مخصصاً، وإجمالي عدد الأعضاء التعاونيين ضمن القطاع التعاوني 936710 أعضاء.

نقاط مغفلة
ربما الإجراءات التي اتخذتها الوزارة بحل وتصفية بعض الجمعيات السكنية استناداً للمبررات المسوقة كان لا بد منها، وهي تعتبر خطوة من خطوات واجبة المتابعة، من أجل أن يقوم هذا القطاع بمهامه، خاصة في ظل الأرقام والمعطيات التي أعلنت عنها الوزارة، من أن هذا القطاع فيه بحدود 900 ألف عضو، جلّ هؤلاء طال انتظارهم للحصول على مسكن العمر.
لكن ما أغفله التقرير والأرقام المعلنة أعلاه هو: الأرصدة المودعة في المصرف العقاري لصالح هذا القطاع، وباسم الجمعيات السكنية، وهي أموال المودعين من الأعضاء، والتي يعود بعضها لعشرات السنين، والتي أشير سابقاً عبر الصحف المحلية بأنها تقدر بعشرات المليارات من الليرات السورية، وقد أصابها التآكل خلال هذه السنين بفعل التضخم وتدني القيمة الشرائية لليرة، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة.

الأراضي والتمويل
أخيراً يمكننا القول: أن هذا القطاع «الأهلي» الهام من الضرورة، بأن يعاد إلى أهليته، وخاصة لأصحاب الدخل المحدود، فخلال السنين والعقود السابقة، وبفعل الترهل والفساد، وابتعاد الدولة عن دورها تجاهه، أصبح من القطاعات الريعية الاستثمارية التي يتحكم بها كبار التجار والسماسرة، سواء بالشكل المباشر أو غير المباشر، خاصة مع آليات الاكتتاب والتخلي والتنازل عنه، لعدم قدرة العضو عن تسديد بعض الالتزامات المالية، استناداً للتكاليف المرتفعة للسكن، والتي تعتبر أسعار الأراضي أحد أسبابها الرئيسة، وغيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى.
على ذلك، إن ما يمكن أن يطرح كله، على مستوى تصويب عمل الجمعيات السكنية، أو عن تعزيز دورها في قطاع الإسكان، وغيرها من القضايا الأخرى رغم أهميتها، في حال لم يتم التركيز على حل القضيتين الأساسيتين: تأمين الأراضي والتمويل، سيكون حبراً على ورق، ودون جدوى، وسيبقى هذا القطاع «مكانك راوح»!
ولعل الأهم من هذا وذاك، هو: دور الدولة نفسها على مستوى السكن والإسكان، ومشاريعها الخاصة في هذا القطاع الحيوي والهام، بعيداً عن أدوار الجمعيات السكنية، أو شركات التطوير العقاري، وغيرها من بوابات الاستثمار والريع المفتوحة للتربح على حساب العباد والبلاد، فغياب الدولة عن دورها في هذا القطاع يعتبر السبب الأساس والرئيس لكل ما وصل إليه هذا القطاع بشكل عام، من ترهل وفساد وتحكم خلال العقود السابقة، وربما القادمة أيضاً!