نازحون بحكم السياح في دمشق.. «ضريبة» المنزل «الآمن» تزداد يومياً

نازحون بحكم السياح في دمشق.. «ضريبة» المنزل «الآمن» تزداد يومياً

«شعرت بأنني سائح في دمشق، علماً أنني سوريٌ أباً عن جد، ظروفي الصعبة وخسارتي لكل ما أملك في مدينة  دوما بريف دمشق، لم تؤثر على صاحب هذا المنزل من الناحية الإنسانية كي يقوم بخفض الآجار، أو على الأقل ألا يقوم برفعه بعد مضي 5 أشهر من إبرام العقد بيننا»، بهذه الكلمات بدأ عربي ذو الـ60 عاماً متذمراً من حالته، التي باتت حال أغلب الوافدين إلى دمشق من المحافظات المنكوبة بحثاً عن مكان آمن

وأضاف «عربي» إن «صاحب المنزل الذي أقطن فيه حالياً أنا وعائلتي المؤلفة من 7 أشخاص في منطقة ركن الدين (عشوائيات)، قام برفع الآجار من 15 ألف ليرة سورية شهرياً إلى 18 ألف، وذلك  في الشهر الخامس من العقد المبرم بيننا لمدة 6 أشهر، مبرراً ذلك أنه ضرورة نتيجة غلاء الأسعار، طالباً مني الالتزام بالدفع، وإما أن أبحث عن منزل آخر».

البحث عن منزل آخر بالمنطقة ذاتها هو الحل الوحيد أمام عربي، لكنه ليس بالسهل ولن يكون مناسباً لمدخوله الشهري مهما حاول، حيث تابع حديثه قائلاً: «ليس أمامي خيار سوى البحث عن منزل آخر فمدخولي الشهري لن يكفيني لدفع الآجار حتى لو لم تم إلغاء باقي المستلزمات من حاجيات معيشتي، لكن للأسف حتى الآن لم أجد منزلاً بديلاً، فكل الأسعار متقاربة من السعر الأخير الذي طلبه صاحب العقار الحالي».

العقد المكتوب والذي نظّم عملية الآجار بين عربي وصاحب العقار، يتضمن رقماً مختلفاً عما تمَّ الاتفاق عليه شفهياً بينهما حتى في السعر الذي سبق رفع الآجار الأخير، فأمام البلدية كتب العقد بين الطرفين بمبلغ شهري قدره 7 آلاف ليرة سورية فقط، ومع ذلك لم يستطع عربي إلا وأن يدفع 15 ألفاً شهرياً لصاحب المنزل، وربما قد يضطر أن يدفع الـ18 ألفاً الأخيرة مضطراً، كي لا يخسر مأوى لـ7 أشخاص نازحين.

نازحون مهددون بالنزوح

«عربي»، لم يكن النازح الوحيد الذي عانى  قضية رفع الآجارات فوق المستطاع، ولم يكن الضحية الوحيدة لجشع أصحاب العقارات، حيث قال «أبو رامي»، من إدلب، مستأجر آخر في منطقة ضاحية قدسيا إنه «منذ عام ونصف تقريباً، استأجرت منزلاً غير مفروش في منطقة قدسيا بـ7 آلاف ليرة سورية شهرياً، ورغم أن العقد بيني وبين صاحب الآجار أمام البلدية كان 3 آلاف ليرة سورية فقط، إلا أنني التزمت بدفع المبلغ الذي اتفقنا عليه شفهياً، لكن ومع حركة النزوح الأخيرة وزيادة الطلب على الآجارات في المنطقة، أخل صاحب المنزل حتى بالإتفاق الشفهي».

وأضاف «أبو رامي» إن «صاحب المنزل طلب مني مؤخراً، أجراً شهرياً يساوي ضعف الآجار المتفق عليه سابقاً، أي 14 ألف ليرة سورية شهرياً، بحجة غلاء الأسعار وارتفاع الطلب في ظل حركة النزوح التي تشهدها المنطقة، وهددني بأنه في حال لم ألتزم بدفع هذا المبلغ، هناك عائلات كثيرة تنتظر المنزل ذاته بالسعر الذي يريد، وذلك يرتب علي الخروج مرغماً بانتهاء عقدي».

وأردف «دخلي الشهري حوالي الـ20 ألف ليرة سورية، وهو ثابت منذ عامين، ولم يرتفع بارتفاع الأسعار، وإن قبلت بالسعر الذي يريده صاحب المنزل سأضطر لدفع حوالي 75% من راتبي لقاء البقاء في هذا المنزل، مايسبب لي خنقة مالية كبيرة قد لا أحتملها، فأنا المنتج الوحيد في المنزل الذي يحوي 3 أشخاص ضمنهم طفل رضيع».

دمشق ضاقت بسكانها..

بعيداً عن أحوال النازحين، لم يكن سكان دمشق أنفسهم بمعزل عن أزمة الآجارات، فقد عانى الكثير منهم من رفع سعر الآجار إلى أكثر من ضعف ما كانت عليه منذ قرابة العامين، وقد شكل ذلك أزمة حقيقية لأصحاب الدخل المحدود والموظفين الذين لم يطرأ أي تغيير على رواتبهم رغم اختلاف سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وفقدان الأخيرة حوالي نصف قيمتها أو أكثر.

لاتوجد ضوابط محددة من محافظة دمشق تضمن حقوق المستأجر إن تم رفع آجار العقار عليه مهما كانت نسبة الرفع، طالما كان العقد المسجل لديها يتضمن مبلغاً مختلفاً تماماً عن مايتم الاتفاق عليه شفهياً بين طرفي عقد الآجار، ورغم أن من يقوم بتسجيل العقد في البلدية يعي تماماً بأن أجرة المنزل في دمشق تفوق الـ3 آلاف ليرة سورية منطقياً وبكثير، إلا أنه لايملك حق التدخل بهذا العقد.

وحول هذا الموضوع، قال رئيس لجنة التقييم العقاري في محافظة دمشق، ومعاون مدير التنظيم والتخطيط العمراني «جمال اليوسف» لصحيفة «قاسيون»: «إنه يمكن تقييم آجار عقار ما عن طريق لجنة مختصة من محافظة دمشق، تقوم بتقييم الأرض التي أقيم عليها العقار، ومكان هذا العقار، وكلفته وما إلى ذلك من أمور، وعلى هذا يكون آجار العقار بالسنة بنسبة 3 إلى 7% من قيمة العقار المراد استئجاره ككل».

وأردف إن «العقود التي تبرم باتفاق الطرفين أمام البلدية لايمكن التدخل بها، فالعقد هو شريعة المتعاقدين، وفي حالة حدوث أي خلاف بين الطرفين يتم الرجوع إلى العقد فقط، وليس للاتفاق الشفهي، فالقانون يحمي ملكية مالك العقار في هذه الحالة، ولكن يستطيع المستأجر الذي يشعر بالغبن أن يرفع دعوى تخمين ضد المؤجر، حتى يتمكن من تثبيت الآجار حسب القيمة الحقيقية، ويبت بهذا في القضاء وليس لدى المحافظة».

تهرب ضريبي

وعن شرعية تثبيت العقد أمام البلديات بقيمة مختلفة عما هو متفق عليه شفهياً، قال «اليوسف» إن «هذا التصرف غالباً يتم للتهرب من الضرائب، وفي حال تم إثبات هذه الحالات، يفسخ العقد المثبت ويلاحق المؤجر مالياً، ويتم تكليفه بالقيمة الحقيقية».

 حديث «اليوسف» صعب التطبيق في ظل اتفاق الطرفين على العقد أمام البلدية أو المحافظة، عدا عن وجود عمليات آجار مخالفة للقانون وهي التي تتم بين الطرفين دون أي عقد مثبت لدى الجهة المعنية.

وأردف «اليوسف» إن «اختلال التوازن بين عمليات العرض والطلب، هو ما أدى إلى مشكلة الآجارات ورفع الأسعار، وذلك نتيجة الزيادة الكبيرة في الطلب» مشيراً إلى أنه «هناك مخططات كثيرة تعمل عليها محافظة دمشق، من شأنها أن تضبط زيادة الطلب على السكن في دمشق وريفها، فكلما زاد العرض انخفض الطلب، وانحسرت المشكلة».

تقديرات غير رسمية ومليارات الإعمار

اشتداد الأزمة التي تمر بها سورية، كان منشطاً لحركة الإيجارات في الأسواق العقارية، حيث شهدت ارتفاعاً غير مسبوق، وصلت معه لأرقام لا تتناسب ووضع السوريين النازحين من مناطقهم الساخنة إلى المناطق الأكثر أمناً داخل المدن وفي مقدمتها مدينة دمشق، والمناطق الهادئة بريفها.

وفي عملية رصد لسوق آجار العقارات السورية في الأزمة وبالأماكن الباردة، وصلت الإيجارات في جرمانا، وضاحية قدسيا، وغيرها إلى أرقام تتجاوز الـ 30 ألف ليرة للشقق المفروشة شهرياً، و18 ألفاً للشقق غير المفروشة، فيما وصلت الأسعار إلى 70 ألف ليرة للشقة المفروشة في منطقة شارع بغداد والتجارة ومشروع دمر.
ولا توجد تقديرات رسمية لعدد المساكن المتضررة نتيجة الأحداث التي تشهدها سورية، فقد بلغ عدد المساكن المهدمة بشكل كامل 300 ألف مسكناً حسب تقديرات الخبراء حتى شهر أيلول العام الماضي، والمتضررة بشكل جزئي حوالي 250 ألف مسكن، وما تضررت بنيتها التحتية بما يقارب 400 ألف مسكن، وبحسب هؤلاء الخبراء فقد تم تقدير احتياج القطاع العقاري لإعادة إعماره بحوالي 60 مليار دولار وهو قابل للزيادة بظل استمرار تضرر هذا القطاع يومياً.