علامات كأوسمة المهزومين!!

استضعفك العثمانيون لقرون، واستنسخك الفرنسيون لعقود، واستفرد بك الاستقلاليون لسنوات طويلة.. وما زال الركوب في باخرة الوطن أمراً لا مفر منه.. ولكنك لا تعرف إلى أي الشواطئ يقودك الربابنة. 

وها أنت تدرك أن الصعود إلى الباخرة ليس نزهة تغسل روحك فيها، تلك الروح التي أعطبتها مسننات الوطن.. ومن منظارك الضيق تبحث عن شواطئ الأمان لترسو عندها، ولكنك لم ترسُ بعد.. 

كنت وحدك تبحث عن هذه الشواطئ، ولكن أولادك صاروا مثلك يحصدون الخيبة، كان حلمهم في التعلم أكبر بكثير من الخيمة التي يسكنونها، وخلال اثنتي عشرة سنة من الدراسة لم يشرح لهم أساتذتهم العلاقة بين الخيبة والخيمة. علموهم أن فعل الأمر (ساكن) وجوابه (ساكن).. ولكن أي سكون يلامس قلوبهم وقد تعلموا أيضاً العلاقات التفاضلية(!. وكان الأجدى أن يعلموهم من الصغر )العلامات التفاضلية!!. 

في كل عام ينجح الآلاف من طوابير المتقدمين للشهادة الثانوية.. ينجحون ولكن(الرعب) المعلب في أروقة وزارة التربية أكل شيئاً من مستقبلهم. وأي انتصار للوطن سيحمله إلينا جندي مرعوب؟.

إن حسابات الطلاب في الحقل لم تتطابق  مع حسابات البيدر، سنابل كثيرة وحصاد وفير من القمح والعلامات.. امتلأت صوامعنا بالحبوب وصارت العلامات كأوسمة المهزومين تباع على الأرصفة مهانة ومذلولة.

من ينقذ شرف العلم والتعليم؟ ومن يعيد السعادة إلى قلوب الأمهات والاطمئنان لجيوب الآباء؟.

أعترف بأني لست واحداً من أولئك الذين يستطيعون الكتابة على الجدران دفاعاً عن شرف العلم والتعليم. ليس الخوف ما يمنعني ولكن إحساساً يدفعني للقول بأن شروط الدخول إلى الجامعة صار بأمس الحاجة للدخول إلى غرفة العمليات والعناية المشددة.

ليس التعليم مباراة في كرة القدم، لا فرق إن خسرت القمصان الزرقاء أو ربحت الحمراء.. البعض يريدها كذلك.. تدفع ثمن بطاقتك فتمنحك كبرياء المتفرج الضائع بين صفير المتفرجين وتصفيق التائهين... ولكن الحياة علمتنا أن نكون وسط الملعب فنحن شركاء لا أجراء لصنع القرار الذي يضمن مستقبل أبنائنا. هم الآن في مهب الريح، والمستقبل ضبابيٌّ ويُدفعون إلى متاهات لا أمل منها.

تدنت قيمة العلامات، ولم يعد لها موطئ قدم في سوق البورصة الجامعية... وطلبتنا يتساءلون إن كانت هناك شراكة وتواطؤ بين من يضع شروط القبول إلى الجامعة وبين أصحاب الجامعات الخاصة!. والأخيرون من المالكين حددوا أسعارهم منذ الآن بمئتي ألف ليرة سورية سنوياً ثمن قسط الجامعة!. من منحهم الضوء الأخضر لهذه التسعيرة ؟ نحن نعرفهم...!! ولكن على الطلاب أن يرفعوا صوتهم ويعلنوا تسعيرتهم. 

نحن محاصَرون في الغابة، وأولادنا رهائن بين وزارتي التربية والتعليم العالي.

 

■  مفيد حداد