تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
السوريون يرفضون شراء «الأغراض المسروقة».. و«التعفيش» ظاهرة تزدهر في مناطق عديدة

السوريون يرفضون شراء «الأغراض المسروقة».. و«التعفيش» ظاهرة تزدهر في مناطق عديدة

تمتلئ أرصفة شارع «بغداد» بالبضائع التي يعرضها أصحابها وتبدأ البضاعة من الملاعق ولا تنتهي عند غرف النوم, وسيجد المتجول في هذه الأسواق بسطات للأدوات الكهربائية والأحذية والملابس الجديدة والمستعملة وقد تجد أثاث منزلك وثياب أفراد العائلة معروضة على تلك الأرصفة.

يطلق السوريون في مختلف محافظاتهم اسم سوق «الحرامية» على مثل هذه الأسواق، التي وبسبب الأزمة ازدهرت وبات يوجد سوق «حرامية» في كل حي وكل حارة.

العنف و«التعفيش الحلال»!

ترك قسم كبير من السوريين منازلهم دون حراسة أو تأمين, لذلك صارت بيوتهم مرتعاً للصوص والحرامية الذين صاروا يحللون ويحرمون السرقات حسب أهوائهم. وأسس هؤلاء الأشخاص ظاهرة أطلق عليها السوريون «التعفيش», حيث يقوم عناصر من الأطراف المتقاتلة في سورية على سرقة ونهب محتويات المنازل التي كان أصحابها يحسبون على الطرف المعارض لهم ومن ثم بيع أثاث تلك المنازل لحسابهم الشخصي.
يقول «أبو سومر»، وهو قائد إحدى المجموعات التابعة لما يسمى باللجان الشعبية، «يوجد لدينا أثاث منزل كامل، حتى الأبواب والشبابيك والحنفيات موجودة لدينا». ويضيف «البضاعة المعروضة لدينا هي أغراض اشتريناها من أصحابها الذين قرروا السفر خارج سورية ولا يستطيعون حمل هذه الأشياء معهم».
وعن الأسعار يقول أبو سومر «نحن نبيع بأسعار مخفضة كي نساعد الناس على الاستقرار، حيث يوجد عدد كبير من العائلات التي فقدت منازلها ولم يتبق منها شيء ويريدون إعادة إعمار منازلهم ولا يملكون أن يدفعوا ثمن الأغراض الجديدة».
ويتابع حديثه قائلاً «توجد لدينا برادات أسعارها تبدأ من عشرة آلاف ليرة وصولاً إلى مئة ألف ليرة، كما يوجد لدينا أفران غاز وغرف صالون وغرف نوم وأدوات المطبخ والكهربائيات وأبواب وشبابيك مستعملة كلها للبيع».
«أم سليم» تسكن في إحدى المناطق التي تسيطر عليها قوات «الدفاع الوطني». وتقول أم سليم «يوجد عدد من المنازل في منطقتنا لم يعد إليها أهلها، ونتيجة لهذا الغياب قام عدد من العناصر بخلع أبواب المنازل وسرقة محتوياتها. وبحسب هؤلاء العناصر، هذه عقوبة للخونة الذين كانوا يسكنون في هذه المنازل»، وتضيف «عندما اشتكينا إلى قائد الحاجز قام بمحاسبة العناصر لكنهم لم يرتدعوا».

المواطن ضحية الصراع

ظاهرة التعفيش ليست حكراً على المناطق التي هي تحت سيطرة «الدفاع الوطني»، بل أيضاً التي توجد في المناطق التي سيطرت عليها المجموعات المسلحة التي قامت بمصادرة أملاك وأثاث المواطنين الذين كانوا يحسبون على الموالاة.
وفي هذا السياق يقول «أبو سعيد»، من سكان إحدى مناطق ريف دمشق، «دخلت المجموعات المسلحة إلى منطقتنا وخرجنا وتركنا منازلنا كما هي، لكنني بعد فترة وجدت برادنا الخاص وتلفزيوننا وعدداً من أغراضنا معروضة للبيع في إحدى القرى المجاورة لمنطقتنا. وعندما طالبت البائع أن يعيدها لي، وقلت له أن هذه الأغراض عائدة لي. قال إذا أردت أن تستعيد أغراضك أدفع ثمنها».
ويتابع «أنا خرجت من منزلي ولم أخرج معي سوى ثيابي التي علي، وعندما قطعنا الأمل بالرجعة إلى منازلنا صرنا نبحث عن منزل كي نستأجره وعفش كي نجلس عليه ولكنني لا أملك النقود كثمن للأغراض الجديدة، لذلك صرت أبحث في سوق المستعمل فوجدت أغراضي معروضة في سوق الأدوات المستعملة».

من يشتري «المستعمل»

توقف عدد  كبير من المصانع والمعامل التي كانت تصنع وتنتج الأغراض المنزلية وأثاث المنازل في سورية بسبب الأوضاع الأمنية وبسبب تهدم المعامل في المناطق الصناعية مثل حلب وريف دمشق, كما أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سورية إلى توقف توريد عدد كبير من البضائع التي كانت تدخل إلى البلد. لذلك ازدهر سوق المستعمل في المناطق السورية.
تبحث «أم رشيد» بين كومة من الأغراض المستعملة ملقاة على الرصيف، ينادي البائع أي غرض بعشر ليرات.
وتقول أم رشيد «نزحنا من منزلنا ولم نخرج معنا سوى بعض الثياب التي كنا نرتديها على أمل أننا سنعود إلى المنزل بعد أيام قليلة لكن هذه الأيام صارت شهوراً، ولا نملك أي أثاث لذلك أشتري حاجيات المنزل من عند بائعي الخردوات المستعملة كوني لا أملك النقود ثمناً للمواد الجديدة».
وعند سؤال «أم رشيد» إذا كانت تشتري مواداً قد تكون مسروقة، قالت «أنا اشتري على ذمة البائع، وهو يقول أن هذه الأغراض أشتراها من أصحابها الذين يريدون السفر أو الانتقال إلى أماكن أخرى». وتابعت «هناك بعض الباعة في المنطقة يسرقون المنازل المهجورة ويبيعون أثاثها ونحن نرفض الشراء منهم أو التعامل معهم لأن ذلك يعتبر تشجيعاً لهم».
بدورها ترفض «أم إسماعيل» شراء أي غرض إذا كان مسروقاً، وتقول «هناك بعض العناصر يفاخرون بأنهم يسرقون أثاث المنازل ويبيعونه، وأنا أرفض شراء أي من بضاعتهم حتى ولو كانت أرخص من باقي البضائع المعروضة لأنه في كل مرة نشتري منهم نشجعهم على السرقة مرة ثانية وثالثة....».

خيارات مُرة..

في حين يبحث «عدي» بين المحال التي تعرض الأثاث المنزلي المستعمل عن سرير لوالدته المقعدة، ويقول «اضطرتنا الأوضاع الأمنية في منطقتنا إلى ترك منزلنا والخروج منه دون أن نتمكن من اصطحاب أغراضنا معنا، وبعدها أقمنا في أحد مراكز الإيواء لكن ظروف المركز لم تكن جيدة واضطررنا إلى المغادرة. وأنا لدي والدة مقعدة وتعاني من وضع صحي صعب، والمنزل الذي نقيم فيه حالياً لا يوجد فيه أي أثاث ووالدتي بحاجة إلى سرير كي تستخدمه، وأقل سرير خشبي سعره يتراوح بين السبعة آلاف ليرة والعشرين ألف، لكني لا أملك ثمن أرخص سرير لذلك لازلت أبحث علّني أجد سريراً يكون سعره مناسباً حتى ولو كان هذا السرير من البضائع المسروقة».
أما «أبو عامر»، وهو من الذين نزحوا مع عائلاتهم، فيتحدث عن معاناة العائلة قائلاً «نحن هجّرنا من منزلنا، وبعد ستة أشهر عدنا إلى منزلنا لكننا وجدناه مسروقاً ولم نعرف من الذي قام بسرقته، لذلك اضطررنا إلى شراء المواد الأساسية من براد وتلفاز وبعضاً من الأدوات التي نحن بحاجة ماسة لها».
وعن شرائه للأغراض «المسروقة» يقول أبو عامر « سُرِقت أغراض منزلي ولا أملك نقوداً لشراء أغراض جديدة، ومؤكد من سرقها (الأغراض) باعها وهناك من اشتراها. وأنا وصلت إلى مرحلة لم أعد أكترث لأي شيء، فالمهم بالنسبة لي أن أؤمن حاجياتي الشخصية».

الإجراءات الأمنية الغائبة

بعد الانتشار الكبير لظاهرة «التعفيش» اتخذت الجهات الرسمية المختصة قراراً ينص على ضرورة اصطحاب ورقة مصدقة من مختار الحي الذي يريد صاحب العفش إخراج أثاثه وأغراضه منه، وتنص الورقة على أن هذا الشخص هو فعلاً المالك الحقيقي لهذا العفش, كما يجب أن تتضمن هذه الورقة قائمة بكافة الأغراض التي يريد الشخص نقلها من مدينة إلى أخرى.
وعن ذلك يقول «أحمد .ح»، وهو مختار في إحدى مناطق ريف دمشق، «نحن نختم عشرات الأوراق شهرياً، يطلب فيها أصحابها إخراج أثاثهم من منطقة إلى مناطق أخرى».
ويتابع «إن هذه الإجراءات حدت نوعاً ما من عملية السرقة ومحاولات إخراج الأغراض المسروقة خارج المنطقة وبيعها في مناطق أخرى. لكن حتى هذه الإجراءات ليس كافية، لأنه وبكل بساطة يمكن أن يحضر التاجر الذي اشترى الأغراض المسروقة عقد إيجار ويضمنه الأغراض المسروقة وبذلك يخرجها من جديد ويبيعها في مناطق أخرى», وأضاف أحمد «نحن بحاجة إلى فرض عقوبات شديدة بحق السارقين الذين- ومع الأسف- يقومون برشوة بعض العناصر ويهربون بفعلتهم دون أي رقيب أو حسيب».