برسم مدير تربية طرطوس الدورات التعليمية الصيفية.. هل هي خارج القانون؟

انتشرت ظاهرة الساعات الخصوصية في مجتمعنا بشدة، حتى أصبحت هوساً اجتماعياً لدى ذوي الطلاب, واستنزافاً مادياً ونفسياً لمقدراتهم وإمكانياتهم.

أمام هذا الوضع المتردي للتدريس في المدارس العامة، ورغبة الأهل في حصول أولادهم على مستويات عالية من الدرجات كي يقبلوا في الجامعات العامة, وعدم الاكتواء بلظى التعليم الخاص الجامعي أو الموازي, يسخرون كل إمكانياتهم للبحث عن أفضل الأساتذة الذين لديهم سمعة عالية وأجر مرتفع كي يضمنوا مستقبل أولادهم من خلال ساعات خصوصية كانت من حقهم في مدارسهم, والأساتذة يقبضون أجراً عليها من الدولة, وأصبحوا كمن يبحث عن أكبر دعاية لطبيب لمعالجة أكثر الأمراض المستعصية. لكن الغالبية العظمى من المواطنين لا تملك إمكانية تأمين مستلزمات الساعات الخصوصية لأولادهم، وخاصة في الشهادتين الإعدادية والثانوية، وأصبح ذوو الطلاب يحضّرون أولادهم لخوض الامتحان طوال فترة الصيف الذي يسبق الشهادة، وأثناء الدراسة، وفترة التحضير للامتحان، وأثناء الامتحان.
هؤلاء المواطنون يجدون في الدورات التي تقيمها الشبيبة في الصيف متنفساً وراحة ضمير لأنهم لم يهملوا أولادهم، وخاصة أن هذه الدورات تغطي معظم مناطق المحافظات السورية للمواد الأساسية في المنهاج بكلفة 600 ل.س للمادة الواحدة لمدة شهرين، ويومياً من ساعة إلى ساعة ونصف لكل مادة، وبالتالي تريح ذوي الطلاب من الفروق في التكلفة بين هذه الدورة والدورات الخاصة التي تصل إلى 2000 - 3000  ل.س في دورات الشبيبة, ونحو 50000 ل.س للدورات الخاصة, وهذا ما يشعرهم بأن أولادهم يتهيؤون خلال الصيف نفسياً ومعرفياً للمنهاج ضمن أسلوب القاعة الكاملة, أي أسلوب المدرسة نفسه، لكن بشكل مكثف.

غياب كامل للمسؤولية..
كان من المفترض دراسة هذه التجربة خلال السنوات السابقة، وإعطاؤها بعدها الاجتماعي والإنساني أكثر في هذه الظروف السيئة المرافقة لارتدادات الأزمة الاقتصادية على المواطنين, وأن تشعر الجهات المعنية في التربية بأن دورها مساعد ومسهل لهذه الدورات, لا معرقل لها!! وسواء قامت التربية عن حسن أو سوء نية بالامتناع عن تسهيل أو تطوير هذا الدورات الصيفية، فسيكون لها النهاية نفسها: الفشل أو الشلل. حيث كل ما هو مطلوب من مدير التربية قرار بإعفاء المدرسين الاختصاصيين الذين لديهم رغبة في التدريس ضمن هذه الدورات من مهام التصحيح في الامتحانات. وذكر لي أحد المشرفين على الدورات, بأن محافظة طرطوس بكاملها لا تحتاج إلى أكثر من ثلاثين مدرساً مختصاً كي تقام الدورات الصيفية بشكل نظامي وناجح, وخاصة بأن هناك رغبة قوية للقيام بذلك لدى مدرسين مازالوا يؤمنون بالعملية التربوية، وهم مستعدون لتقديم دور في هذا المجال, رغم أن أجرة الساعة والنصف للمدرس المختص (الرياضيات مثلاً) 300 ل. س، ومن المعروف أنه يأخذ أضعافاً مضاعفة لهذا الأجر في بيته, ومع ذلك يأتي ويعطي ما عنده.

المفارقة المحزنة..
الكثير من الأساتذة المحظوظين أصحاب الأسعار العالية لدروسهم الخصوصية، يجدون مخرجاً ولا يذهبون لتصحيح أوراق الامتحانات، وهناك بعض المدرسين يهربون من المراكز أو يتدبرون أمرهم من أجل إعطاء ساعة هنا أو ساعة هناك، في هذه الدورة أو تلك, وسابقاً كان يفرغ لهذه الدورات الصيفية مدرسون عن طريق إعفائهم من التصحيح. والمفارقة الكبيرة بأن معاون مدير التربية لشؤون الثانوي, هو مسمى حصراً عضو قيادة فرع الشبيبة، وعلى رأي أحد المشرفين, فإن الشبيبة راسلت التربية عن طريق التسلسل لتسهل لها هذا الطلب، لكنها لم ترد لا سلباً ولا إيجاباً. فالسؤال: ما دور هذا المعاون لشؤون الثانوي؟ ولماذا أبطل مدير التربية هذا العرف في محافظة طرطوس ما أدى لانعكاس النتائج سلباً على الطلاب؟
فنتيجة للغياب المتقطع لبعض المدرسين، يتناقص عدد الطلاب يوماً بعد يوم، مما يكاد يفرغ هذه الدورات من محتواها ومهمتها. وبدل أن تكون هذه التجربة نافذة متميزة ومضيئة في العملية التربوية، هناك من يحاربها ولا يريد لها النجاح, والمفارقة المخيفة والتي أصبحت ظاهرة عامة, أن المسؤول في بلادنا أصبح يخاف أن يأخذ قراراً جريئاً (صح) على عاتقه ويعود بفائدة كبيرة على اكبر شريحة اجتماعية في البلد, وبالوقت نفسه يترك الأمور لمجراها الطبيعي حيث الكل يتدبر أمره على طريقته الخاصة، ما يعود بالضرر على الشريحة الأكبر في المجتمع..
 فلماذا نشرعن للفوضى ولا نخاف، وبالوقت نفسه لا نتجرأ على اتخاذ قرار جريء ينظم حياتنا ومستقبل أولادنا وسمعة وتطور بلادنا؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
413