القطاع العام بين الفساد الأكبر والفساد الأصغر!! مؤسسات عليا سوط على الإدارات. . والإدارات سوط على العمال! كيف تخسر الشركات ولماذا؟

منذ سنوات ولايكاد يمر يوم إلا ونقرأ خطاباً لرئيس الوزراء وأكثر أعضاء الحكومة في  لقاءاتهم مع هذا القطاع الصناعي أو ذاك إلا ويتحدثون عن حلول للنهوض بشركات القطاع العام الخاسرة، وهم جميعاً يحملون المسؤولية لإدارات هذه الشركات الفاسدة مع التأكيد على ضرورة تغيير هذه الإدارات لكي يتم الإقلاع بهذه الشركات وتتسابق جهات عديدة لعقد لقاءات واجتماعات حول واقع ومشاكل القطاع العام، وحتى هناك جهة في القطاع الخاص عقدت مؤخراً ورشة عمل درست من خلالها أسباب الخسارة ووضعت اقتراحات وتوصيات.

والوقع يقول أن كل مايطرح من الوزراء والمؤسسات للنهوض بالقطاع العام هو ضرب من ضروب الخيال، وأبعد مايكون عن الواقع والمنطق العلمي، وأن جميع مايطرح يعتمد على العمل المكتبي بعيداً عن الواقع العملي الميداني.
لم تشر أية جهة حكومية أو غير حكومية إلى الأسباب الحقيقية لارتفاع التكلفة ولمعايير  الإنتاج وللمشاكل الصناعية والإدارية والقانونية على أرض الواقع، لم تشر إلى الأسباب الحقيقية لإيصال هذه الشركة أو تلك إلى الخسارة، ولكن الإشارة تبقى لدى الجميع: فساد الإدارات وأهمية مكافحة الفساد والمفسدين. . . . وتتم المزايدات في هذا الموضوع، ويتم التسابق في الحديث عن الفساد وكأن الكل يحاول الهروب من الواقع.
لماذا نحمل إدارات الشركات والمعامل المسؤولية عن الفساد؟
الواقع الميداني يقول: لكي نغطي الفساد الأكبر، وأنا هنا لاأعفي الإدارات من المسؤولية في التسيب والهدر وقبض عمولات والخضوع بالطاعة العمياء إلى أجهزة ومؤسسات عليا تمارس أشد أنواع الفوقية والبيروقراطية وإلى سوط على رقاب الإدارات، وتحول الإدارات إلى سوط على رقاب العمال، هي سلسلة من الأعلى إلى الأدنى وكل يمسه الفساد بشكل أو بآخر.
ونتساءل: كيف تخسر الشركات ولماذا؟
وهل إدارات هذه الشركات هي السبب؟

تعالوا نتحدث ميدانياً:
* شركة حمص للغزل والنسيج والصباغة تخسر سنوياً مئات الملايين من الليرات السورية، أسست هذه  الشركة عام 1946 وأممت عام 1965، هذه الشركة أصبحت متحفاً صناعياً لأنها تحتوي على آلات منذ 60 عاماً دون تجديد أو تطوير، وتحتوي أيضاً على مصبغة يدوية بدائية، كانت تنتج أقمشة مصبوغة بالأجرة وأقمشة مطبوعة بالأجرة وتوقفت كامل أقسامها لتنتج فقط أكياس خامية بكلفة 50 ل.س للكيس ويباع بـ 16 ل.س فقط وهي التي تضم 500عاملاً.
كان مقرراً منذ سنوات إقامة خط للعوادم وخط للجينز من أجل الإقلاع بواقع هذه الشركة، وأجريت دراسات جدوى اقتصادية لهذه الخطوط وصرفت عليها مبالغ كبيرة وخط الجينز أنجز بقرض مقدم من البنك الإسلامي، ورفعت مئات المذكرات من العمال والنقابة من أجل إقرار هذه الخطوط للإقلاع بالشركة ولم تتم الموافقة على التطوير والتحديث ومازالت الشركة تخسر وتتراكم خسائرها.
وهنا نسأل: لماذا ألغيت مشاريع الشركة ومن المسؤول عن الوضع الذي وصلت إليه؟
معمل الوليد للميكروباص في حمص: قبل أكثر من 10 سنوات كان عمله صندقة الميكروباصات وكان من الممكن أن يتطور ليصل إلى صناعة الميكرو وهو الذي يضم كادراً فنياً كبيرة، وبدأ هذا المعمل بالتراجع مع تراجع الميكرويات ليصل في إنتاجه إلى تصنيع المقاعد المدرسية. . .  وتراجع ليتوقف ولتصل الخسارات إلى مئات الملايين، واتجه إلى تصنيع الأبراج الكهربائية لمديريات الكهرباء ونجح في ذلك ولكن كان وضعه يتردى يوماً بعد آخر وذلك لأسباب عديدة منها: عدم توفر المواد الأولية، عدم توفر السيولة.
عدم الاهتمام بالمعمل من الناحية الإنتاجية والاقتصادية وهذا يعود لعدم تعاون الإدارة العامة مع إدارة المعمل في كافة المجالات. عدم وجود عمل ثابت ذي جدوى اقتصادية. ومنذ عشر سنوات والمذكرات ترفع وتطالب: بإيجاد عمل ذي جدوى اقتصادية، تسديد ديون المعمل للتأمينات والمشافي، محاسبة المقصرين، وتوقف المعمل والخسارة مئات الملايين.
وهنا نسأل: من المسؤول عن هذه الخسارة وعن واقع هذا المعمل؟

* الشركة العربية لصناعة البورسلان والأدوات الصحية في حماة: قبل عاما 1990 من القرن الماضي كان يتم التسابق على أبواب هذه الشركة للحصول على إنتاجها «باستثناء» من الوزير أو غيره وكانت الاستثناءات تباع على أبواب عمران وعلى مدخل الشركة، ومن كان يحصل على استثناء كان يؤمن من خلاله مبلغاً يذهب به إلى الملاهي أو إلى المقاصف والمواطن العادي كان يشتري مايحتاجه من السوق السوداء وبعد عام 1990 أعطيت تراخيص للقطاع الخاص أقام بموجبها عشرات المعامل المتطورة، وأعطيت تراخيص للتجار لاستيراد البورسلان والأدوات الصحية من مختلف دول العالم، وبقيت شركة بورسلان حماة على إنتاجها النمطي تنتج قياساً واحداً دون تطوير أو تحديث، رفعت مئات المذكرات تطالب وتحذر من الانهيار القادم، ودفعت مئات الألوف من الدولارات لدراسات تهدف إلى التطوير ولكن لم تلق الآذان الصاغية، وبدأت الشركة تكدس إنتاجها، ووصلت الخسارة إلى مئات الملايين والجهات الوصائية تتفرج، وقبل عام اجتهد مديرها العام وقدم دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لمشروع إنتاج مواد التزجيج بطاقة 16500 طن بالعام وقدم المبررات التي تؤكد أنه:
لايوجد أي معمل مشابه في سورية والأردن ودول الخليج، توفر البنية التحتية لإقامة هذا المشروع في سورية، تخفيض تكاليف الإنتاج مقارنة بالمستورد كون 60 ـ 65% مواد أولية محلية وهذا يساعد على تخفيض تكاليف إنتاج السيراميك والمنافسة خارجياً.
إقامة المعمل بطريقة الشراكة حسب توجيهات وزارة الصناعة، وهذا يساهم في نجاح المعمل وتخفيض راس المال المحلي بالإضافة إلى سهولة التسويق ويبين في الدراسة حاجة سورية و الأردن ولبنان.
ورفعت الدراسة إلى الجهات الوصائية ورفضت رفضاً قاطعاً من الوزير آنذاك لكي تتردى الشركة وتنهار فعلاً، هذا ماحصل، تراكمت الديون على الشركة، وتوقف إنتاجها، وامتلأت مستودعاتها وأعطي المشروع لمستثمر!!!
ونسأل: من المسؤول عن هذا الانهيار؟ والقائمة تطول، وهنا نسأل: هل إدارات الشركات هي المسؤولة عن خسارات القطاع العام؟ وهل الفساد في الإدارات هو السبب في هذا الانهيار؟
أسئلة بريئة على كل حال. . . لأن كل الدراسات التي قدمها القطاع العام للتطوير أعطيت للقطاع الخاص.

معلومات إضافية

العدد رقم:
283