مطبّات دودة الأرض المعترضة

بشهوانية، وبرقصة محمومة، محرمة وفاجرة، يصل (زوربا) إلى محكمة الرفض.. ممثلاً الضعفاء والمسحوقين الواقفين في وجه الظلم، ويطلق صرخته كالرصاص: «لقد قلت لك أيها الرئيس، إن كل ما يجري فوق هذه الأرض.. غير عادل... غير عادل، وأنا دودة الأرض (زوربا) الحلزون، لا أوافق على ذلك».

في الشرق المشحون برائحة الإثارة والمؤامرات.. يصنع (الماغوط) مثل (كازانتزاكس)، أنشودته عن الرفض، هذا الشرق الفسيح، المتلاطم كبحر، اللا منتهي كمحيط.. الحانات، المواخير، الهمس الرافض للظلم، المقاهي الحزبية.. بأغاني الانكسارات، والهزائم والنكسات: «حسناً، أيها العالم لقد هزمتني، لكنني لا أجد في هذا الشرق مكاناً مرتفعاً أنصب عليه راية استسلامي».

إنها اللغة المعاندة، حيث يتفق الشرق مع روح الغرب البائدة، اليونان تشبه أساطيرنا، عن الحلم والذاكرة والرسم على الأرض والجدران، والمواثيق والحقوق، أما الغرب فقاده الغرور الصارخ إلى الحديد والموت، لذلك لايعرف معنى الأسطورة القابعة فينا، حينما يصبح الدفاع عن البقاء خياراً أخيراً.

كذلك هي لغة المسحوقين، الذين يكابرون تحت إرث الفقر، وظلم التاجر المحتكر، ولغة البائع المناورة والبشعة، لكنها لغة لا تحني رأسها إلى الأرض، تستيقظ كإعلان عصيان دموي.

في قمة اليأس يستيقظ الأمل، حين تستوي الأمور.. موت أو حياة، ذل أو كرامة، جوع أو كسرة خبزٍ، تنهزم الرايات لكن النفوس عزيزة واقفة، حين يلتفت الشاعر فلا يجد أرضاً لرايته المنكسة... لا تلاً مرتفعاً، لا جبلاً شامخاً... سوى هزائم وأودية تملؤها(الوطاويط) المرتعشة.

هذه المقدمة الطويلة، عن الرفض.. الأمل.. التآمر السري من أجل الخلود، لنا نحن الذين نطبق جفوننا كثيراً، على اليأس فيحرقنا، أو نلقي برؤوسنا على الوسائد علَّ الصباح ينذر بأمل جديد.. طيف عدالة على وجه الأرض.. نحن القابعين تحت خط الفقر، مستندين إلى الجدران الآيلة للسقوط علينا، الذاهبين إلى لقمة جديدة لأطفالنا، المتدافعين للركوب، الصامتين عند الحديقة، نؤمن بفسحة أمل تأتي من حيث لا نحتسب أو نحتسب.

كنا نعتقد في غفوتنا، أن الفساد حلَّ في كل مكان.. وهو ليس شعوراً خاطئاً... وأن لا يد تطال أولئك القابعين خلف الكراسي الوثيرة.. متذرعين بحب الوطن تارةً، والخوف من الله تارةً أخرى.. ويدوسون عظامنا إما عسفاً أو وعظاً.. لكن الحقيقة تخرج صارخة، ربما بما لا يخفف كثيراُ من يأسنا ولكنه بعض الأمل.. حين يسفح وجه وزير غارق في فساده ونهبنا، أو متوجهاً من منبره المقدس ليدعو لنا بالفرج، والغيث، وهزيمة الأعداء... ومن خلف عباءته يسرق مقدراتنا ويشفق علينا، ويملأ كرشه.. ويفصّل ما يشاء من تسابيح لنا عند الفجر ليغفر الله ذنوبنا.

مع ذلك.. مازال لنا طمع في البعض. من الصغار أبناء الحلقة الأولى فساد، والحلقة الثالثة، وكل حلقات الفساد المتعاضدة على مال الوطن وتجويعنا، في بعض الأمل وبعض اليأس الصارخ، في محاسبة كل من تجرأ على لقمتنا، وعلى خيرات هذه البلاد، أن يصفد، ليس في الآخرة، بل أمام أعيننا... وأن ينظر إلى تقارير التفتيش الماضية، التي تمس جميع الفاسدين، بدءاً من الفاسدين الكبار جداً مروراً برئيس بلدية في ريفنا الجميل، إلى مدير مؤسسة، إلى عاملٍ على موقد فرنٍ يلم الصراصير مع الطحين، إلى سائق يطلب أكثر من أجره، إلى موظف مرتشٍ علناً، إلى شرطي يستبدل المخالفة بالرشوة، إلى كل من يبيعنا الكلام الجميل عن الوطن، ويسرقنا جهاراً ونهاراً.

شرف الرفض مازال فينا، والتلال تبدو الآن شاهقة، ورائحة تأتي من بعيد، عن يدٍ تعمل معنا ضد الفساد..

شكراً لمن يشاركنا شرف الرفض... في الزمن الصعب.

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 21:49