مطبات الزمن يمر.. (علينا)

منذ أكثر من ثلاثة أسابيع والحفريات التي شقتها وحدة المياه في حارتنا على حالها، وذلك لاستبدال الخط القديم للشبكة بخط جديد، المواطنون مازالوا ينتظرون بعد أن استنفذت حجة عطلة العيد، ووحدة المياه نسيت في زحمة أسبوع المعايدة إكمال مشروعها الصغير الذي لا يتعدى أن يكون إصلاحاً.

 

منذ أكثر من عامين والطريق الذي يخترق المدينة الصغيرة على وعد التعبيد، في المرة الأولى حفرته وحدة المياه لتمديد شبكة جديدة بعد أن اهترأت القديمة وتلوثت مياهها، وفي المرة الثانية مارست البلدية صنوف فنها في التشويه عندما قررت إيلاء البنية التحتية مزيداً من الاهتمام، وبدلت شبكة الصرف الصحي، والثالثة الثابتة هي مشروع تغذية شبكة الهاتف ومضاعفة الخطوط نتيجة تراكم الطلبات من سنة 1995 والحاجة لتخديم المواطنين، بعد المشروع الثالث وعدت البلدية بتعبيد الطريق.. منذ عامين ومازالت الطريق على حالها.

منذ أقل من خمس سنوات، أطلقت الحكومة خطتها الخمسية العاشرة، والتي وعدت فيها بنظام اقتصادي جديد للبلد يعود على المواطن والوطن بالنفع العام، وبالأرقام والمؤشرات استدل الفريق الاقتصادي على صحة نظريته في قيادة الوطن ورعاياه إلى السعادة، السعادة التي نحياها نحن جموع السوريين السعداء بالغلاء والسوق المفتوحة، السعداء بدخولنا التي لا تغني من جوع، بالوقود المحرر، وبرفع الدعم، السعداء باستغلالنا، بجشع تجارنا، وبشركاتنا الخاسرة، اقتصادنا المترنح، وبالنتائج المخيبة للآمال التي ننظرها على تخوم الخطة الحادية عشرة.

منذ أكثر من عشر سنوات صدر المرسوم رقم /8/ الذي قضى بتثبيت العاملين المؤقتين في الدولة والذين أتموا السنتين على رأس عملهم، ومن ذلك الوقت لم تنقطع الدولة عن تعيين العمالة، ومع ذلك في الخدمة الآن عاملون لهم أكثر من عشر سنوات، وما زالوا تحت سيف الطرد، التهديد بالطرد.. فقط لأنهم مؤقتون، الأكثر مرارة تبدو نية الحكومة الواضحة في عدم تثبيتهم، وزير المالية في أحد تعليقاته على الموضوع قال: في العالم لا يوجد عامل دائم أو مؤقت، وفي الوقت نفسه وزارة العمل تعد قانوناً جديداً للعمل يعزز من عقود الإذعان تحت تسمية (العقد شريعة المتعاقدين)، والتي يلهث خلف إنجازها القطاع الخاص الذي يسجن عامليه وراء أسوار المعامل التي لا يدخلها مفتشو التأمينات الاجتماعية.

 بعد أكثر من ربع قرن أنجزنا دار الأوبرا، وبناء المسرح القومي، والمعهد العالي للفنون المسرحية، ودار الباليه، لكن الآن لا يوجد لدينا مسرح وطني حقيقي، أعمالنا المسرحية لا تعدو أن تكون نصوصاً مقتبسة، النصوص المحلية ليست موجودة، بعد أكثر من ربع قرن مسرحنا الوطني مجرد ذكريات عن التدافع الذي عشناه أيام مهرجان المسرح.

منذ ما يقارب ثلاثة عقود انتصب مجمع (يلبغا) على جانب (المرجة) كصرح يصار لتحقيقه، يلبغا المجمع الديني والتجاري والاقتصادي لم تكتب له نهاية على الشكل الذي كان يحلم به من فكر بإقامته، العقود التي وقعتها وزارة الأوقاف مع الشركات الخليجية أخذت وقتاً كبيراً من انتظار يلبغا لقدره، وأخذت معه بعض القيمين في الوزارة.

منذ (ايكوشار) الذي خطط لنا (شامنا)، وحتى اللحظة، ضيعنا الطرق التي نسكن فوقها، من رمل برزة الذي يمتد من حي تشرين إلى ركن الدين، من الرمل الذي يهدد بابتلاع بعض بيوتنا المتراكمة فوق بعضها في عش الورور أو الشيخ خالد، إلى الدراسات التي أكدت الشرخ الكبير في جبل قاسيون والذي ينذر بكارثة بشرية ومادية إذا سمحنا للزمن بأن يمر علينا كما سبق.

الزمن الذي مر علينا.. مر فوق آلامنا وأحلامنا، تركنا الأقدار تسير بنا إلى أن وصلنا إلى الكفر، اللعنات، لأن نكون على هيئة البشر الذين ولدوا على رأي محمود درويش: (ولدنا كيفما اتفق).