عروب المصري عروب المصري

دعوة إلى حوار بيئي.. السيناريوهات الخمسة.. لمشكلات البيئة

كتب الدكتور عصام الحناوي دراسةَ هامةَ بعنوان «قضايا البيئة والتنمية في مصر- الأوضاع الراهنة وسيناريوهات مستقبلية حتى عام 2020» وذلك في إطار مشروع «مصر 2020» الذي يتولاه منتدى العالم الثالث، وذلك ضمن البحث عن حلول للمشكلات البيئية الكبيرة التي تعاني منها..

هوائياً
 ارتفاع أحمال ملوثات الهواء بدرجة كبيرة في خلال ربع القرن الماضي نتيجة ازدياد استخدام الوقود والتوسع في الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة كالإسمنت، كما ساهمت عوامل أخرى في زيادة تلوث الهواء كقدم المصانع واهتلاك معداتها وعدم وجود المعدات اللازمة للحد من تلوث الهواء وازدياد عدد المركبات، وضعف تشريعات حماية الهواء من التلوث وآليات تنفيذها،

نهرياً
كما يستقبل نهر النيل بطريقة مباشرة وغير مباشرة نحو 6000 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي التي تحوي كميات مختلفة من بقايا الأسمدة والمبيدات،ومخلفات الصرف الصحي غير المعالجة والمخلفات الصناعية السائلة التي يختلف تركيبها وكمياتها من صناعة إلى أخرى، ويبدو أن التلوث الرئيسي في النهر هو تلوث ميكروبيولوجي أي بالبكتيريا والفيروسات المختلفة،نتيجة الصرف الصحي، وأوضحت التحاليل ارتفاع تركيزات الملوثات الكيميائية في النهر قرب نقاط صرف المخلفات السائلة، وقد أدى ذلك إلى تلوث البحيرات المرتبطة بالنهر وتغير بيئتها مما جعل أعداد الطيور تتقلص وخفض إنتاجيتها السمكية، وزاد تلوث الأنواع المسوقة مما حد من تسويقها.

الساحل
وتتدهور البيئة الساحلية نتيجة التلوث الناجم عن عمليتي النقل البحري واستكشاف البترول والغاز الطبيعي في المناطق الساحلية وصرف المخلفات السائلة غير المعالجة، وأعمال الهدم والردم الناجمة عن تشييد القرى السياحية، وإعداد الشواطئ الممهدة.
كما تتعرض الأراضي الزراعية لزيادة ملوحة التربة وزحف الرمال والتلوث الكيميائي والبيولوجي، مما يؤدي إلى  انخفاض إنتاجيتها.
عشوائية
ويظهر تباين واضح في نوعية الحياة بين المناطق الحضرية والريفية وفي داخل كل منها، وأهم معالم هذا التباين هي المناطق الهامشية والعشوائية التي تتميز بالكثافة السكانية العالية في منازل دون المستوى اللائق إنسانياً، والنقص في مياه الشرب والصرف الصحي والطرق المعبدة، والنقص في عمليات جمع القمامة، والخدمات العامة وخاصة الطبية منها والتعليمية الأساسية وانتشار البطالة والأمية.
مدينةً
أما المناطق الحضرية فتعاني من مشكلات بيئية متشعبة مثل تلوث الهواء والضوضاء واختناق المرور والنقص في إمدادات المياه والصرف الصحي وخاصة في المناطق العشوائية، وسوء التخطيط العمراني، وسوء إدارة المخلفات الصلبة (القمامة(.

ريفاً
أما المناطق الريفية فالأوضاع البيئية أكثر تدهوراً مع تدني التنمية البشرية ونوعية الحياة، حيث النقص في الخدمات الأساسية مثل إمدادات مياه الشرب والصرف الصحي، كما تحولت القرية إلى قرية مستهلكة بعد سيادة عقدة محاكاة أهل الحضر، فكان إهمال الأراضي الزراعية وتدهور إنتاجيتها، وتحول الفلاحين عن المحاصيل التقليدية إلى المحاصيل الاستهلاكية ، وظهرت مشكلات تلوث الهواء والمخلفات الصلبة المنزلية التي يتم التخلص منها بإحراقها أو إلقائها في مصارف المياه.

السيناريوهات
وتم توصيف مستقبل هذه الحالة طبقاً لخمسة سيناريوهات وهي:

1- السيناريو المرجعي (Business-as-usual)
وهو امتداد للخطوط العامة للوضع القائم دون تغييرات كبيرة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ومن أهم معالمه: زيادة معدلات الخصخصة، والاعتماد بشكل متزايد على القطاع الخاص وآليات السوق لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي، وتركيز الدولة على تنمية البنية التحتية والخدمات الاجتماعية بقدر محدود من الاستثمارات، واستمرار تركز استثمارات القطاع الخاص في المباني الاستثمارية (القرى السياحية والسكنية( والخدمات التي تتطلبها الشرائح ذات الدخل المرنفع، وفي تصنيع المنتجات الاستهلاكية للسوق المحلية، والاعتماد المتزايد على نقل التكنولوجيا، واتجاه المجتمع نحو مزيد من الاستهلاك، وما يترتب على ذلك من زيادة معدلات استخدام الموارد الطبيعية المحدودة وتوليد النفايات.

2- سيناريو الدولة الإسلامية:
منطلقه شعار «الإسلام هو الحل». من أهم معالمه رفض الحضارة والأساليب الغربية، عدم الاندماج في العولمة، عدم تبني سياسة الحد من النمو السكاني، الدعوة إلى مراعاة العدالة الاجتماعية من خلال إعطاء أولوية خاصة لإشباع الحاجات الأساسية، بذل جهد كبير في استخلاص الدروس من التراث ومن الممارسات الإسلامية لتوجيه البحث العلمي والتطوير إلى مجالات مشجعة على الاقتصاد في استخدام الموارد الطبيعية والعناية بالبيئة وحفظ حق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية،  عدم إتاحة مجال واسع للمشاركة الشعبية، وظهور عدد من المشروعات الصغيرة التي قد تشكل نواة قطاع أعمال بيئي ناجح.

3- سيناريو الرأسمالية الجديدة:
وأهم معالمه: ضرورة السير في تيار العولمة، وإحداث طفرة كبيرة في قطاع البحث العلمي والتكنولوجيا ونقل واستيعاب وتطويع التكنولوجيا الوافدة، وتبني برنامج لخفض معدل النمو السكاني. تتولى الدولة في هذا السيناريو مشروعات البنية الأساسية وتلك ذات الطابع الاستراتيجي وغيرها مما يعتقد أن القطاع الخاص غير قادر على إقامته، أو مما ترى أن اعتبارات الأمن القومي تحبذ وجوده في يد الدولة. ولا تلقى قضية الفقر وعدالة التوزيع اهتماماً يذكر في هذا السيناريو، ولا يتوقع أن يقدم الكثير في مجال تأصيل مفهوم التنمية المستدامة. وسوف تنشط المحليات ويزداد دورها في إدارة وحماية البيئة، ويتوقع أن يتبلور قطاع أعمال بيئي كمجال جيد للاستثمار وكأساس للمساعدة في إيجاد مزايا تنافسية لبعض المنتجات المصرية. وقد يتضمن هذا السيناريو منهجاً مختلفاً في تعريف بعض الموارد وتحديد اقتصادياتها،  ولا يستبعد اللجوء إلى تسعير بعضها، مثل المياه، لترشيد استهلاكها.

4- سيناريو الاشتراكية الجديدة:
ويعتمد على التغيرات التي حصلت في مفهوم الاشتراكية، ويرى أن إعادة توزيع الثروة والدخل وتذويب الفوارق بين الطبقات ضروريان لتعظيم الفائض الاقتصادي المطلوب للتنمية من جهة، ولتحقيق العدل الاجتماعي اللازم لحشد طاقات الجماهير من أجل التنمية من جهة أخرى. ومن أهم معالم هذا السيناريو: أن الدولة يقع عليها العبء الأكبر في رعاية وتنظيم وتمويل النهضة العلمية والتكنولوجية ووضع الضوابط على نقل التكنولوجيا، وتركيز السياسات السكانية على إعادة توزيع السكان جغرافياً، ورفض الانصياع للعولمة، ومن ثم رفض الانفتاح غير المتكافئ على الأسواق الخارجية، ورفض تحرير الاقتصاد وإطلاق قوى السوق، للقضاء على الفقر، والحرص على تعظيم الموارد المتاحة للتنمية وتوجيه جهود كبيرة لتفادي هدر وضياع الموارد الطبيعية، وتشجيع المشروعات الصغيرة على الدخول في مجال البيئة وتكوين قطاع أعمال بيئي يساند جهود الدولة في الحفاظ على البيئة. وقد يترتب على الأولوية المعطاة لإشباع الحاجات الأساسية والقضاء على الفقر وتعميق التصنيع، التغاضي عن بعض الهموم البيئية بعض الوقت.

5- السيناريو الشعبي ( التآزر الاجتماعي):
ويدور بحث السواد الأعظم من الناس عن حل وسط، على مستوى الأهداف والوسائل. أهم معالمه: دمج البعدين الاقتصادي والاجتماعي، والاعتماد على التمثيل الشعبي والمشاركة الشعبية الواسعة لكل الطبقات والفئات والقطاعات في الأجهزة التشريعية والتنفيذية وأجهزة الحكم المحلي، وإبداء اهتمام أكبر بترشيد عمليات نقل التكنولوجيا، وبخاصة مراعاة اعتبارات زيادة فرص العمل وتخفيض استهلاك الطاقة، والحد من معدل النمو السكاني، والتحفظ على الانفتاح الاقتصادي وحرية السوق، ومن ثم إبطاء حركة الاقتصاد المصري نحو تحرير وفتح الأسواق والارتباطات بالشركات متعددة الجنسيات، والتركيز على أكبر قدر ممكن من الاعتماد على الذات، ووضع سياسات وبرامج للحد من الاستهلاك تنطوي على الاعتدال، لا على التقشف، الحد  من قيام صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، الاهتمام بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وإشباع الحاجات الأساسية ومكافحة الفقر، واحتمال أن يؤدي مجال الحركة المتاح للمحليات والجماعات الأهلية إلى اتجاه الحفاظ على البيئة وتشجيع جهود تدوير بعض المواد. ولكن في الوقت نفسه، قد يتم التغاضي عن بعض الهموم البيئية أو زيادة بعضها أثناء السعي لإشباع الحاجات الأساسية وتسريع وتيرة التصنيع.

حال وحلول
من الواضح أن الهدف الرئيسي من هذا العرض، ليس عرض المشكلات البيئية في مصر فحسب، لأنه عند النظر بتمعن لهذا العرض الذي فصل سيناريوهاته الدكتور عصام الحناوي،  نجد أن المشكلات البيئية التي تعاني منها مصر لا تختلف كثيراً عن تلك التي تعاني منها أية دولة من دول العالم الثالث، من حيث الخطوط العريضة، وهي تقترب بشكل كبير جداً من مشكلاتنا فلا يمكننا حذف شيء تقريباً من الوصف السابق لتوصيف حالة التدهور البيئي الحاصلة هناك،عند رغبتنا في المقارنة، ولكن إذا كانت الحال واحدة فهل الحل واحد؟
 يمكننا النظر إلى السيناريوهات الخمسة  بعين ناقدة وبشدة، وربما إضافة بضعة سيناريوهات أخرى، أو اختراع سيناريو أو أكثر من بنات أفكارنا يمكن أن يكون أكثر توافقاً مع عقليتنا وطبيعتنا واحتياجاتنا وأولوياتنا.
ما هي أولوياتنا؟ سؤال مطروح للحوار.
كيف السبيل؟ سؤال آخر مطروح للحوار.
إذا كانت هذه السيناريوهات الخمس هي الطرق المطروحة في مصر لحل المشكلات البيئية هناك، فدعونا نرسم معاً سيناريوهاتنا من وجهة نظر تكون أكثر حداثة وواقعية وطموحاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
168