مزاد علني.. أم «أوكازيون» للسيّارات الحكوميّة؟

يبدو أن الحكومة مازالت تغذ السير في نهجها «السوق الاجتماعي الحكيم» المعتمد على منطق الصدمات المباغتة، فهي مازالت تقوم بإعطاء المواطن إبراً مخدرة قبل إصدار أي قرار أو تعميم، وما إن يصبح أمراً واقعاً ونافذاً، حتى توجّه له صفعات متتالية.. صفعة وراء أخرى..

مناسبة ما نقوله هو ما يدور حالياً في المؤسسة العامة للتجارة الخارجية بخصوص الإعلان عن مزايدة علنية لبيع عدد كبير من السيارات الحكومية التي تعد بالمئات، إذ يشوبه الكثير من الشك والأسئلة..

قرار البيع أصدرته اللجنة الوزارية التي تألفت من وزير المالية، والنفط، والنقل، ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، وأمين عام مجلس الوزراء، التي توصلت في النهاية إلى إعطاء أرقام كبيرة للسيارات الفائضة عن حاجة واستخدام القطاعات المختلفة للدولة، تحت حجة تنظيم استخدام وتوزيع هذه السيارات، ولكن القرار لاقى الكثير من الاستهجان والجدل، وأطلق الكثير من التساؤلات حول الجدوى من اتخاذه، بوجود الاستثناءات المزاجية والواسطوية، فقد تذرع مصدروه بالحد من السيارات الحكومية المتواجدة في مركز المدينة مما يسبب إرباكاً وأزمة مرورية خانقة في ساعات الذروة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى التخفيف من الهدر الذي قدره وزير النقل بأكثر من /8/ مليارات ليرة..

لكن للأسف لن يتم تعويض هذه الخسائر، لأن اللجنة الوزارية اقترحت عدة نقاط قد تكلف الحكومة أكثر من ذلك بكثير، وخاصة فيما يتعلق بحساب أبعد نقطة عن دوائر العمل عن طريق عداد السيارات (الأجرة)، أو ما يتعلق بمنح تعويض، والمسمى نفقات، والمقدر بحدود /6/ آلف ليرة شهرياً، أو منح كل مدير قرضاً دون فائدة بمبلغ 500 ألف ليرة لشراء سيارة (تشجيع تجار السيارات بعينه) على أن يسدد خلال فترة خمس سنوات على أقل تقدير.

وبينت مصادر مطلعة في الوزارة أن اللجنة أكدت وجود أكثر من /17/ ألف سيارة فاخرة من جميع الأنواع، وأكثر من /12/ ألف سيارة بيك آب. وبحسبة بسيطة فإن تكلفة وصول أي من هؤلاء المدراء إلى عمله تصل إلى /300/ ليرة وأكثر، أي زيادة عما كان يصرفه من بنزين السيارة بكثير، اللهم إلا إذا كانت الحكومة بصدد رفع سعر لتر البنزين إلى /50/ ليرة تماشياً مع سعيها لرفع الدعم وإذلال المواطن وإفقاره بشكل دائم؟!.

إن وضع تلك السيارات في المزاد العلني يعني خروج المواطن والموظف الدرويش خالي الوفاض من كل العملية، وسيطرة السماسرة والتجار والطغم المالية على المزاد، وذلك بالاستفادة من الماركات العالمية وتجديدها ثم بيعها بمراكزهم بالسعر الذي يريدونه وتحويل الباقي إلى معامل الحديد حفاظاً على تجارتهم من أي دخيل.

أما كان بإمكان الحكومة للحفاظ على ماتبقى من ماء وجهها بيع تلك السيارات للمخصصين بها وفق شروط معينة تحددها هي؟

هذا بالضبط ما دعا إليه رئيس نقابة عمال المصارف والتأمين حسام منصور قيادته النقابية في الاتحاد العام لنقابات العمال طالباً منها التدخل لدى الجهات الوصائية لاعتماد صيغة محددة حول القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء في 23/8/2007، والمتضمن توجيه جهات القطاع العام بإعادة توزيع السيارات الحكومية المخصصة لأصحاب المناصب وفق ماورد في المادة الأولى منه، على أن تستبدل السيارات الحكومية التي سنة صنعها 1985 وما قبل عن طريق بيعها وفقاً لأنظمة العقود.. مشيراً إلى ضرورة إتاحة الفرصة للعمال ذوي الدخل المحدود لاقتناء سيارة من تلك السيارات بالتقسيط وبالسعر المناسب..

وشدد منصور على ضرورة تفويت الفرصة على أصحاب رؤوس الأموال الذين يسيطرون بطرقهم المختلفة على المزادات للمحافظة على الأسعار الرائجة.

إن تصريح رئيس نقابة المصارف والتأمين يأتي في صلب المسؤوليات المنوطة باتحاد العمال في الدفاع عن الطبقة العاملة ومكتسباتها التي حققتها تاريخياً بنضالها وسواعد عمالها، حيث أكد لقاسيون أن النقابات ستظل تدافع عن حق عمالها في العمل والعيش بحياة سعيدة ضد حفنة من التجار الذين يبلعون الأخضر واليابس. إن المزاد يجهز في مكان ما على نار (ساخنة) إلى حين أخذ الإبر المهدئة مفعولها فيمرر القرار كما مرّر قبله الكثير من القرارات على حساب كرامة الوطن والمواطن.. فهل من مغيث؟..   

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 11:05