بطون جائعة ووعود مائعة بالقانون.. الحكومة تقاسم المواطن بمصدر رزقه

بطون جائعة ووعود مائعة بالقانون.. الحكومة تقاسم المواطن بمصدر رزقه

تميز عام 2015 بافتضاح السياسات الاقتصادية التي تسير عليها الخطى الحكومية، وتخالف كل ما يقال عن استهدافها مصلحة المواطن السوري، وتحسين مستوى معيشته، إذ يمكن وسم ذاك العام بصفة الأسعار الصاعدة والارتفاعات المتتالية، على حساب جيوب المواطنين، ولقمة عيشهم.

زيادة أجور ... ونفقات

وبالعودة إلى تاريخ سابق من العام 2015، تتالى صدور مراسيم تشريعية تقضي بمنح زيادات للعاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، أولها المرسوم التشريعي رقم (7 ) القاضي بمنح العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين بعقود سنوية تعويضا قدره 4000 ليرة سورية شهرياً باسم تعويض معيشي، تلاه صدور المرسوم التشريعي رقم (41) القاضي بإضافة مبلغ قدره 2500 ليرة سورية فقط إلى الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة النافذة، ثم صدر المرسوم رقم (46) القاضي برفع الحد الأدنى المعفى من الضرائب للرواتب والأجور من عشرة آلاف ليرة إلى خمسة عشر ألف ليرة سورية.
لكن تلك الزيادات والإعفاءات لم تكن يتيمة التبعات، إذ تم إصدار المرسوم رقم 48 الذي نص على رفع الضريبة على كل دفعة مقطوعة يتقاضاها الموظفين والعاملين في الدولة بحيث تصبح 10% بدلاً من 5%، على أن يعمل به أول الشهر الذي يلي تاريخ صدوره.
ولم تكن الوزارات بعيدة كذلك عن المغزى، إذ التقطت الإشارة لتبدأ بتحصيل تلك الزيادات بأشكالها، عبر سلسلة غير متناهية من القرارات التي سلبت المبلغ المضاف للرواتب والأجور، وأكثر.
والبداية كانت مع «وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بالتنسيق والتعاون مع وزارة النفط والثروة المعدية، بموافقة اللجنة الاقتصادية والحكومة» السباقين لكل ارتفاع، حيث أصدرت بشكل متتال قرارات مست أهم المواد الأساسية للمواطن السوري، حيث رفعت بقرارها 1956، سعر اسطوانة الغاز المنزلي لتباع للمستهلك بسعر 1950 ليرة، كما أصدرت القرار رقم 1955 والذي يحدد سعر لتر المازوت بـ 135 ل.س ، كذلك تم رفع سعر ليتر البنزين إلى 160 ليرة سورية، ورفع سعر ربطة الخبز ليصل إلى 50 ليرة سورية، لأول مرة في تاريخ سورية.


وجوقة أتباع

وقامت وزارة الموارد المائية بدورها برفع أسعار شرائح المياه، وطبقت مبدأ الشريحة الرادعة، على حد تعبيرها بهدف دفع المواطنين لترشيد استخدام المياه، حيث تم احتساب سعر المتر المكعب من المياه لكامل الكمية المستهلكة بسعر 40 ليرة سورية في حال زيادة الاستهلاك عن الـــ50م3 في الدورة الواحدة ويتم احتساب سعر المتر المكعب من المياه بسعر 50 ل. س لكامل الكمية المستهلكة عندما يتم زيادة الاستهلاك عن 80م3 في الدورة الواحدة، علماً أن القرار طبق منذ بداية أيلول 2015، ويأتي تعديلا لقرار صادر مطلع تموز الماضي.
ومن جهتها أعلنت مؤسسة الاتصالات عن رفع سعر المكالمات الخليوية بالنسبة لخطوط لاحقة الدفع إلى 6،5 ليرة سورية وخطوط مسبقة الدفع إلى 9 ليرات سورية من خليوي إلى خليوي، ومن خليوي إلى أرضي 9،5 ليرة للاحق الدفع و 12 ليرة لمسبق الدفع اعتباراً من الأول من نيسان 2015، بينما رفعت الشركة السورية للاتصالات أو «عدلت» كما جاء في خبر رفع قيمة أجور الاشتراك الشهري بالاتصالات من 100 ليرة/ شهرياً إلى 200 ليرة، وهو ما بررته الشركة بارتفاع التكاليف والنفقات سواء عليها أو على شركات الاتصالات الخليوية، في ظل الحصار الاقتصادي وارتفاع سعر الصرف، والذي في نهاية المطاف يجب على المواطن مهما كان مستواه الاقتصادي ومردوده الشهري إن وجد، أن يتحمله ويوفر للقطاعات والجهات العامة كلها تكاليفها ونفقاتها من جيبه الخاص...
وبدورها لم تكن وزارة الكهرباء تغرد خارج سرب زميلاتها، وعملت على مبدأ «ماحدا أحسن من حدا» وقامت بدورها باستصدار قرار خفضت فيه عدد شرائح الاستهلاك من 8 إلى 6 شرائح، والذي أدى عند تطبيقه إلى رفع قيمة الفاتورة على المستهلك، وبدأت تطبيق قرارها بتاريخ الأول من أيلول 2015.


مبررات مبتكرة

يشار إلى أن الوزارات والجهات العامة كافة لم تتوان عن تقديم مبرراتها وأسبابها الموضوعية عند إصدار أي قرار لرفع سعر خدماتها أو السلع أو غيرها، وكان العامل المشترك الذي ميز تلك المبررات هو مصلحة المواطن، وتحسين الخدمات وجودتها، التي تقتضي من وجهة نظر تلك الجهات على دفعه لإنفاق المزيد وتحميله أعباء إضافية، بهدف استمرار تأمين الخدمات وتوفير السلع في السوق، بغض النظر عن رأيه في جودتها، خاصة مادة الخبز وخدمة الكهرباء.


أرباح المركزي .. تحصيل حاصل

وأخيراً.. لا ننسى الجهود التي تبذل في القطاع المالي والسياسات النقدية التي عجز عن تفسيرها الاقتصاديون أنفسهم، ولم تؤد بأحسن أحوالها للمحافظة على سعر صرف الليرة السورية، بل واكبت ارتفاع سعر العملات الأجنبية في السوق السوداء، دون أن تشكل سياسات المصرف المركزي وتدخلاته المتكررة أي رادع أو عامل استقرار للأسعار، خاصة مع رفعه سعر بيع الدولار الأمريكي في حملاته التدخلية إلى 383 ليرة سورية، وخفض سعر الدولار للحوالات لحدود 335 ليرة سورية، ما سبب الكثير من الخسائر للمواطنين المعتمدين على المبالغ المحولة لهم من ذويهم في الخارج كمصدر للدخل، وكان ذلك بمثابة مقاسمة ومحاصصة من المركزي لتلك المبالغ، ناهيك عن المنعكسات السلبية الاقتصادية العامة.


عام جديد

واستقبل أغلب السوريين بنتيجة تلك السياسات، بداية عامهم الجديد ببطون خاوية، كما جيوبهم التي تم ويتم إفراغها تباعاً، وخاصة ذوي الدخل المحدود، وأصحاب الدخل المعدوم، سواء من قبل الحكومة مباشرة، أو من قبل حيتان المال والأعمال وفاسدين وتجار أزمة، على الرغم من كثرة الوعود الحكومية بتحسين مستوى المعيشة والخدمات، وبالمقابل يرون التخمة على الشاشات، يمثلها غالباً أصحاب ربطات العنق، باجتماعاتهم وندواتهم ولقاءاتهم المفتوحة، والذين ما فتئوا يتبارون بالوعود الخلبية.