التغيير الديمغرافي  مخاطر سورية جدية
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

التغيير الديمغرافي مخاطر سورية جدية

إن ما يجري في سورية منذ قرابة الخمس سنوات، ينذر بمخاطر جدية وعميقة، على مستوى التغيير الديمغرافي، في البنى المجتمعية السورية، خاصة بظل الممارسات التي تعمل على الفرز السكاني والتطهير (العرقي أو الديني والمذهبي)، الذي يستهدف فئات بعينها هنا وهناك، بغاية تغيير وجه البلد، لاستمرار تكريس التبعية والربط بالمشاريع الغربية المرسومة للمنطقة.

 إن الأساليب التي تتبعها بعض المجموعات المسلحة الفاعلة على الأرض، وخاصة داعش الإرهابية الفاشية وغيرها، عبر إرهاب السكان وترويعهم، من أجل ترك منازلهم بغاية إفراغ بعض المناطق من سكانها، يصب عملياً في خانة التغيير في البنى الديمغرافية لتلك المناطق، وفرض واقع جديد على الأرض، مع مترتباته الاقتصادية والسياسية، عبر الإبقاء على الموالين منهم لهذه المجموعات والقوى، أو استقبال آخرين من مناطق أخرى، (بما فيها من الخارج السوري، بجنسيات متعددة)، وتهجير غير الموالين بأساليب عديدة، بما فيها الأسلوب القسري، إضافة إلى المواكبة الإعلامية، المسيطر عليها استعمارياً، عبر تسويق حالات الذعر والترويع، وتصوير الخلاص عبر النزوح أو اللجوء، دون تقديم أية حلول جدية، لما يعانيه السوريون ويعيشونه من مآسي، أو تشويه ما يطرح من حلول جدية بهذا الصدد.

ناهيك عن جملة من المتغيرات البنيوية بنتيجة الواقع الراهن، وآثارها السلبية على مستوى البنى الاجتماعية، اعتباراً من فقدان التوازن في تعداد الذكور إلى الإناث، حيث تدنى تعداد الذكور بنتيجة الحرب الطاحنة، وتزايدت نسب العنوسة، مع تناقص في أعداد الولادات، وتحول المجتمع من حال الفتوة إلى حال الشيخوخة، مروراً بتدني مستويات المعيشة، وما يرافقها من سلبيات، بما فيها حالات الارتزاق، إلى ازدياد تعداد حالات الإعاقة، والنقص بمستويات الرعاية الصحية، أو فقدانها ببعض المناطق، مما يؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة، إضافة إلى تفشي ظاهرة الأمية لدى النشء الجديد من الأطفال، نتيجة الفقر والنزوح واللجوء، ودمار جزء هام من البنى التحتية للتعليم، وبالتالي ازدياد وتكريس حالة الجهل والتجهيل المجتمعي، وبث روح الحياة في بعض العادات والتقاليد البائدة، مما يسهل استكمال عملية التفسيخ المجتمعي، بغاية السيطرة عليه وإخضاعه أكثر فأكثر لحالة الانقياد، وغيرها الكثير من الانعكاسات والتأثيرات السلبية على البنى المجتمعية وتركيبها العميق.
حيث تشير الأرقام  التقديرية إلى وجود 7 ملايين نازح و3 ملايين لاجئ، معظمهم من حمص وحلب ودرعا ودير الزور، إضافة إلى ريف دمشق وريف حمص وريف إدلب وريف حماه وريف درعا، كذلك محافظة الحسكة ومنطقة الجزيرة، ما يشير إلى رقعة جغرافية واسعة، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، والانعكاسات السلبية لذلك على المستوى المحلي، أو على مستوى بلدان اللجوء المجاورة.
ولا زالت معاول التهديم المجتمعي، (الداخلية والخارجية)، تفعل فعلها، بغاية استكمال الاستهداف، ليطال المناطق العمرانية الكبرى والصغرى كافة في سورية، والبنى السكانية فيها.
وبالتالي فان الحديث عن التغيير الديمغرافي في البنى السكانية والمجتمعية، لا يعني ذاك الشكل المباشر والظاهر للتغيير، عبر انتقال مجموعات سكانية، واستبدالها بأخرى، بل ذاك التغيير العميق في مكونات البنى المجتمعية كافة، الثقافية والفكرية والاقتصادية والأخلاقية والتاريخية والسياسية وغيرها، والتي تتحكم بصيرورة ومستقبل هذه المجموعة البشرية أو تلك، وعلاقاتها مع المجموعات البشرية الأخرى.

رفض الحل الساسي ترويج للعنف وللحل التقسيمي

ولعل أخطر ما يمكن الحديث عنه، وأقبحه على الإطلاق، بنتيجة هذا الواقع المأساوي، هو ما يتم الترويج له بين الحين والآخر، عن التقسيم (ذو الطابع الأثني)، كحل للمأساة السورية، نتيجة التغيير في البنية السكانية داخل البلاد، والواقع الاقتصادي، وحتى السياسي، المفروض عنوة وبقوة السلاح على الأرض، وتبني بعض الدول، وحتى بعض القوى التي تدعي «الوطنية» على الساحة المحلية، تلك الطروحات، وتفريغ ساعات من البث عبر وسائل الإعلام والمنابر والوسائل الإعلامية الأخرى، لهذه الغاية، تتويجاً لتلك الممارسات الفاعلة على الأرض.
حيث يظن المروجون، أن تلك التغييرات الطارئة، باتت أرضية مناسبة، لطرح مثل تلك «الحلول»، بل تنفيذها والإعلان عنها جهاراً أحياناً، ما يهدد عملياً وحدة النسيج المجتمعي السوري، ووحدة الأراضي السورية، ومغيبين بآن انعكاسات تلك الحلول السلبية حكماً، على الدول المجاورة مثل (لبنان والعراق والأردن، وحتى تركيا)، إقليمياً، وغيرها على المستوى الدولي.


إطالة أمد الحرب والعسكرة.. كارثة

إن إطالة أمد الحرب، وعدم الإقرار بضرورة إيجاد الحلول السياسية، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، أو رفضها وزيادة الترويج للحلول العنفية والعسكرة، يعني فيما يعنيه، الانغماس عميقاً في تنفيذ مخططات الغرب الاستعماري، وأدواته الفاعلة على الأرض، وهدر الوقت الذي يعني المزيد من الدماء والدمار، والتغيير في البنى المجتمعية، تمهيداً لخلق ظرف مؤاةٍ لاعادة ترتيب المنطقة، عبر إعادة تقسيمها، وفق رؤية شبيهة بـسايكس بيكو، مع تشظٍ أكبر، وعداوات أكثر جذرية بين البنى التقسيمية الناشئة، التي تصب عملياً وبنهاية المطاف بمصالح الدول الاستعمارية، وأدواتها التنفيذية، من داعش وسواها، أي الكارثة بمعناها ومضمونها كاملاً، الآني والمستقبلي.
مع الأخذ بعين الاعتبار، تلك المساعي من بعض القوى الفاعلة، (محلياً وإقليمياً ودولياً)، الرامية إلى تأجيل البحث بالحلول الممكنة لبعض القضايا الشائكة، أو عرقلة حل بعضها، ومنها ذاك التغيير في البنى المجتمعية، الجاري عملياً، بغاية ترك تلك المشاكل والقضايا معلقة، كألغام قابلة للانفجار في اللحظة الزمنية المناسبة لتلك القوى مستقبلاً، مع تداعياتها وتداخلاتها وأساليبها، بما فيها الحروب والاقتتال والفتن.


الحل السياسي ومحاربة قوى الإقصاء

العمل من أجل، (إنهاء المأساة السورية، والتمسك بوحدة النسيج المجتمعي والأراضي السورية، وتفويت الفرص أمام تلك القوى الاستعمارية)؛ يبدأ اعتباراً من التوافق على ضرورة وأهمية الحلول السياسية، وتوحيد الجهود من أجل محاربة واجتثاث تلك القوى والمجموعات المسلحة على الأرض، التي تتبنى الفكر الإقصائي عقيدةً وممارسةً، وتعرية وفضح داعميها ومموليها والمسوقين لها، وتعزيز التحالف مع تلك القوى الفاعلة، محلياً وإقليمياً ودولياً، المؤيدة عملياً لهذا التوجه والجادة به، وإعادة الاعتبار لذاك التوازن الدولي، القادر على منع تلك المخططات الاستعمارية التقسيمية، والهدامة بشكل عام.
كما أن إعادة توطين الأهالي في المناطق التي تمت استعادة السيطرة عليها، وإعادة تأهيل بناها التحتية، يعني ممارسة عملية تصب بخدمة هذا التوجه، إضافة إلى أهمية تذليل الصعوبات والعقبات كافة، أمام عودة السوريين من بلدان اللجوء ومخيمات العار فيها، وغيرها الكثير من الإجراءات والممارسات، (صغيرها وكبيرها)، مما يمكن أن يساعد بهذا التوجه، خاصة مع إدراكنا؛ أن التغييرات البنيوية العميقة تحتاج إلى وقت طويل نسبياً، وبالتالي لازالت الإمكانات متاحة،( وليست دائمة)، أمام تلك القوى الجدية لتفعل فعلها الإيجابي بهذا الصدد، وتحديداً الاستثمار الإيجابي لعامل الزمن.