كيف أصبحت شيوعياً؟

كيف أصبحت شيوعياً؟

ضيفتنا لهذا العدد الرفيقة القديمة المربية أسماء كامل صالح:

 - الرفيقة المحترمة أم فرج.. نرحب بك ونحييك، ونسألك أن تحدثينا كيف أصبحت شيوعية؟

أشكركم على اهتمامكم بالشيوعيين القدامى، وأعبر عن سروري بلقاء قاسيون لإفساحها المجال أمامي لأتحدث عن مرحلة عشتها بكل تفاصيلها، فهي باختصار مسار حياتي ونضالي إلى جانب الرفاق والرفيقات من أجل عزة وطننا وسعادة شعبنا...

أنا من مواليد قرية القلعة بجرد محافظة طرطوس، جدي الشيخ العلامة سليمان الأحمد، وهو من أوائل المصلحين والساعين لتعليم البنات، ووالدي الشيخ كامل صالح وهو شاعر ومصلح اجتماعي معروف، ووالدتي الشاعرة فتاة غسان التي اشتهرت بشعرها الاجتماعي الإصلاحي منذ بداية القرن الماضي.

تلقيت تعليمي الابتدائي والإعدادي والثانوي في ثانوية بنات اللاذقية، ثم التحقت بجامعة دمشق قسم اللغة العربية وآدابها، وحصلت على إجازتي الجامعية في العام الدراسي /1954 ـ 1955/، وبعدها عملت في مجال التدريس بثانويات دمشق (مكتب عنبر، الثانوية الرابعة، الثانوية السابعة).

وقد شدني إلى الحزب إيماني بالعدالة الاجتماعية وكرهي الشديد للاستغلال والظلم، وكانت مجلة الطريق نافذتي الأولى على الفكر العلمي الثوري، فقد بدأت بمطالعتها منذ المرحلة الإعدادية، كما اطلعت على الكثير من الأدب السوفييتي إضافة للمناخ الديمقراطي الذي عاشته أسرتنا، وبعد تخرجي من جامعة دمشق درست البيان الشيوعي، ثم توجهت للانتساب إلى الحزب الذي كان لمناضليه أثرهم الكبير في نفسي، فقد كانوا بحق النماذج التي تجسدت فيها الشجاعة والبذل، وكان لسلوكهم وأخلاقهم الشيوعية التأثير الواضح في جذب آلاف الشباب والشابات للالتفاف حول الحزب.. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها الموقف الشجاع للرفيق المحامي عبد الكريم طيارة والمحامي محمد حكيم وخالد كالو في الدفاع عن الفلاحين في وجه أكبر وأشرس إقطاعي في طرطوس.

وهكذا بدأ نشاطي الحزبي وبخاصة في صفوف النساء، فعملت في رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة، وأعتز أنني كنت واحدة من الرفيقات اللاتي تقدمن بطلب الترخيص الرسمي للرابطة التي كانت قد أنشئت في عام 1949. ومن الرفيقات أسماء الحمصي وجميلة حيدر، كان الجميع يعمل ليل نهار لتوعية النساء وجذبهن إلى صفوف الرابطة والحزب، عن طريق اللقاءات والندوات والاجتماعات الشعبية في كل المناسبات الوطنية والأممية مثل عيد الجلاء وتأسيس الحزب وعيد ثورة أكتوبر وعيد العمال وعيد المرأة العالمي. وقد شاركت في العديد من مؤتمرات الحزب والرابطة، وحضرت الاجتماع التحضيري في القاهرة تمهيداً لمؤتمر النساء العالمي، وفي القاهرة تعرفت إلى المناضلة الشيوعية الفنانة التشكيلية «انجي أفلاطون»، كما تدربت على السلاح في المقاومة الشعبية أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وفي عام 1957 كنت في عداد الوفد السوري للمهرجان العالمي للشباب الديمقراطي في موسكو.. وعندما شنت الحملة البوليسية الشرسة على الحزب عام 1959 تعرضت مثل آلاف الرفاق للاعتقال والتعذيب النفسي والجسدي.. اعتقلت من بين طالباتي في الثانوية وأنا داخل الصف، وأذكر أن إحداهن وقد التقيتها لاحقاً كزميلة في التدريس بدار المعلمين قالت إنها كانت بين طالباتي حين اعتقلت وحدثتني عن تأثير ذلك المشهد على جميع الطالبات.

لقد أديت واجبي بكل صدق وإخلاص، وقمت بتنفيذ كل المهمات التي كلفت بها، وقد سرحت من عملي في التعليم عام 1959 وعدت إلى العمل بالتدريس بعد ست سنوات، فدرّست في ثانوية بنات اللاذقية التي كنت طالبة فيها.

تعرفت إلى زوجي الرفيق المحامي علاء الدين الرفاعي في موسكو، وهو من الشيوعيين المعروفين، وكان صديقاً للرفيق الشهيد المعلم سعيد الدروبي.

أيها الرفاق.. إنني اليوم أحس بالألم والمرارة لما آلت إليه حال الحزب من انقسامات وتمزق وتشرذم وضعف أبعدنا عن الجماهير وأبعد الجماهير عنا، وأرى أن الواجب الوطني والطبقي يقتضي أن نعمل جميعاً داخل التنظيمات الحزبية وخارجها، بكل جد وإخلاص، من أجل أن يستعيد الحزب مكانه الطبيعي في مقدمة المناضلين ليقوم بدوره دفاعاً عن الوطن والشعب، وأملي كبير بالرفاق الشباب فهم الأمل والرجاء.