جرمانا الصغيرة ورشات دون ترخيص ومعاناة

جرمانا الصغيرة ورشات دون ترخيص ومعاناة

جرمانا تلك المدينة الصغيرة في ضواحي دمشق القريبة، استطاعت خلال سني الحرب والأزمة، أن تحافظ على هدوء نسبي، على الرغم من تعرضها للإرهاب المباشر بين الحين والآخر، ولكن ذلك لم يمنع عنها تصاعد حركة النزوح إليها وبشكل كبير، مع تصاعد التوتر والأعمال القتالية في الريف القريب منها أو في المدن البعيدة عنها، خلال هذه السنوات.

لم تكن جرمانا مدينة صناعية، ولكن ظروف الحرب وتداعياتها، مع ازدياد أعداد النازحين إليها، جعلتها تمضي باتجاه اعتبارها كذلك، حيث استقطبت العديد من المنشآت والورشات والمعامل، الصغيرة والمتوسطة، وذلك على أثر نقل بعض النازحين من المناطق المتضررة معاملهم إليها، أو افتتاح ورشات ومعامل جديدة ليمارس كل منهم ما كان يعمل به سابقاً حسب خبراته، بالإضافة طبعاً لما كان موجوداً بها من ورشات ومعامل مما قبل الحرب والأزمة، اعتباراً من صناعة الصابون والشامبو، مروراً بصناعة الألبان والأجبان ومشتقاتها، إلى الكونسروة والمعلبات، بالإضافة إلى بعض الصناعات البلاستيكية، وليس انتهاءً بمسالخ الدجاج والخرفان، وبالمحصلة فقد أصبحت جرمانا الصغيرة كبيرة بإنسانيتها كما بورشاتها ومعاملها ومعاناتها.

التكاليف مرتبطة بالوقود

 

معظم منتجات هذه الورشات والمعامل تعتبر من الحاجات الاستهلاكية الأساسية للمواطن، وقد باتت هذه المنتجات تغطي احتياجات المنطقة بالإضافة إلى سد جزء من حاجة العاصمة دمشق منها، وعلى ذلك فإن بعض المعاناة التي يتم الحديث عنها من قبل المواطنين حول الأسعار وارتفاعها، مرتبط بشكل مباشر بأسعار التكلفة لدى هذه المنشآت والورشات والمعامل لمنتجات كل منها، والتي جزء هام منها مرتبط بالتيار الكهربائي أو الوقود، (مازوت أو فيول)، والتكاليف المرتبطة بهذا الجانب من التكاليف.

في جولة لقاسيون على بعض المنشآت والمعامل في تلك المنطقة، تم الحديث مع بعض القائمين عليها، الذين عبروا عن استيائهم من موقف الحكومة والجهات الرسمية تجاه معاناتهم، وخاصة على مستوى تأمين مستلزمات الإنتاج لديهم، وتحديداً الكهرباء والوقود، مما جعل من إمكانية المنافسة لديهم ضعيفة، وقد يضطر بعضهم لإغلاق منشأته جراء ذلك، على الرغم من أن هذه المنشآت بالإضافة لتأمينها بعض الاحتياجات الأساسية للمواطن، فإنها تشغل أيدي عاملة عديدة لديها، تؤمن معيشة الآلاف من الأسر.

الوقود لمن يملك المال!

 

أبو عبدو، صاحب معمل صغير للقشطة قال: «نحن لم ننشئ المعامل في ظل الأزمة لنملأ جيوبنا بالمال، إنما لنستطيع البقاء على قيد الحياة، ونؤمن الحدود الدنيا للمعيشة، نحن نحصل على المازوت من السوق السوداء بحدود 230 ليرة لليتر الواحد، ولا نستطيع رفع الأسعار بما يتناسب مع هذا السعر، لأنا سنتعرض للكساد، والمادة المنتجة لدينا معرضة للفساد أكثر من غيرها من المواد الاستهلاكية، كما أن سعرنا مرتبط بالقدرة الشرائية لدى الغالبية من السكان»، وأردف قائلاً: «السبب الأساسي لارتفاع سعر الوقود في السوق هو النقص بالكميات المتوفرة منه بالشكل النظامي»، مشيراً إلى أن: «مادة المازوت لا تختفي نهائياً، وإنما يرتفع سعرها فقط، ومن يملك المال يستطيع الحصول عليه».

أبو جابر، أحد العاملين في منشأة صناعية أخرى، قال: «المازوت ممنوع عن المعترين بس»، متسائلاً: «هل المازوت يهطل على التجار في السوق السوداء من السماء؟، أم أن هناك من يوصله إليهم بطرق غير مشروعة، ومن هم هؤلاء؟».

المواطن يتحمل العبء

 

أبو فهد، وهو صاحب منشأة لصناعة مشتقات الحليب، قال: «المازوت متوفر وبكثرة في السوق السوداء، ونحن مضطرون لأن نشتريه مهما كان ثمنه من أجل استمرار عمل منشآتنا، وبالتالي سنضطر كذلك إلى تحميل المواطن الفارق بأسعار التكلفة لمنتجاتنا». معقباً: «بالنتيجة سيتحمل المواطن العبء الأكبر، كما سنتحمل نحن الكساد الناتج عن ارتفاع أسعار منتجاتنا».

مطالبة بتراخيص مؤقتة

 

أم خالد، صاحبة منشأة لصناعة الصابون، قالت: «نحن كأصحاب منشآت نعلم بأنه لا يمكن منحنا مخصصات وقود كوننا غير مرخصين قانوناً، علماً أنه بظروف الحرب والأزمة وواقع جرمانا كمنطقة سكنية، لا يمكننا إنشاء معامل قابلة للترخيص، حسب الشروط المطلوبة لذلك، فهل الحل هو إغلاق منشآتنا العاملة، وما مصير مئات الأسر للعاملين في هذه المنشآت إن تم ذلك؟»، مقترحة: «نطالب بمنحنا رخصاً مؤقتة، ضمن الشروط والظروف المتاحة، كي نستطيع الحصول على الوقود اللازم للإنتاج، وذلك من قبل الدولة مباشرة، دون وساطة وسمسرة من تجار الأزمة».

تجارة غير مشروعة وفساد كبير

 

أبو عارف، وهو أحد بائعي المازوت بالسوق السوداء بشكل غير مشروع، يقول: «أنا أحصل على المازوت بسعر يتراوح بين 210- 220 ليرة لليتر الواحد، وأبيعه بحوالي 230 ليرة لليتر، حيث أحصل على 10 ليرات ربحاً بكل ليتر، وبالمقارنة بالخطر المحيط بهذه التجارة يعتبر هذا الرقم ليس بكبير، بالإضافة إلى خصم أجور السائقين وسيارات النقل»، ويتابع قائلاً: «من يوصل لنا المازوت بسعر الـ 210 ليرة يبقى حراً طليقاً ولا أحد يعرفه، علماً أن أرباحه تزيد عن أرباحنا بأضعاف، هو الفارق بين 145 ليرة و 210 ليرة، هذا بحال كان هذا التاجر الكبير يؤمن تلك المادة من مستودعات الدولة أصلاً، ولم يكن بعضاً منها مسروق، أي دون قيمة».

معقباً: «بالنتيجة عند الكلام عن السوق السوداء والفاسدين فيها نكون نحن بالواجهة، وكأننا شماعة أوساخ للفاسدين الكبار وصانعي الأزمات الحقيقيين البعيدين عن المحاسبة والملاحقة».

وختم بالقول: «أنا بائع مازوت وأتمنى أن يتم توفير المادة بالسعر النظامي، فلن أضطر عندها للعمل بالمازوت المهرب من السوق السوداء، حتى وإن انخفضت معدلات ربحي، فلا أحد منا يرغب بالعمل خارج إطار القانون، وهو معرض دائماً لأن يقبض عليه ليحاسب ويدفع الضريبة عن الكبار من تجار السوق السوداء الحقيقيين».

الأهالي يعانون من غير تذمر

ولا ننسى معاناة الأهالي المرتبطة بتلك الصناعات والورشات غير المرخصة، في منطقة مخصصة أصلاً للسكن وليس للمعامل والورشات، علماً بأن هؤلاء لم يشتكوا أو يتذمروا، وذلك مراعاة منهم للظروف القاسية التي فرضت على أصحاب تلك المنشآت أن يقيموها في منطقة سكنية.

أين الحلول الإبداعية؟

أصحاب المعامل والمنشآت التي تمت زيارتها كانوا مجمعين على أنه لو توفرت مخصصات من المازوت بالسعر النظامي لورشاتهم ومعاملهم، فإن أسعار المستهلك لمنتجاتهم سوف تنخفض بما يعادل 20 – 30% بالحدود الدنيا.

كما أن إيجاد الحلول الواقعية والمنطقية للكثير من الصعوبات التي يعاني منها أصحاب تلك المنشآت، والعاملين فيها، مثل الترخيص، وجهة الإشراف والتبعية، وغيرها، سوف تساهم في تأطير وقوننة العمل فيها، ووضعه تحت عين الرقابة المباشرة، مما يخفف عملياً بعضاً من معاناة الأهالي، كما سيعود بالنفع على المواطن المستهلك كما على خزينة الدولة بنهاية المطاف أيضاً.

وهنا نتساءل، مع العديد من أصحاب تلك المنشآت والمعامل، أين الحكومة والجهات الرسمية الأخرى من تلك الصعوبات والعراقيل؟، وأين الحلول الإبداعية المقترحة من أجل ذلك، بما يتناسب والظرف الموضوعي الناشئ رغماً عنهم؟، كم جرمانا الصغيرة

ورشات دون ترخيص ومعاناة

ا نضم صوتنا إلى أصوات هؤلاء المتضمنة المطالبة بمحاسبة تجار الأزمة والفاسدين، وخاصة تجار المازوت والفيول، حيث ترتبط تلك المحاسبة بإمكانية استمرار العمل بهذه المنشآت.