الحسكة.. غياب للدولة!

الحسكة.. غياب للدولة!

رغم مخاطر ودلالات ارتفاعات الاسعار الحكومية وتعبيرها عن سياسة متناقضة مع مصلحة اغلبية السوريين ، يتطلع سكان محافظة الحسكة، بكافة مدنها وبلداتها وقراها، إلى تطبيق الأسعار الرسمية للمواد الأساسية، إذ تعد تلك الأسعار رحيمة رغم زيادتها الأخيرة مقارنة بواقع الحال الذي تعيشه المحافظة.

ويغيب أي دور حكومي في المحافظة التي تعيش على مايقدمه لها تجار السوق السوداء من المواد الأساسية لاستمرار الحياة، والتي كان تقديمها مقتصراً على الجهات الحكومية المسؤولة، وبينما يتذرع المسؤولون في المحافظة بالأزمة السورية وتبعاتها ومخاطر الطرق بين المحافظات، ينجح تجار السوق بإيصال كل بضائعهم بأمان.

مقارنات

تعد زيادة أسعار شرائح استجرار الكهرباء، التي أعلنت عنها الحكومة قبل أيام، غير ذات قيمة في محافظة تصل فترة التقنين فيها لأكثر من 20 ساعة، وتعتمد عائلاتها على مولدات خاصة لتأمين التيار الكهربائي لساعات محددة وبتكاليف كبيرة جداً في ظل سيطرة التجار أيضاً على المحروقات التي يحتاجها تشغيل هذه المولدات.
كما أن زيادة أسعار المياه الأخيرة، تندرج في نفس السياق، فأحياء كثيرة في مدينتي الحسكة والقامشلي تشتري خزان الماء سعة ألف لتر بألف ليرة، وهو حال مستمر منذ نحو عامين ويشتد في فصل الصيف، ليشمل أحياء أخرى، وليصبح مشهد خزانات بيع المياه جزءاً من اليوميات في حياة السكان.
وينطبق الحال على الخبز والبنزين والمازوت والسكر والأرز والدواء، وكل ماهو أساسي في حياة الناس، ليضع أبناء المحافظة المهمشة حكومياً، إضافة للنازحين القادمين إليها من المناطق الساخنة، أمام المطالبة الجدية بتطبيق الأسعار الحكومية «الرحيمة» مقارنة بالسوق السوداء التي لاتعرف الحدود.

غياب مؤسسات الدولة
أقرت الحكومة عبر وزارتها المختلفة، مجموعة من الزيادات على أسعار المواد الأساسية بينها الخبز والمواد التموينية والكهرباء والماء، وسط انتقادات واسعة لسياسة اقتصادية مجربة أثبتت فشلها، إلا أن الواقع المرير للحسكة يجبرها على «الترحيب» بهذه الزيادات على أمل أن تترافق مع عودة لمؤسسات الدولة الخدمية الغائبة عن الحياة من دون مبرر.
فعلى الرغم من تصنيف المحافظة الواسعة كمنطقة آمنة خاضعة لسيطرة الدولة، باستثناء بعض المناطق الريفية النائية، فإن دور مؤسسات الدولة المدنية شبه معدوم، لدرجة يمكن أن يطلق عليها أنها محافظة خاضعة لسيطرة الدولة عسكرياً وأمنياً، وخاضعة لسيطرة التجار اقتصادياً واجتماعياً.
ويمكن أن تكون المطالبة بتطبيق الأسعار الرسمية، وفرض رقابة على الأسواق والمنتجات الوطنية والالتزام بتسعيرتها، رغم مأساويتها، بمثابة تسوية أو مصالحة من نوع آخر، تمهد لتخفيض الأسعار بشكل عام من خلال ترسيخ وجود مؤسسات الدولة الخدمية ولاسيما الرقابة والتموين، وسيطرتها على الحركة التجارية المتروكة من دون رقيب.