وسيم الدهان وسيم الدهان

الجرح السوري.. و«الشيطان الأخرس»!

هي مسألة فكرية؛ حين يناقش الناس فيما بينهم أحقية الحكومة في اتخاذ قرارات اقتصادية تمس الجانب الاجتماعي (وطبعاً ليس هناك قرار اقتصادي لا يمس الجانب الاجتماعي)، وهي مسألة مصيرية؛ حين يتوصل الناس عبر النقاش إلى أن إجراءات الحكومة كلها تقريباً تمس سلباً الجانب الاجتماعي، وهي مسألة لابد من حلها؛ حين تحاول الحكومة ألاّ تشرك أحداً في صناعة قراراتها رغم ارتفاع أصوات الناس اعتراضاً على ما مسّهم من سوء نتيجة غياب المحاسبة ونتيجة تجاهل الحكومة لمصالح الأكثرية الفقيرة مقابل سعيها الدؤوب لتحقيق مصالح الأقلية الغنية..

إن تفرد مجموعة من الوزراء المعينين (بمعنى غير المنتخبين) يرأسهم شخص معين يساعده نائب معين، بصناعة قرارات ذات أبعاد استراتيجية هو أمر موجود في الواقع، ولكن هل يجب على المتضررين (وهم الأكثرية) الاستسلام لواقعية تفرد بعض (المعينين) باتخاذ القرار؟! بالطبع لا.. ولذلك كان مجلس الشعب! فهل يؤدي مجلس الشعب وظيفته في التعبير عن إرادة من يمثلهم؟!..
لو افترضنا جدلاً أن مجلس الشعب- باعتباره مجلساً منتخباً من الناس- كان منتخباً بشكل حقيقي لا تدخل فيه الاعتبارات المادية التي تستغل فقر أكثرية «الشعب» لكسب أصواتها، واعتبارات سياسية فرضها التحالف الجبهوي القائم، ألا يجدر بنا حينها المطالبة بأن يقوم المنتخبون بمحاسبة المعينين على أخطائهم؟!.. من المفترض أن هذا ممكن، ولكن المشكلة تكمن في آليات المطالبة وإيصال أصوات الناس إلى مجلس الشعب بالدرجة الأولى، إذ لم تسجل خلال العقود الماضية أية حالة استلم فيها مجلس الشعب عريضةً ممهورة بتواقيع الملايين يشتكون فيها مما آلت إليه أوضاعهم، سواء المعيشية أو غيرها، وبهذا يمكن القول إن آليات الشكوى وإيصال أصوات الناس إلى مجلس الشعب هي إما آليات غير فعالة وإما غير موجودة، أو معدومة ثقة الناس بجدواها!. وبما أن الفرضية السابقة مستبعدة من أساسها كون انتخاب أعضاء مجلس الشعب وانتقائهم أمرين مشوبين بكثير من إشارات الاستفهام، وبما أن لدى الكثيرين شكوكاً مفادها أن أعضاء مجلس الشعب (معينون) بمعظمهم، فماذا تكون الفرضية/المشكلة وكيف يمكن حلها؟!
إن المجتمع السوري اليوم محاصر من كل الجوانب؛ الحكومة بقراراتها الليبرالية من جهة؛ وجهاز تشريعي ورقابي عاطل عن أداء مهامه ومحاسبة المسيئين من جهة أخرى؛ وأوضاع معيشية متسارعة التدهور من جهة ثالثة؛ وأخيراً شكٌّ عظيم بأن القضية باتت محسومة ولا مجال لمعالجتها..
المطلوب اليوم بعد أن تبين بوضوح توجه الحكومة الليبرالي الذي يضر بمصالح الوطن والمواطن على حد سواء، هو إعادة النظر باحتكار هذه الحكومة في اتخاذ القرار على المستوى الاقتصادي من جهة، وتفعيل دور الجهات الرقابية الشعبية من جهة أخرى، خاصةً وأن الساكت عن الحق في العرف السوري ما هو إلاّ «شيطان أخرس».. حتى وإن نطق بآلاف الكلمات محاولاً تطييب الجرح الذي لن يلتئم سوى بانتزاع الأسباب التي أدت إليه!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
414