تقرير عن سير عملية الحوار حول وحدة الشيوعيين مع الرفاق في الحزب الشيوعي السوري

قدّم الرفيق حمزة منذر تقريراً مفصّلاً عن سير عملية الحوار مع الرفاق في الحزب الشيوعي السوري (النور)، على طريق توحيد الشيوعيين، هذا نصّه:

أيها الرفاق الأعزاء:
كان بودنا بعد سنة وخمسة أشهر على عقد الاجتماع الوطني السابع، الذي أطلق مبادرة ملموسة لتوحيد الشيوعيين السوريين، أن يحمل تقريرنا هذا البشرى للمجتمعين هنا، بأن الحوار مع الرفاق في الحزب الشيوعي السوري ـ فصيل النور ـ حول وحدة الشيوعيين السوريين قد أًنجز، أو قطع شوطاً كبيراً على طريق الوحدة، لكن الواقع ليس هكذا، فالحوار تقدم ببطء، وحقق في بعض جوانبه نتائج لا بأس بها بالقياس لما كانت عليه الحال سابقاً، وليس بالقياس لما هو مطلوب وضروري. أي أن الحوار لا يعتبر منتهياً أو منجزاً، بل مازال مستمراً حول عدة قضايا سنأتي عليها في سياق التقرير!
تعلمون أيها الرفاق أن ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، الذي وقّعه أكثر من مائتي شيوعي في 15/3/2002، شكّل نقطة انعطاف حاسمة على طريق وحدة الشيوعيين السوريين، وقد عكس مضمون الميثاق حينها مدى إصرار أعداد واسعة من الشيوعيين، سواء داخل الفصائل أو خارجها،على استعادة وحدة حزبهم الذي أنهكته الانقسامات المتتالية منذ أواخر الستينات من القرن الماضي.
فمنذ 15/3/2002، بدأت في الحركة الشيوعية السورية، وبشكل مختلف عن سابقاتها، عملية التوجه الجدي نحو وحدة الشيوعيين السوريين، وكانت نقطة البدء في هذه العملية الصعبة، تشكيل إطار جامع لهم هو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بعد سبعة أشهر من توقيع الميثاق، والتي رفضت إعلان نفسها حزباً، بل راحت تطرح الحوار مع الجميع وسيلة لتوحيد الرؤية والإرادة والسير نحو الهدف الاستراتيجي، وهو توحيد الشيوعيين السوريين في حزب شيوعي واحد يلغي الحالة الفصائلية، ويؤدي دوره الوظيفي في حياة البلاد، ويستعيد ثقة الجماهير به.

أيها الرفاق:
عندما أطلق الاجتماع الوطني السابع مبادرته الوحدوية، لم يكن الموقف عاطفياً أو وليد لحظته، بل جاء فعلاً تراكمياً وإدراكاً معرفياً لما أنجزته اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين منذ 2002، سواء على صعيد التمسك الواعي بالمرجعية الماركسية ـ اللينينية بعيداً عن خطر الوقوع في الجمود والعدمية، والتمسك بالوصول إلى الاشتراكية كهدف استراتيجي، وصولاً إلى أن وحدة الشيوعيين السوريين وإعادة بناء الحركة الشيوعية في سورية أصبحت واجباً وطنياً وطبقياً لا يعلو عليه أي واجب آخر.
إن الدارس المنصف لمواقف ومبادرات اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين حول الوحدة وآليات تحقيقها، سيكتشف أننا جادون إلى أقصى حد في تحقيقها انطلاقاً من الأسس الموضوعية التالية:

1 - إذا تقاعس الشيوعيون عن أداء دورهم المطلوب تحت أية ذريعة، فإن الجماهير الشعبية قادرة دائماً على إيجاد حزبها الشيوعي الحقيقي.
2 - إن وقف مسلسل الانقسامات ووضع حد لإعادة إنتاج الأزمة، وإحداث الانعطاف المطلوب في حياة الحركة الشيوعية السورية بما يتلاءم مع الانعطاف الجاري إقليمياً ودولياً، والرد على الانتظار الطويل والعبثي لمجيء الوحدة من فوق، كل ذلك جعل شعارنا الرئيس لتحقيق الوحدة هو: «من تحت لفوق» دون استثناء أحد، وبغض النظر عن الموقع التنظيمي لأي شيوعي ابتعد عن الحزب أو أبعد بدون وجه حق، معتمدين على التراث الثوري والطبقي للشيوعيين السوريين، ومتجاوزين كل العوائق التي تقف في وجه هذه المهمة النبيلة.
3 - إن ما يجمعنا اليوم أكثر بكثير مما يفرقنا، وقد علمتنا دروس الصراع والاستنزاف المريرة أن هناك ضرورة قصوى لتوحيد الصفوف، وأن المهام الوطنية والاجتماعية ـ الاقتصادية والديمقراطية التي تواجه شعبنا لا يمكن حلها إلا بتعزيز الوحدة الوطنية في بلدنا، وعلى الشيوعيين أن يكونوا موحدي الإرادة والعمل في حزبهم الشيوعي الواحد حتى يلعبوا دورهم المطلوب بين الجماهير وفي تعزيز الوحدة الوطنية في هذه الظروف الدقيقة.
4 - إن الانخراط في عملية التوحيد يجب أن تكون متاحة لكل شيوعي يريد السير في هذا الاتجاه، وعلى الأسس التي سبق ذكرها. لذلك لا يجوز وضع فيتو على أي شيوعي مازال محافظاًَ على شرف اللقب ومنظومة الأخلاق الشيوعية. من هنا فإن منطق الفيتو لا يتماشى مع عقلية التوحيد، بل يتناقض معها.
5 - لقد أثبتت التجارب التي عشناها منذ أواخر الستينيات وحتى الآن، أن عمق الأزمة في الحركة الشيوعية السورية يتناسب طرداً مع درجة الابتعاد عن الجماهير، كما أن ضرورة وسرعة عودتنا للجماهير يتوقف عليها عودة الجماهير إلى الشارع، وهذا يؤكد أن العوامل التي تحدد وحدتنا هي موضوعية ومتوفرة بامتياز، ولا ينقصها إلا ارتفاع وارتقاء درجة الوعي الذاتي لدى الشيوعيين لتحديد سرعة الوصول إلى الوحدة.

وعلى أساس ما أسلفنا، طرحت اللجنة الوطنية عدداً من المواقف ومبادرات التوحيد، التي ترافقت مع عمل دؤوب لتحقيق هذا الهدف، وسنتوقف عند بعضها فقط في هذا الوقت الذي بدأت تعلو فيه أصوات القواعد على امتداد البلاد، مطالبةً بإنجاز عملية التوحيد دون إبطاء..
تحت عنوان «مبادرة عن طريق وحدة الشيوعيين السوريين» بتاريخ 22/6/2007، تقدم مجلس اللجنة الوطنية بمبادرة وحدوية محددة إلى رفاقنا في الفصيلين الشيوعيين، قيادات وكوادر وقواعد، وإلى جميع الشيوعيين خارج الفصائل، وأهم ما جاء فيها:
ـ اقتراح تشكيل مجلس تشاوري مركزي يضم ممثلي الفصائل الشيوعية بشكل متساو، وتؤخذ قراراته بالتوافق، ويحق له تشكيل فروع له بالمحافظات ويقرر لحظة الإعلان عن نفسه واسمه الرسمي في الوقت المناسب.
ـ مهمة المجلس التشاوري: الوصول على الأقل، لتنقية الأجواء بين الشيوعيين، وإيجاد أشكال العمل المشترك حول القضايا السياسية الكبرى والقضايا التي تمس مصالح الجماهير.
لكننا ـ ولشديد الأسف ـ لم نتلق أية استجابة أو ردود من قيادة الفصيلين (صوت الشعب، النور)، في حين كانت هناك استجابة واستحسان لمبادرتنا في صفوف العديد من الرفاق في القواعد وبعض الكادرات في الفصيلين، وكذلك في صفوف الرفاق والأصدقاء من خارج التنظيمات تأييداً وتشجيعاً لمواصلة العمل الدؤوب لجعل خيار الوحدة أمراً واقعاً يتجاوز الإعاقات التي تضعها بعض القيادات المتنفذة في طريق الوحدة بالتعارض مع شعار: «من تحت لفوق».
وهذا ما شجعنا على مواصلة شرف المحاولة على طريق الوحدة، ففي تقرير مجلس اللجنة الوطنية المقدم للاجتماع الوطني السابع في دمشق تاريخ 11/1/2009 تقدمنا بالاقتراحات التالية للتوحيد:
الخيار الأول: العمل باتجاه نقاش وتحقيق مبادرتنا السابقة والمؤرخة في 22/6/2007 بمن حضر على مستوى المركز والمحافظات.
الخيار الثاني: تشجيع الحزبين (صوت الشعب، والنور) على التقارب وفتح الحوار بينهما، وخاصة أنهما يعملان تحت سقف الجبهة ولا موانع موضوعية من وحدتهما، بل هي ذاتية بحتة.
الخيار الثالث: إعلان استعدادنا الجماعي للانخراط في أي فصيل يقبلنا كأعضاء دون استثناء أحد، ودون المطالبة بأية مواقع شريطة التعامل معنا كأعضاء كاملي الحقوق والواجبات، مع الاحتفاظ بحقنا بإبداء رأينا حول مختلف القضايا مع رفع الأحكام العرفية في الفصيل الذي سيوافق على هذا الاقتراح، في فترة زمنية يتفق عليها، أي تجميد فصل العقوبات في النظام الداخلي.
إن كل ذلك يعني خلق نموذج جديد للتوحيد لا مكان فيه للمحاصصة والتوزيع المسبق للمكاسب، الشيء الذي كان سبباً في فشل جميع محاولات التوحيد السابقة.
تعلمون أيها الرفاق، كل من موقعه ومجال نشاطه، حجم ومدى ردود الفعل الإيجابية من قواعد الشيوعيين إزاء مبادرة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، والتي أقرها الاجتماع الوطني السابع بالإجماع. وقد أعطت صحيفتنا «قاسيون» مساحة واسعة للآراء والمداخلات المتعلقة بأهمية المبادرة.
وإذا كانت استجابة الرفاق في قيادة «صوت الشعب» للمبادرة لم تخرج عن حالة المكابرة والادعاء باحتكار الرخصة الاسمية والرسمية لاسم الحزب، وكيل الشتائم لمن يخالفهم الرأي، فإن الرفاق في قيادة «النور» لم يتجاهلوا المبادرة، وبادروا مشكورين إلى إرسال رسالة رسمية مقتضبة باسم المكتب السياسي بتاريخ 4/2/2008 موجهة إلى قيادة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، يطلبون فيها، وبناء على شعار مؤتمرهم العاشر فتح باب الحوار المباشر في إطار الاقتراحين التاليين:

1 - تشكيل لجنة لتنظيم الحوار حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نتفق عليها معاً والتنسيق بشأنها.
2 - الاتفاق على تنظيم التعاون العملي في ميادين ملموسة والقيام بأعمال مشتركة.
تلقت رئاسة مجلس اللجنة الوطنية بارتياح بالغ استجابة الرفاق الأولية، وناقشت بعمق رسالة المكتب السياسي، وبعثت برسالة جوابية مطولة جرى التذكير فيها بكل ما قامت به اللجنة الوطنية من مبادرات وسلوك عملي على طريق وحدة الشيوعيين السوريين منذ توقيع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين في 15/3/2002 وصولاً للاجتماع الوطني السابع في 11/1/2008. ومما جاء في رسالة الرد ما يلي:
«إننا جاهزون لفتح باب الحوار المباشر وتحديد أهدافه وسقفه الزمني، وموافقون على تشكيل لجنة لتنظيم عملية الحوار، ونرغب بأن تصل نتائج الحوار ليس فقط إلى الاتفاق «حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية» كما جاء في اقتراحكم، بل أيضاً الاتفاق على جميع الأسس المبدئية التي تجعل عملية الوحدة أمراً واقعاً لا عودة منه».
وجاء في الرسالة أيضاً: «مثلما كانت وحدة الشيوعيين السوريين ضرورية دائماً، فهي اليوم ضرورية ومستعجلة أيضاً، لأنها في ظل تطور الأوضاع الدولية والإقليمية المتفجرة، والأخطار التي تحيق بسورية، أصبحت أمراً ملحاً لا يقبل التأجيل، وهي عامل أساسي مكون للوحدة الوطنية وتعزيزها في مواجهة المخططات الامبريالية والصهيونية».

أيها الرفاق:
عقدت لجنة الحوار المركزي المكونة من عشرة رفاق، خمسة عن كل طرف، اجتماعها الأول بتاريخ 24/3/2008. وفي اجتماعها الثاني والثالث تمكنت من إقرار ورقة العمل المشتركة، وأصدرنا بلاغاً مشتركاً في 13/4/2008، وبعد ذلك التاريخ تباطأت وتيرة الاجتماعات والحوار في المركز، وبدل الاجتماع كل أسبوعين حسب ورقة العمل المشتركة، أصبحت المدة الفاصلة بين اجتماعين تزيد على الشهرين، الأمر الذي اضطرت فيه رئاسة اللجنة الوطنية إلى إصدار بلاغ بتاريخ 24/5/2008 جرى التأكيد فيه على وفدنا في لجنة الحوار بضرورة الطلب من الرفاق الآخرين عدم التباطؤ في الحوار، وضرورة إيصاله إلى أهدافه المرجوة، ومع كل ذلك بقيت وتيرة الحوار على بطئها غير المبرر.
وفي الاجتماع الرابع للجنة الحوار المركزية مطلع حزيران 2008، تم الاتفاق على تشكيل خمس لجان فرعية للحوار حول المواضيع التالية:

1 - تحديد سمة المرحلة.
2 - سبل الخروج من الأزمة.
3 - عوامل نهوض الحركة الثورية العالمية.
4 - الماركسية اللينينية اليوم.
5 - رؤية تنظيمية معاصرة لحزب شيوعي سوري.
وها قد مضى عام وثلاثة أشهر على بدء الحوار، وها هي النتائج بالوقائع والأرقام:

الاجتماعات:
ـ ستة اجتماعات للجنة الحوار المركزية.
ـ عشرون اجتماعاً للجان الفرعية (بمعدل أربعة اجتماعات لكل لجنة).

النتائج:
 أ - توصلنا إلى توافقات مشتركة في ثلاث لجان، وتمت صياغة هذه التوافقات في أوراق موقعة من الطرفين وبمساعدة مباشرة من لجنة الحوار المركزية، وهذه اللجان هي:
1 - سبل الخروج من الأزمة.
2 - الماركسية اللينينية اليوم.
3 - عوامل نهوض الحركة الثورية.

ب - لم نتوصل إلى اتفاق نهائي في لجنتي التنظيم وتحديد سمة المرحلة، لكن تم الاتفاق في لجنة الحوار المركزية على متابعة الحوار بشأنهما ليس في اللجان الفرعية، بل من لجنة الحوار المركزية نفسها لاحقاً.
ج - بسبب التباطؤ في الحوار الذي لم ينجز للآن، لم تطرح للنقاش مبادرتنا المقرة في الاجتماع الوطني السابع بالشكل الذي قدمت فيه، ومع أن رفاقنا في فصيل النور لم يكونوا راغبين بنقاش بنود المبادرة قبل إنجاز أوراق العمل، أدرجت المبادرة في ورقة العمل المشتركة للنقاش لاحقاً.
د - التزاماً منا بعدم إخفاء أية حقائق عن الرفاق، هذا هو ملف الحوار بين أيديكم ويتضمن المتفق والمختلف عليه:

1 - ورقة العمل المشتركة.
2 - أوراق العمل الخمس المقدمة من كل طرف.
3 - وأوراق التفاهمات الثلاث التي توصلنا إليها.
 
ملاحظات عامة:
ـ لم يجر التقيد بورقة العمل المشتركة لجهة الاجتماعات أو لجهة نقل معلومات غير دقيقة عن إنجاز الحوار ووقف التنسيق في المحافظات.
ـ كنا قد أكدنا في البلاغين الصادرين عن اللجنة الوطنية ضرورة تسريع الخطى في الحوار ووضع سقف زمني لإنجازه.
ـ لم يكن التنسيق المركزي على المستوى المطلوب.

ـ مثلما نشعر بأن ما أنجز من الحوار حتى الآن غير كاف ودون المستوى المطلوب، كذلك لا ننكر بأن ما تحقق للآن ليس قليلاً بالقياس لما كان سابقاً، ومن هنا نحن متمسكون بغذ السير على طريق وحدة الشيوعيين السوريين على الأسس ذاتها التي انطلقنا منها، وهي:
- الوحدة ضرورة، والإمكانية اليوم متوفرة لتحقيق هذا الهدف أكثر من أي وقت مضى.
- الوحدة يجب أن تتم «من تحت لفوق».
- الحوار يجب أن يتم على كل المستويات دون تمييز.
- الوحدة ستتم عبر البوابة الرئيسية ألا وهي عودة الحزب للجماهير.
- الوحدة تعني إعادة بناء الحركة واستعادة دورها الوظيفي، وليس تلصيق الفصائل الموجودة لصقاً.
- يمكن التغلب على الإعاقات في طريق الوحدة عبر العمل الجماهيري والسياسي، واستمرار تقديم المبادرات وتطوير النشاط، وعند ذاك ستضطر هذه القيادات إلى التعاطي مع الحالة، وإلا ستكون مهددة بالانعزال والتقوقع النهائي.
قضية الوحدة قضية نبيلة وتحتاج إلى صبر وعمل دؤوب وتضحيات، وليس ذلك مستحيلاً على الشيوعيين الحقيقيين، لذلك سنتابع السير على طريق الوحدة مهما كانت الصعوبات .

معلومات إضافية

العدد رقم:
406