محمد سلوم محمد سلوم

المغتربون السوريون في فنزويلا.. بين إهمال السفارة ومصاعب التحويل

منذ أكثر من مائة سنة، هاجر قسم لا يستهان به من السوريين إلى دول أمريكا اللاتينية هرباً من بطش السلطنة العثمانية وسعياً لتحسين ظروفهم الاجتماعية – الاقتصادية السيئة التي كرستها السياسات الإقطاعية المتخلفة، وقد انطلقت الهجرات بغالبيتها من ثلاث مناطق في سورية هي: جبل العرب، القلمون، الجبال الساحلية.. واستقر معظم المهاجرين في ثلاث دول متجاورة هي: فنزويلا، الأرجنتين، البرازيل..

بعض المهاجرين استوطن في المهاجر ولم يعد مطلقاً، ولم يعرف أقاربه عنه شيئاً بسبب عدم وجود اتصالات لعقود طويلة، وغالبية هؤلاء تزوجوا من أجنبيات وكونوا عائلات منقطعة الجذور، ومنهم من استمرت صلته بوطنه الأم مصطحباً معه أولاده في كل زيارة، وظلوا على هذه السيرة حتى الآن.
بالنسبة لوضع المهاجرين في فنزويلا، قسم من المهاجرين بقي هناك وعلم أولاده في مدارسها وجامعاتها، فتخرجوا وعملوا واندمجوا في النسيج الاجتماعي للشعب الفنزويلي. ولكن يمكن التأكيد أن نسبة كبيرة من المغتربين عادوا في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي مع أولادهم لعدم رغبتهم في اندماج أولادهم بالمجتمع الفنزويلي للبون الهائل في الثقافة الاجتماعية، ولأنهم يقولون: إن الأشياء هناك مختلفة، ولا نريد أن نضيّع أولادنا في الرذيلة، فتشتتت العائلة.. الأب في المهجر والأولاد في سورية، مما جعل حياتهم يحكمها الذهاب والإياب ما بين سورية وفنزويلا..
وبفضل القيادة الحالية لفنزويلا دخل ذوو الأصول السورية في معترك الحياة السياسية، واستلموا مناصب متعددة: (وزير الداخلية، وزير الزراعة، محافظين، الكثير من البرلمانيين، سفراء، ومستشارين برتبة وزير)، وأنشأت صحف وأعطت فترات بث في التلفزيون الرسمي الفنزويلي للتعريف بسورية. وأنشأت جمعيات عربية فنزويلية مثل (فيا أرب أمريكان) تعقد مؤتمراتها في سورية. وجمعية (البيت السوري البوليفاري).. وأصبح العربي، وحصراً السوري واللبناني، له ثقل ورأي في الحياة السياسية الفنزويلية، وخاصة بعد أن أصبحت السياسة العامة للبلاد بفضل رئيسها والقوى السياسية التقدمية تجاهر في نصرتها للقضايا العربية.. وفي إحدى خطبه قال الرئيس تشافيز: فلان أصله عربي، وفلان …( وكان يشير بيده إليهم وهم جالسون).. ونصف الشعب الفنزويلي تجري في عروقهم دماء عربية، وأنا واحد منهم.
رغم كل ما جرى من تحسن عام، بقي قسم كبير من الجالية السورية بعيداًً عن التنظيم أو الدخول في معترك الحياة الاجتماعية للبلد والحراك السياسي الجاري، لأن التحسن الذي جرى في حقوقها السياسية لم يأت نتيجة لنضالها، بل بقرار حكومي، لذلك بقت بعيدة عن ذلك الحراك لأسباب تتعلق ببنيتها من جهة وبضعف العلاقة بممثليها العرب من جهة أخرى، والنقطة الأهم ضعف دور السفارة والعاملين فيها، واختصار تفاعلهم على النخب في الجالية السورية، وعلاقة النخب في الجالية ضعيفة إن لم تكن معدومة.
وفي لقاء مع أحد البرلمانيين من أصل سوري، سألته عن برنامجه ودوره في تنظيم الجالية ومشاركتها في التطور الحاصل والاندماج في النسيج الاجتماعي الفنزويلي، فأجاب: إذا أراد الإنسان أن يبقى متخلفاً، ماذا نفعل له؟
 
مشكلتان يجب أن تحلا

رغم التسهيلات التي منحت للجالية في عملية الحراك الاجتماعي والسياسي بقيت هناك مشكلتان: الأولى برسم السفارة السورية، والثانية برسم الحكومة الفنزويلية، وعامل الارتباط بينهما برسم الجمعيات المذكورة أعلاه وممثلي الجالية والشخصيات السياسية الفاعلة.
المشكلة الأولى تتعلق بالطبيعة الجغرافية لفنزويلا وانتشار الجالية السورية في أماكن متباعدة جداً في البلاد، وعدم وجود أي مكتب أو تمثيل للسفارة السورية إلا في مقرها في (كاركاس) العاصمة، وبالتالي يضطر المغترب السوري لإمضاء أية ورقة أن يسافر عدة أيام أحياناً كي ينهي عمله في السفارة، مع ما يعني ذلك من تعطيل لعمله والتكاليف الباهظة التي يدفعها.. مثلاً هناك عدد كبير من الجالية السورية تنتشر في أرياف محافظة (بوليفار)، وأكثريتهم منتشرون في مدينة (سان فيليكس) وضواحيها، ومسافة السفر من مركز المدينة إلى كاركاس تقدر بـ 12 ساعة، ونتيجة عدم وجود مكاتب للسفارة في هذه المناطق خلافاً لسفارات البلدان الأخرى، تجد المغترب السوري من أكثر المغتربين الممتلكين أوراق غير نظامية، والكثيرون منهم ينتهي جواز سفره، ويأتي بورقة من السفارة عن طريق (معقب معاملات) سوري. والكثير منهم يتعرض هنا في سورية للتوقيف والمساءلة بدعوى أن أوراقه غير نظامية، وأحياناً بسبب ضياع جواز سفره.

المشكلة الثانية: منذ سنتين تقريباً اتخذت الحكومة الفنزويلية – ولأسباب اقتصادية تخصها – قراراً بإمكانية تحويل المغتربين المقيمين أصولاً إلى بلادهم مبلغاً لكل شخص من العائلة 300 $، على ألا يتجاوز 6 أشخاص، وطبعاً مرفقة بالأوراق الثبوتية من سند إقامة وهوية وبيان عائلي مترجم ومصدق من الخارجية والداخلية أصولاً ويجدد كل ستة أشهر، وكل مغترب يريد السفر إلى بلاده يستطيع أن يشتري بطاقة ائتمان بقيمة 5000 $ على أن يشتري هذه الدولارات من الدولة بالسعر النظامي: 2150 بوليفار للدولار الواحد، مع العلم أن السعر في السوق السوداء من 6500 الى 7000 بوليفار للدولار الواحد، وهذه تسهيلات للمغتربين لعملية التواصل بينهم وبين أهلهم في وطنهم والمسؤولية الاقتصادية الملقاة على عاتقهم .
منذ 162009 تم إلغاء الأخ والأخت من قائمة التحويل، وأصبح التحويل إلى الأب والأم والجد والجدة والأولاد فوق سن الرشد (18) سنة، والقيمة المسموح بها لا تفوق 900 $ شهرياً، والأوراق تسدد كل 6 أشهر. وبعملية حسابية لكلفة الأوراق وترجمتها وتصديقها وتكلفة إرسالها إلى فنزويلا، تكلف لا يقل عن 300 $، عدا نسبة العمولة التي يأخذها البنك في فنزويلا والإكرامية التي يأخذها البنك في سورية، وكل هذا أجور السفر لأفراد العائلة لأن البنك المرسل له موجود فروع له في صافيتا أو اللاذقية حصراً.
 أضف إلى ذلك إن عملية انتهاء الأوراق وإرسالها إلى فنزويلا كي تصبح نافذة المفعول تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر، وبالتالي كثير من المغتربين لا يستخدمون هذه الأوراق مرة واحدة أو مرتين، وبالتالي يكون قد خسر المغترب من قيمة تحويلاته 35 % رغم أنها لا تحل له مشكلة في وطنه.
أما بطاقة الائتمان، فلأنها غير متداولة في سورية عند صرفها يتم المساومة على خصم من 7 - 10 % من قيمتها، على عكس الأسواق الأخرى ومنها اللبنانية التي تصرف كاملة دون خصم.
يتساءل المغتربون، ومعظمهم سافروا لضيق الحال بهم في سورية بطموح تحصيل حياة أفضل: أين نتائج العلاقة المميزة التي تربط سورية بفنزويلا؟ وأين دور السفارة والسوريين الذين يعتلون المناصب والجمعيات التي وأنشئت حديثاً؟ ومتى تترجم أعمالها على أرض الواقع؟
يضيف أحدهم: لقد ساءت حالتنا في هذه السنوات الأخيرة، وأصبحنا نخاف على مستقبلنا الاقتصادي.. وضعنا الآن سيّئ وضاقت الأحوال بنا، ومن منا مرتبط بمشروع بوطنه لا يستطيع إكماله، وبالرغم من ذلك نحن ما نزال متفائلين جداً..

معلومات إضافية

العدد رقم:
414