توضيحاً للحقيقة حول مواقف الشيوعيين في سورية

لقد تعودنا أن نطالع بين حين وآخر نشراتٍ لبعض قيادات الأحزاب الكردية إذا صح تعبيرنا، فيها تطاولٌ على الشيوعيين السوريين وتجنٍ فاقع وهش على تاريخهم ومواقفهم ومحاولاتٍ فاشلة ويائسة لتحريف الحقائق.

فبالأمس، في شهر حزيران المنصرم، وكالعادة، خرجت نشرة ما يسمى «بصوت الأكراد» وهي في الحقيقة صوت لبعض الأشخاص، لأن الكثيرين من أعضاء هذا الحزب لم يتبنوا مسؤولية ما جاء فيها الآن وسابقاً من مقالات ضد الشيوعيين السوريين، لتكتب: «إن الحزب الشيوعي بقي صامتاًً، ولم يتخذ موقفاً مناصرا لقضيتنا، لا بل أنه لم يكترث بمطالب شعبنا، ولم يولِ أية أهمية لمقترحات رفاقه من غير العرب»، ولهذه الأسباب كما تدعي النشرة فإن العديد من الكرد أعلنوا انسحابهم من الحزب الشيوعي.

ليس من شيم الشيوعيين أبداً توجيه الاتهامات جزافاً أو اللجوء إلى الإساءات الشخصية كما لجأ إليها البعض، كما أننا لا ندعي يوماً احتكار الحقيقة ونحترم الرأي الآخر حتى إذا اختلفنا معه، مسترشدين بقول الرسول الكريم «خلاف أمتي رحمة»، وبقول إنجلس «النضال بين الآراء يقوي الحزب ويعافيه»، ولم نقل يوماً إننا معصومون عن الأخطاء، أو أن الشيوعيين كلهم ملائكة، فخلال 85 عاماً من هذه المسيرة الطويلة من النضال لابد أن يكون هناك أخطاء وتقصير أو تأخر في اتخاذ الموقف اللازم أحياناًً، وهذا أمرٌ طبيعي لابد أن يحدث مع أية حركة سياسية جدية، وكما هو معروف من يعمل لابد أن يخطئ.

كما لابد من القول إن الأحزاب الشيوعية في جوهرها هي أحزاب أممية طبقية وطنية، أي ليست أحزاباً تعمل في إطار قومية واحدة، لكن الأممية والطبقية لا تعني أبداً كما يحاول أن يفسرها البعض عن قصد أو جهل، أن الشيوعيين يتغاضون عن الاهتمام بالقضايا القومية، فقد جاء في مقالٍ هام للرفيق خالد بكداش بعنوان «الشيوعية والقومية» ما يلي: «إن الشيوعية لا تقضي على كيان القوميات، بل تحفظها وترقيها وتدفعها في طريق التطور والازدهار، والأممية تعني مساواة الأمم والقوميات والإخاء بينها».

وقال الرفيق الراحل إبراهيم بكري في مقابلة مع مجلة دراسات اشتراكية عام 1990 ما يلي: «إن الحقوق القومية الكردية والشركسية والتركمانية والآثورية وغيرهم من القاطنين في بلادنا، تدخل في الإطار التقدمي الديمقراطي لنضالنا، وتأييدها والدفاع عنها يخدم المصالح العامة لشعبنا».

وقال الرفيق حسين عمرو أمام رئيس الجمهورية الرئيس بشار الأسد أثناء زيارته لمحافظة الحسكة «ما أجمل قولكم يا سيادة الرئيس بأن الوطن لكل الوطنيين، ولكن في محافظتنا طبقت قوانين استثنائية ألحقت الضرر والغبن بأبناء المحافظة، وخاصة الكرد، وهؤلاء أبناء لهذا الوطن وجزء من نسيج المجتمع السوري، كلنا أمل وثقة بمعالجة هذا الضرر في ضوء مصلحة الوطن وبما يعزز من الوحدة الوطنية».

لقد جاء في أول وثيقة برنامجية للحزب الشيوعي السوري عام 1931 ما يلي: «يجب تحرير الجموع السورية بدون فرق بين الجنسيات والأديان...».

وأصدر الشيوعيون السوريون أكثر من بيان استنكاراً لجرائم صدام في مدينة حلبجة، ووجهت اللجنة المنطقية في الجزيرة نداءً إلى الفصائل الكردية المتقاتلة في العراق آنذاك لوقف الاقتتال بينهم. وتفنيداً لبعض الدعايات ضد الحزب الشيوعي السوفييتي حول الموقف من جمهورية مهاباد الكردية، قال القائد الكردي الإيراني الراحل عبد الرحمن قاسملو «هناك اعتقاد سائد في تاريخ حزبنا بعد فشل جمهورية مهاباد بأن السبب في فشل تلك الجمهورية هو السياسة الخاطئة للإتحاد السوفييتي تجاه إيران»، وقال: «إن السبب الأساسي في فشل جمهورية مهاباد يعود إلى المجتمع الكردي نفسه، أي إن السبب الأساسي لانهيار جمهورية مهاباد هو الضعف الداخلي للحزب وضعف قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني قبل كل شيء».

ومن لا يتذكر دور الشيوعيين السوريين في أهم المعارك الفلاحية ضد الإقطاع وبعض الآغاوات، وخاصة في منطقة الجزيرة؟ من لا يعرف «رفاعي» من قرية أبو راسين، و«عابد» من قرية علي فرو، و«ملا سليمان» من قرية «كري بري»، وإبراهيم سيفو من قرية تل خنزير، وصالح علي من قرية سفر، و«جميل مرعي» من دير الغصن و«سليمان حاج حسن» من قرية شدي، و«جمعة عزيز» من قرية كراصور، و«أحمد سلو وعبدالله القطب» من قرية نيف.. وغيرهم وغيرهم العشرات بل المئات من الشيوعيين رجالاً ونساءً من الذين قادوا هذه المعارك، وجرح بعضهم واستشهد البعض الآخر وعلى رأسهم الشهيد «حاج عمر هيواني».

وبالأمس القريب جمع الشيوعيون آلاف التواقيع، وشكلوا وفداُ فلاحياً، وقابلوا الجهات المسؤولة في المحافظة وفي العاصمة دمشق وطالبوهم بإلغاء قرار نزع ملكية أملاك الدولة من الفلاحين، وتجاوب الكثير من المسؤولون مع مطالب الفلاحين، وأكدوا على العمل لإلغاء هذه القرار، ونشرت جريدة قاسيون العديد من المقالات في أعداد متتالية التضامن مع الفلاحين ومطالبةً بإلغاء القرار المجحف بحق فلاحي الجزيرة.

لا توجد هناك حركة سياسية متجددة في العالم إلا ولديها منتسبون جدد، وفي المقابل أعضاء مستقيلون أو منسحبون، وهذا أمر طبيعي وفي الحزب الشيوعي ومن خلال نظامه الداخلي لا يمكن فرض العضوية، والأخوة الذين تركوا الحزب الشيوعي وانضموا إلى الأحزاب الكردية ما لبثوا أن تركوا أحزابهم أيضا في وقت لاحق، والبعض تخلى عن السياسة بهدوء كالدكتور «نور الدين زازا» والأسباب ليست كما يدعون نتيجة مواقف الحزب الشيوعي من القضية الكردية، وإلا لماذا تركوا أحزابهم الكردية ومن ثم شتموا قياداتهم؟ وهل حزبُ كاتب المقال بعيدٌ عن هذا الواقع وخاصة بعد وفاة قائده المرحوم الأستاذ نذير مصطفى والذي كانت لنا معه علاقات جيدة وحميمة؟، وهناك بعض الشيوعيين ومن أصولٍ عربية تركوا الحزب الشيوعي، وادعوا أيضا أن الشيوعيين لم يهتموا بالقضايا القومية العربية كـ«إلياس مرقص» مثالاً..

أما حول التحالفات، نعم تحالفنا ونتحالف مع الكثير من القوى الوطنية والتقدمية داخل الجبهة الوطنية التقدمية وخارجها، وخاصة مع الرفاق في حزب البعث العربي الاشتراكي، وذلك منذ أواسط الخمسينيات وحتى الآن، وتجمعنا معهم الكثير من المواقف الوطنية، وخاصة الموقف من الامبريالية والصهيونية والرجعية، ولكن هذا لا يعني أبداً أننا متفقون على كل شيء، فهناك تباين حول الكثير من القضايا الفكرية وبعض القضايا الداخلية، وهذا أمرٌ طبيعي وسليم ولا يؤثر على تحالفنا ومواقفنا المشتركة، والجميع يعلم وكاتب المقال يعلم جيداً، ولا نريد أن نذكر أن الكثير من القيادات الكردستانية تحالفت مع ألد أعداء القضية الكردية، من صدام وحتى الأمريكان، وكانت تبرر مواقفها على الدوام على اعتبارها ضرورات مرحلة، والسؤال هو أليس للشيوعيين كذلك الحق في إيلاء تلك الظروف المرحلية ضروراتها واستحقاقاتها؟.

إن الكثير من المثقفين الكرد وغير الكرد يشجبون مثل هذه المهاترات والاتهامات الظالمة ضد الشيوعيين السوريين وضد تاريخهم النضالي المجيد.

كفى اتهامات وكفى تحريفاً للحقائق، فإن هذه الأباطيل لم تعد تنطلي على أحد من أبناء شعبنا السوري، لكن على ما يبدو إن الموقف من الشيوعيين السوريين لدى البعض وهم قلة، هو موقفٌ طبقي، وهؤلاء ليس بإمكانهم أن ينسوا كيف وقف الشيوعيون إلى جانب فلاحي قراهم من الكرد ضد مظالم أقربائهم من الآغاوات.

فنحن الشيوعيين كنا ولا زلنا نمد يدنا بصدق إلى كل القوى الوطنية والتقدمية من أجل خدمة بلدنا وشعبنا ومواجهة الأخطار الخارجية، وخاصة التهديدات الأمريكية والصهيونية، ولكننا في الوقت نفسه لا يمكن لنا السكوت عن أية إساءة لتاريخنا ومواقفنا لأنها إساءة إلى الحقيقة والواقع وأبناء شعبنا يعلمون ذلك جيداً، وإننا نتابع نضالنا بالرغم من كل الصعوبات في سبيل وطنٍ حر وشعب سعيد.

 ■ عزيز عمرو  - قامشلي