زيتون الساحل بين تكاليف الإنتاج والتسويق!

زيتون الساحل بين تكاليف الإنتاج والتسويق!

تُعَدُّ شجرة الزيتون من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان السوري ومـارس زراعتها منذ آلاف السنين، وقد تطورت هذه الزراعة تطوراً كبيراً، حتى غدت سورية رابع دولة في العالم في إنتاج الزيتون (أكثر من مائة مليون شجرة). وتعتبر زراعة الزيتون إحدى أهم الزراعات البعلية فـي سورية، وأضحت مصدر رزق لشريحة واسعة من المزارعين. وتقع مزارع الزيتون أساساً في المناطق الشمالية والغربية (حلب وإدلب واللاذقية وطرطوس وحمص)، كما أنها تنتشر على نطاق واسع في المنطقة الجنوبية (درعا، السويداء، القنيطرة).

وككلّ عام، تتكرّر معاناة المزارعين في موسم القطاف؛ من صعوبة تأمين اليد العاملة، إلى مرارة الانتظار أياماً طويلة أمام المعاصر، إلى السرقة التي يتعرّضون لها من أصحاب المعاصر نتيجة عدم تقيّدهم بالتسعيرة، إلى تسويق الإنتاج.. وطبعاً مع هذا الوصف كله، ولم نتطرّق إلى تكاليف الأرض حتى تصل إلى مرحلة الإنتاج؛ من فلاحة وأسمدة ورشّ مبيدات وتقليم أغصان.. وغير ذلك. ليصل إلى أن أكثر من 65% من الإنتاج يذهب لصالح غير المزارع.
«قاسيون» جالت على بعض مزارع الزيتون والمعاصر في اللاذقية وأجرت مجموعة من اللقاءات وكانت الحصيلة التالية:
(أبو سليم - مزارع): نحمد الله ونشكره على النعمة هذا العام، كما ترى، الشجر بأوج عطائه، منذ سنوات لم تحمل الشجرة هذا الكمّ من الثمار، ويعود الفضل في ذلك إلى موسم الأمطار الجيد. لكن إذا قلت لك بأن أكثر من نصف الإنتاج يتبخّر، صدّقني لا أبالغ؛ فالعامل يأخذ ثلث الإنتاج، والمعصرة تأخذ أكثر من 10% منه، ناهيك عن ثمن الأكياس والبيدونات وأجور النقل وأدوات العمل.. والأنكى من ذلك كله، أننا ما زلنا نعتمد الطرق البدائية في جني المحصول.
(أم أحمد - عاملة): لقمتنا مغمّسة بالتعب والأوجاع. ليس هناك أصعب من عمل الزيتون؛ أكثر من ثماني ساعات يومياً وأنا محنية الظهر لجمع الثمار عن الأرض. والله يا ابني عندما أصل إلى البيت أكون مهدودة الحيل تماماً من مشاقّ العمل. ومع ذلك ألف نعمة، يكفي أننا نؤمّن مؤونتنا من الزيت والزيتون الذي هو أساس وجباتنا الغذائية في هذه الأزمة اللعينة.
(أبو علي – عامل): لقد اعتدتُ منذ سنوات على مزامنة إجازتي السنوية من الوظيفة مع موسم الزيتون. فكما تعلم، راتب الوظيفة لا يغني ولا يسمن.. الحمد لله أتقاضى يومياً ثلاثة آلاف ليرة أجرة، نعمة كريم. والعمل تعوّدت عليه فأنا أتسلّق الأشجار وأمرش الثمار لتسقط على الأرض. ورغم تدابير الحيطة والحذر إلا أنني في كل عام أحمل (ذكرى) من عملي بالزيتون؛ إما كسراً، أو خدشاً بليغاً، أو انقراص فقرات.. وختم قوله بأسى: «يا سيدي بدنا نعيش».
(ماهر – طالب جامعة): منذ ثلاث سنوات وأنا أعمل في موسم قطاف الزيتون مع مجموعة من الزملاء. فنحن مستأجرون غرفة مع منتفعاتها بـ (30) ألف ليرة. ونعتبر هذا الموسم فرصة ذهبية لتغطية بعض نفقات المعيشة. صحيح أن العمل يكون على حساب الدراسة، فنحن نعطّل عن الدوام بالجامعة قرابة الشهر.. لكننا مضطرون. حبّذا لو يتم إقامة معسكرات إنتاجية لطلاب الجامعة، للمساهمة سواء في قطاف الزيتون أو الليمون أسوة بـ(كوبا) عند حلول جني محصول قصب السكر.
(أبو العبد – مزارع): لقد مضى على وجودي منتظراً في المعصرة أكثر من خمس ساعات، وقد لا يأتيني الدور إلا بعد ساعات.. علماً أنني جنيتُ المحصول منذ أكثر من خمسة عشر يوماً، وهذا طبعاً يؤثّر سلباً على جودة الزيت. ما يحزّ بنفسي من ألم، أن الحكومة غائبة تماماً عن دورها في الإشراف على هذا المحصول الاستراتيجي. فقد حدّدت التعرفة بأن يأخذ صاحب المعصرة 7% من الإنتاج، إلا أنه يهبش 11% هكذا بكل وقاحة وعلى عينك يا تاجر! ماذا يمنع لو أن الحكومة أحدثت معاصر زيتون إلى جانب معامل عصائر الحمضيات (الغائبة هي الأخرى تماماً) رغم المطالبة بها سنوياً؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
837