دستور ورئيس... الدين لله والوطن للثمانين بالمائة
عيسى المهنا عيسى المهنا

دستور ورئيس... الدين لله والوطن للثمانين بالمائة

وليكن الدستور بكامله وليس المادة الثامنة منه.. ذلك ما أعلنه رئيس الجمهورية العربية السورية في أحد خطاباته التي وجهها إلى الشعب السوري بكامل تكويناته (دون استثناء أحد) بعد مطالب شعبية ووطنية ملحة بتغير المادة الثامنة من هذا الدستور. وبخطوات تنفيذية إجرائية أعلن منذ فترة ليست ببعيدة قرار جمهوري يتضمن أعضاء لجنة إعداد مسودة للدستور.(1)

ما أعلن هو تغيير الدستور وليس مادة واحدة كما طالبت قوى مختلفة على الأرض بعد أن بات ضرورة موضوعية وحاجة ملحة بفعل مرور عقود عدة على الدستور الحالي، والذي ترافق مع تغيرات بنيوية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وجاءت الاستجابة على مستوى القيادة السياسية للبلد بتشكيل هذه اللجنة.

وللدستور بداية قواعد أساسية يجب الارتكاز عليها كجامع لأبناء الجغرافيا الواحدة أصحاب التاريخ المتداخل المشترك، ضامنٍ لسيادة واستقلال هذه الأرض واسترجاع المغتصب والمسلوب منها، محققاً العيش الكريم لأبنائه، مانحاً إياهم مساحة للحرية لا تتضارب مع مصالح الوطن، ومساوٍياً بينهم بالحقوق والواجبات. وفي جوهره هو خلاصة الجهد الإنساني للتوصل إلى مجموعة قوانين ناظمة لحقوق وواجبات الأفراد والجميع في ظله سواسية. (2)

إن الأزمة الاجتماعية المتولدة من الأزمة الاقتصادية (أصابت الجميع وأثرت بهم)، لا يفترض أن تفرض شروطها السياسية من وجهة نظر طرف على حساب آخر، ولا يفترض أن تكون فرصة لتكريس المصلحة الفردية أو الفئوية على حساب المصلحة الوطنية الجماعية، على الأقل من باب الانسجام مع الحرية والديمقراطية التي أعلنت طوال فترة الحدث السوري، دون تجاهل للحقوق أو تكافؤ الفرص والمواطنة من جهة واعتبار القوى الأخرى جزءاً تاريخياً فاعلاً في هذا البلد كاملة الحضور وليس على أساس عددي كما افترض بعض أعضاء لجنة الدستور(3)، بل على أساس المواطنة الكاملة حقوقاً وواجبات وانتماءً وتاريخاً من جهة أخرى.

فعندما تخضع المادة الثامنة من الدستور للتغيير فلا تحفظ على أي من مواده الأخرى ضمن رؤية وطنية تخدم استمرار مكونات البلد لمصلحة وجوده قوياً متيناً في المستقبل غير المنظور، لأن انكسار أي من الأطراف بفعل الإهمال الحميد والإغفال السلبي وإظهار عكس المبطن... له تداعيات خطيرة على مستوى استمرار الجغرافيا السورية ديموغرافيا على أساس غير كمي، وذلك لما ساهمت بتقديمه هذه الفئة وحواملها البشرية ثقافياً وفكرياً وعلمياً للإنسانية جمعاء وسورية بشكل خاص، وباعتبارها مركزاً إنسانياً تاريخياً معطاءً خلاقاً إذا اعتمدنا على ما تنطق به آثار سورية وافترضنا صحة المقولة التي يتغنى بها كل السوريين على لسان مدير متحف اللوفر الأسبق اندريه بارو «إن على كل إنسان متمدن في العالم أن يقول، إن لي وطنين وطني الذي أعيش فيه وسورية».

فإقصاء أي حامل أساسي لدور في ذاك الأثر أو تلك المقولة هو القضاء على قيم التفاعل والحوار والانفتاح وتكريس مظاهر الانغلاق والاستعلاء وإنهاء هاجس السوريين الحضاري في الإبداع(4) ضمن أولويات وطنية مفترضة معتمدة أساساً نظرياً مموهاً برومانسية العصرية والمدنية مستفيدة من الحرية والديمقراطية شعاراً مرحلياً يمكن الاستفادة منه لخدمة الهدف الضيق... ويصبح الفعل هنا غاية حقيقية تتمثل في إقصاء الآخرين كخطوة للقضاء على وجود من تبقى منهم كفئات تعتبر اليوم مرتكزاً واستمراراً لمن أراد أن يقرر ويبت وينهي من زاويته ومن وجهة نظره فقط، معتمداً على التفوق العددي متسلحاً بذهنية يحملها البعض تفترض تفوقها كمبررٍ لفعل يظن أنه يهدد استمراره بصفته الفردية، ويدفع باتجاه حرمان الثقافات الأصلية من أن تعبر عن ذاتها وطنياً وإنسانياً ومعرفياً، وصولاً للقضاء وبشكل نهائي على التراكم المنجز حضارياً وإنسانياً عن طريق تقليص حقها السياسي بتفويت فرصة الوصول إلى الرئاسة، وبالتالي عدم الاعتراف بوجودها كجزء من وطن.. وكفئات لديها شعور كامل بالانتماء والمواطنة رفضت التخلي عن موطنها الأصلي رغم الدعوات والتهديدات المتكررتين منذ أكثر من 150 عام (راجع الهامش)، (منها الآشورية والسريانية والكلدانية والأرمنية واليزيدية والصابئة والزردشتية).

فاعتماد نسبة الثمانين بالمائة من السكان مسلمة يفرض رئيساً مسلماً هو تصور  تحييدي للنسبة الباقية معتمداً أساساً كمياً وتفوقاً عددياً، وبالتالي التعامل مع هذا الأصل  كمواطن درجة ثانية عبر حرمانه من ممارسة انتمائه ووطنيته ولو عبر فرصة رئاسية تتناقض مع مدنية الدولة أولاً ومع علم الاجتماع الرياضي ثانياً، على أساس أن الثمانين بالمائة هي أربع أخماس المائة والعشرين بالمائة هو الخمس الباقي- على أساس المعتقد الديني- ووفق المبدأ الاحتمالي، ففرصة العشرين بالمائة رياضياً للوصول للرئاسة هو الخمس وتطبيقياً... كل أربع رؤساء من النسبة الأعلى فالخامس حتماً من النسبة الأقل. وتتغير الاحتمالية الرياضية 1/5 عند الخوض بهيكلية الثمانين بالمائة وتركيبتها حيث أن قسماً كبيراً منها له انتماؤه الوطني على أساس ثقافي (شركسي، داغستاني، ألباني...) أو سياسي (بعثي، قومي سوري، شيوعي، ناصري...) أو فكري (علماني، كلاسيكي، ليبرالي...)، فتنقسم هنا الثمانون بالمائة خارج إطار الدين والمذهب إلى خمسة أو ستة أقسام إن لم يكن أكثر، ففئات واسعة من هؤلاء ستدافع وتعبر ديمقراطياً بما تؤمن به باختيار ما يناسبها، عندئذ تتراجع الثمانون بالمائة وتتجزأ مؤدية إلى تغير في فرص الاختيار، فيعاد تشكيل النسب مرة أخرى اعتماداً على علم الاجتماع الرياضي الذي يرفع بذلك احتمالية أن يكون الرئيس غير مسلم على أساس تغير نسبة 1/5 لتصبح 1/4 أو 1/3 أو 1/2 أو ربما 3/4. نتائج مبنية على أساس رياضي نظري يجب عدم تجاهلها، والأخذ بها على الأقل من زاوية المنطق الرياضي النظري في مجتمع ينادي بالديمقراطية غير المجتزأة، وكثير من مكونات النسبة الأعلى لا يؤيد فكرة إسلامية رئيس الدولة كشرط أساسي للترشح في مجتمع إسلامه مدني وليس عقائدي (مستورد من الجنوب) بما ينسجم مع الطرح العام على مستوى متطلبات الشارع وطموحه وذلك بالحد الأدنى.

ولا يتجاهل من زاوية أخرى مماثلة دور المرأة وأهميتها كنصف فعال في  المجتمع قولاً وفعلاً، برنامجاً وتطبيقاً، تمكيناً وتحريراً، فلا يعبر عن حضورها عملياً بنسبة3/29 فقط من أعضاء اللجنة بل بالنصف تماماً، وهذا ما يشير ضمناً إلى الابتعاد عن جوهر المعلن وفصل القول عن الفعل والنظري عن العملي والميداني عن التنظيري وتحييد نصف السكان والتعاطي مع المرأة كتابع على أرض الواقع وإهمال المعلن حول  تمكينها...

 فدستور لجنته (ذكورية) بامتياز يحيد بعض أعضائه فئات أساسية من البنية السورية هو دستور احتكاري يبتعد عن أسس الحرية والديمقراطية، ويطال بنية الحق والواجب يتعارض مع مدنية الدولة ويهدد استمرارها سورياً في ظرف دولي طابعه إسلاموي، خاصة وأن هذا الدستور في هذا الظرف الاستثنائي سيساهم في كل من رسم هوية المرحلة القادمة لعقود وربما لقرون وترسيخ استمرار تفاعل المكونات السورية بالحفاظ على واحد من أهم عناصرها.

أخيراً وللتذكير... إن كان للذاكرة مساحة وفعل مؤثر... يوم انتزع فارس الخوري الاستقلال السياسي لسورية من فوق مقعد المندوب الفرنسي في عصبة الأمم لم ينتزعه لفئة دون أخرى ولا لرجل دون امرأة، بل قدم ما استطاع فعله لأبناء بلده كافة من باب الواجب والانتماء والوطنية التي لا تميز ولا تفرق بين أي من أبناء البلد الواحد.

هوامش ...

- بلغت نسبة المسيحيين أكثر من 60% من إجمالي عدد سكان سورية عام  1860، واليهود العرب 6-7%، وأصبحت نسبة المسيحيين من إجمالي السكان عام 1950  حوالي 40%  ونسبة اليهود 1.5%.(5)

- جاء الرفض قاطعاً عندما طلبت الحملة العسكرية الفرنسية من المسيحيين عام 1860 مغادرة سورية ولبنان إلى الجزائر على متن سفن تقلهم.. تكرر الطلب بعد 115 عاماً من جانب الأميركان، وعاد ساركوزي ليطلب الطلب نفسه مؤخراً من البطريك الراعي، وكل الطلبات قوبلت بالرفض القاطع من سكان البلاد الأصليين. (6)

مراجع:

1- القرار الجمهوري رقم 33 عام 2011

2- من روح الدستور السوري.

3- تلفزيون الدنيا لقاء مع الدكتور محمد خير عكام وصحفية أردنية وما ورد على لسان الدكتور عكام حول حتمية أن يكون رئيس الدولة مسلماً معتمداً وبشكل قاطع على نسبة 80% مسلمين من إجمالي عدد السكان،منذ أكثر ثلاثة أسابيع مضت.

4- http://www.facebook.com/#!/groups/ctzn.zero

5- مجموعات إحصائية سورية عام 1948، 1950.بعد التحليل الرياضي.

6- بولاد ،الياس، ورقة بحث حول أحداث 1860 في لبنان ودمشق