دير الزور.. بين قسوة الطبيعة وإهمال المسؤولين

عندما يستيقظ أي مواطن من أهالي محافظة ديرالزور، أول سؤال يتبادر إلى ذهنه ويوجهه لمن استيقظ قبله قبل أن يلقي تحية الصباح: هل الجو مغبر؟ أو هل هناك عجاج؟!

 إذ لا يكاد يمر أسبوع إلا وتخيم أغلب أيامه بعجاجها على محافظة ديرالزور، من البوكمال إلى مركز المحافظة، أي على طول 130 كم، فتحدث إصابات ربو وحالات اختناق، وخاصة عند الأطفال والشيوخ، وتشحب وجوههم كأنهم قد خرجوا من قبورهم. عائلات كاملة مصابة بأمراض القلب والشرايين، ومرض الكبد الفيروسي أصبح يدق ناقوس الخطر بقوة، وخاصة في قرى مدينة البوكمال، أصبح الموت أمنية للكثيرين، بسبب العجاج والعواصف الرملية، التي تمتد ساعات طويلة، بل أياماً متواصلة، والحكومة تقف مكتوفة الأيدي، في الوقت الذي تدعي التخطيط لتنمية المنطقة الشرقية. وكلنا نتذكر المستثمر الأجنبي الذي حضر مؤتمر الاستثمار في ديرالزور، ومات بسبب العجاج.

تقر الحكومة وترصد المبالغ اللازمة لجر مياه نهر الفرات إلى مدينة تدمر، بذريعة أنها منطقة أثرية ذات مردود اقتصادي سياحي. ناسيةً أن محافظة ديرالزور تشكل رافداً مهماً من روافد الاقتصاد الوطني، وجزءاً أساسياً من سلتها الغذائية.

على سكان المحافظة أن يتحملوا تلوث البيئة نتيجة وجود حقول النفط، ويتحملوا العجاج الذي لو أرادت الحكومة إيقافه، أو على الأقل التخفيف منه، لفعلت، من خلال جر قناة أو قنوات من نهر الفرات إلى بادية المحافظة، والقيام بزراعة الأشجار الحراجية والمثمرة كمصدات رياح، لوقف عملية التصحر التي وصلت إلى البيوت، ناهيك عن المردود الاقتصادي لهذه العملية إذا ما تمت زراعة النخيل مع تلك المزروعات، وإيجاد المراعي الطبيعية التي تجعل قطعان الغنم مستقرةً وأعدادها متزايدةً، مع وجوب توفير المادة العلفية لها.

لماذا لا يدخل هذا في حساب أصحاب القرار؟ قد يقولون لا توجد السيولة اللازمة. والجميع يعلم أن وقف الهدر وضبط أموال الفاسدين المعلن عنها كافية للقيام بمثل هذا المشروع.

يكفي هذا التناسي!! فلا شوارع ولا طرقات ولا مشافي ولا معامل ولا مصانع ولا منشآت، فقط ما بين المقهى والمقهى مقهى، لا مياه صالحة للشرب ولا هواء صحياً، فقط طابور العاطلين عن العمل في ازدياد. بيئة ملوثة مليئة بالأمراض، فماذا أبقوا لنا في هذا الوطن؟!

أصبح سكان محافظة دير الزور أمام أمرين أحلاهما مر: إما الهجرة وإما الموت البطيء، لكننا لن نموت إلا ونحن واقفون كنخيل الفرات دفاعاً عن هذا الوطن بوجه كل من يتربص به ويخطط لإخضاعه وإذلال مواطنيه، وخاصة من ينفذ توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولتبقَ كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، رغم أنف من أبى.

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 23:09