دير الزور مدينة أكثر من منكوبة..!!

الوضع المأساوي الذي يعاني منه أهالي دير الزور سواء المهجرون منها أو من الذين ما زالوا مقيمين فيها وهم الذين ليس لديهم إمكانية للمغادرة والإقامة في مناطق أخرى من المحافظة أو خارجها وغالبيتهم من أشد المواطنين فقراً، هو كارثةً إنسانية بكل المقاييس فالمدينة مدينة أشباح والخدمات فيها تكاد تنعدم...

فالكهرباء رغم بطولات العمال وتضحياتهم شبه معدومة إلاّ في مناطق قليلة جداً من بعض الأحياء لأنّ قسماً كبيراً من الشبكة قد تهتك..

أما مياه الشرب وشبكتها فهي لا تقل تهتكاً بسبب القصف العشوائي الذي دمر الطرقات والمنازل وكذلك شبكة الصرف الصّحي التي أصبحت مستنقعاتها مع القمامة المتراكمة منذ شهور مصدراً للجراثيم والأوبئة ..

ولعل المعاناة الصحية هي الأخطر فالمشافي العامة أغلقت أبوابها وكذلك المشافي الخاصة باستثناء واحدة في المدينة التي لم يتبقّ فيها من الكادر سواء كانوا أطباء أو فنيين وممرضين ما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وحتى هذه المشافي في المدن والنواحي منعت من استقبال الجرحى والمصابين من المواطنين ناهيك عن النقص الكبير في الأدوية الاسعافية.. أمّا أدوية العلاج الدائم القلبية والنفسية وغيرها فحدث ولا حرج..وهذا يتنافى مع كلّ القوانين والأعراف الطبية والإنسانية ..بل وحتى المسعفين والمشافي الميدانية التي أقامها الأهالي تتعرض للقصف من قوى القمع والفساد التي لا ترحم ولا تسمح حتى برحمة الآخرين وحتى من يوجد لديه أدوية إسعافية منزلية يعتقل ومنهم من أعدم ميدانياً  باعتباره إرهابيا حيث يُعتبر كلّ مواطن مصاب أو من يسعفه هو إرهابي وكثيرون ماتوا لعدم إسعافهم وكان يمكن إنقاذهم لكن بسبب القنص يعجز المسعفون من الوصول إليهم..بل بات المواطنون لا يستطيعون تشييع موتاهم وشهدائهم ويضطرون لدفنهم في الحدائق العامة أو الحدائق المنزلية وحتى على الأرصفة هذا لمن يستطيعون دفنهم ومنهم من يبقى أياماً حتى تتفسخ جثثهم وتأكلها القطط والكلاب الشاردة..!

بينما القوانين الدّولية تلزم بمعالجة وإنقاذ وإسعاف حتى الأعداء فكيف بمن هم أبناء الوطن..أليست هذه جريمةً أليست هذه جريمةً إنسانية..ومتى يتم ردع ومحاسبة  هؤلاء المجرمين بحقّ الشعب والوطن..؟

أمّا النقص الكبير في المواد الغذائية وصعوبة وصولها بسبب الاشتباكات وتقطع الطرقات داخل المحافظة وخارجها والحواجز المزدوجة والقنص لكل ما هو متحرك هي التي تمنع وصول هذه المواد إلى المواطنين المحاصرين إلاّ بأتاوى تُدفع للبعض في الطرفين مما رفع التكلفة والأسعار .. والأمر الأكثر إيلاماً ومأساويةً هي معاناة المواطنين في الملاجئ الداخلية والخارجية والذين باتوا يعيشون على الصدقات.. وخاصةً مع قدوم الشتاء وتدّعي الحكومة أنها ستجد لهم مأوى وتوفر لهم ما يحتاجونه.. ناهيك عن حرمان الطلاب من المدارس والجامعات وفي هذا الإطار فإنّ المساعدات التي تأتي من منظمات الإغاثة العالمية والهلال والصليب الأحمرين فإنها تذهب لمناطق ولا تذهب لأخرى مع التفاوت الكبير في طريقة توزيعها ناهيك أن قسماً كبيراً منها يصل ناقصاً بسبب الفساد والنفوس المريضة ..

إنّ دير الزور هي مدينة أكثر من منكوبة. ولا شكّ أن من سعى ونفذ ذلك ولا يزال  هو مجرمٌ بحقّ الشعب والوطن  وبحق البشرية والإنسانية ويجب فضحه ومحاسبته.

والمخزي أنّ وسائل الإعلام سواء الدولية أو الرسمية تشارك في المأساة التي تتعرض لها دير الزور عبر محاولة توظيفها وفق أهداف من يرعاها..

لا شكّ أن معاناة أهالي دير الزور هي جزء من معاناة الشعب السوري ككل وما تعرضت له المحافظة ريفاً ومدينة هو جزء مما تعرض له الوطن ككل أيضاً،نتيجة دور وسلوك قوى القمع والفساد والقوى الخارجية والرجعية والظلامية ويبقى واجب القوى الوطنية ضرورة العمل على  إيقاف شلاّل الدّم السوري الطاهر.