خلف الرازي.. السكن البديل أولاً
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

خلف الرازي.. السكن البديل أولاً

ننام ونصحو على إبداعات محافظة دمشق بشأن منطقة خلف الرازي والاستثمار فيها، بعيداً عن مصالح سكانها وقاطنيها، وأصحاب الملكيات الأصليين فيها.

مرة بعد انتزاع بيوتهم دون تقديم السكن البديل، ومرة بالتلاعب بتواريخ بدء التنفيذ، والمهل التي منحتها المحافظة لنفسها مراراً وتكراراً، تبريراً لتقصيرها وعدم التزامها بحقوق أصحاب البيوت والأراضي في المنطقة، أو بالمواعيد المقررة للإنجاز بموجب المرسوم، ومرة ببدعة الاسم الذي تم إطلاقه على المشروع تحت مسمى ماروتا سيتي «المدينة السيدة»، والتغني بالسيادة عبر التسمية المطلقة على المشروع، ترويجاً للمزيد من الاستثمار في المنطقة، على حساب أصحابها، وآخر ما حرر هو تأسيس شركة «أمان دمشق المساهمة» من أجل البناء والاستثمار في المنطقة، كأحد أنماط التشاركية مع القطاع الخاص، بمجال التنظيم العقاري والبناء والاستثمار فيه.
استثمار عقاري وسياحي وخدمي!
فقد تم التوقيع مؤخراً على تأسيس شركة «أمان دمشق المساهمة» بين كل من شركة «دمشق القابضة المساهمة المغفلة»، المؤسسة من قبل محافظة دمشق ولصالحها، وشركة «أمان القابضة المساهمة المغفلة» و»شركة فوز التجارية»، الخاصتين، وذلك بغاية الاستثمار العقاري والسياحي والخدمي وممارسة الأنشطة المختلفة كافة، برأسمال وقدره 18.9 مليون دولار، حيث ستقوم ببناء واستثمار عدد من المقاسم السكنية والتجارية في المنطقة التنظيمية ماروتا سيتي (بساتين الرازي) في دمشق ، كما تتحضر في فترة لاحقة لبناء ثلاثة أبراج تجارية واستثمارية بمسمى (لاند مارك) بارتفاع يصل إلى 70 طابقاً، وذلك حسب ما أُعلن عبر وسائل الإعلام، مع الكثير من الدعاية والترويج لهذا النمط من التشاركية، الذي لم يخرج من حيز العبارات الطنانة التي تغلف نمط تغول الاستثمار الخاص في المنطقة التنظيمية، ولكن بشكل أكثر مشروعية هذه المرة، وبغطاء قانوني مباشر من قبل المحافظة، قد يفتح شهية الكثير من الشركات الشبيهة للعمل وفق الأسلوب نفسه مع المحافظة لاحقاً، على بعض المحاضر والمقاسم الأخرى.
حبر وورق «دمشق القابضة»!
للتذكير ففي شهر كانون أول 2016 تم الإعلان عن تأسيس شركة «دمشق القابضة» في محافظة دمشق برأسمال 60 مليار ليرة سورية، حيث أعلن أنها ستتولى إدارة وبناء واستثمار المنطقة التنظيمية الأولى الواقعة في المزة خلف الرازي.
وترويجاً للشركة بحينه، فقد أعلن بأنها ستقوم باستثمار أملاك المحافظة بطريقة متطورة وبجودة عالية في المنطقتين التنظيميتين /101 و102/ وفق المرسوم /66/ والمناطق التنظيمية الأخرى، التي سيطبق عليها لاحقاً، وقد حلت الشركة مكان مديرية الأملاك في المحافظة، التي كانت تدير استثماراتها سابقاً.
ومن المهام التي أعلن عنها عند تأسيس الشركة، قيامها بمشاريع تجارية واقتصادية واستثمارية في مختلف القطاعات المسموح بها قانونياً، وتأسيس شركة أو أكثر لإدارة شركات أخرى تابعة، أو مساهمة بها، وإجراء تراخيص البناء ومراقبة تنفيذها، ومنح إجازات السكن، ومطابقة إفراز المقاسم والأقسام المنفذة لصالح المحافظة وتحت رعايتها.
وقد أعلن محافظ دمشق بحينه بأنه بعد مضي عامين للخطة الاستثمارية ستتمكن الشركة من تمويل نفسها بنفسها، علماً أن مديرية تنفيذ المشروع حصلت على قرض مبدئي بقيمة /20/مليار ليرة لبدء تنفيذ البنى التحتية.
على إثر ذلك تم نقل ملكية العقارات التي تعود للمحافظة في هذا التنظيم للشركة المحدثة، ليتسنى لها الاستثمار فيها، بذريعة توفير السيولة النقدية لتنمية المنطقة التنظيمية، سواء من قبل الشركة مباشرة، أم عبر الاشتراك مع شركات تؤسسها.
أسئلة واستفسارات مشروعة
ما سبق ذكره يدعو للتساؤل حول ما مآل تأسيس شركة «دمشق القابضة» من ناحية مهامها التي أعلن عنها عند التأسيس، وخاصة ناحية الاشتراك مع شركات يمكن أن تؤسسها للاستثمار فيها من قبل المحافظة ولمصلحتها وتحت رعايتها؟
وما هي الحالة الاضطرارية للمحافظة للدخول بشراكة مع القطاع الخاص؟ خاصة وأن رأسمال التأسيس لشركة «دمشق القابضة» يبلغ 60 مليار ليرة سورية، وتم الحصول على قرض مبدئي منذ عام 2016 بقيمة 20 مليار ليرة من أجل تنفيذ المشروع، بمقابل رأس المال المتواضع للشركة المحدثة مع القطاع الخاص والبالغ 18.9 مليون دولار، أي: ما يعادل 10 مليار ليرة سورية فقط، مع عدم وضوح حصة كل من الشركات المنضوية بهذه الشراكة من هذا الرأسمال، سواء التابعة للمحافظة «دمشق القابضة» أو الخاصة «أمان القابضة» و «فوز»!.
والسؤال الأهم_ هو: ما مشروعية إدخال القطاع الخاص الاستثماري على ملكيات المحافظة والاستثمار بها، حيث لم تخوّل «دمشق القابضة» التابعة للمحافظة إلا بإدارة وبناء واستثمار أملاك المحافظة من قبلها ولمصلحتها، حسب إعلان التأسيس؟.
وهل تأسيس هذه الشركة الآن «أمان دمشق» هو استباق على المهلة التي أعلن عنها المحافظ، والتي قدّرها بسنتين، من أجل تمكن «دمشق القابضة» من التمول الذاتي خلالها؟.
وما مصير الـ 20 مليار ليرة التي تم الحصول عليها مبدئياً لمصلحة المشروع نهاية 2016، أو أي تمويل لاحق من المصارف العامة يمكن أن يتم الحصول عليه من أجل المشروع التنظيمي، على ضوء التأسيس للشركة «التشاركية» المحدثة؟.
أم أن مصالح الاستثمار الخاص الربحية تعتبر هي الأولوية مهما كانت حصة هذا الاستثمار من الرأسمال، وعلى حساب أي كان؟.
حمّى تأتي على مصالح المستضعفين!
منذ عام 2012 ومنطقة خلف الرازي تتقاذفها حمى الاستثمار والاستيلاء المشروع على ملكيات مواطنيها وساكنيها، وخاصة أصحاب الملكيات الصغيرة، وهم الأكثرية المستضعفة والمستغَلة، تحت ضغط التشرد والحاجة والاستنزاف، في ظل عدم التزام المحافظة بتطبيق المرسوم 66 حسب مواده وبنوده، رغم الكثير من التحفظات على بعضها، وعلى آليات العمل بها.
وما زالت تلك الآليات تتزايد وتتغول على حساب هؤلاء، ولمصلحة المستثمرين والتجار والمضاربين العقاريين، على مرأى ومسمع، بل و»بماركة» رسمية، أخذت صبغتها بالمشروعية تتزايد يوماً بعد يوم، وعاماً بعد آخر، وخاصة في ظل السياسات الليبرالية المقرة والمتبعة من الحكومة، المحابية لمصالح المستثمرين على حساب مصالح البقية الباقية من الشرائح الاجتماعية، ولتنتهي أخيراً بفسح المجال الاستثماري واسعاً، على المستوى العقاري والسياحي والخدمي، وغيره من الأنشطة التجارية المربحة في المنطقة، أمام القطاع الخاص، عبر بوابة التشاركية مع المحافظة، التي من المفترض أنها المؤتمنة على ملكياتها وملكيات المواطنين، وصيانة كل ما يتعلق من حقوق بهذا الشأن، مع عدم إغفال التوجهات الرسمية القاضية بتعميم تجربة تنظيم خلف الرازي، على مناطق تنظيمية أخرى، بالطريقة والأسلوب نفسهما، ولخدمة نفس أصحاب المصالح من كبار المستثمرين والتجار والمضاربين العقاريين، أفراداً وشركات، كنتيجة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
822